صحيفة المثقف

العسكرية المصرية تصدرت عناوين كبرى الصحف العالمية

محمد بغدادي(لست أظنكم تتوقعون مني أن أقف أمامكم لكي نتفاخر معاً ونتباهي بما حققناه في أحد عشر يوماً من أهم وأخطر بل واعظم وأمجد أيام التاريخ وربما جاء يوم نجلس فيه معاً لا لكي نتفاخر ونتباهي ولكن لكي نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلاً بعد جيل، قصة الكفاح ومشاقه ومرارة الهزيمة والآمها وحلاوة النصر وآماله). بهذه الكلمات استهل الرئيس الراحل أنور السادات خطابه أمام مجلس الأمة، وعادت الروح مرة أخرى للجسد العربي، وباتت أصداء أكتوبر تتوج عناوين الصحف ووكالات الأنباء العالمية، واخترقت أصوات الطيران المصري قارات العالم السبعة، وزٌلزلت تل ابيب وفقدت واشنطن الوعي مع الضربات الموجعة لابنتها الوحيدة، وتحول عيد الغفران لعزاء يتلقاه نيكسون وجولدمائير بدرس عربي مؤلم، وكأن موقعة بدر بٌعثت من جديد. فلا شك أن القاصي والداني يدرك ماهية أكتوبر بالنسبة للمنطقة العربية بصفة عامة ومصر بصفة خاصة، وماذا يٌدرك الجندي ما يحتوية شهر الانتصار من إقلاع الليل الحالك الظلمة وبزوغ فجر جديد به نسمات الحرية والعزيمة حيث تحولت سنوات اليأس إلى الرجاء، وعادت الأرض لتحافظ على كرامتنا، وانطفأت نيران قلوب المصريين واستٌبدلت بطمأنينة وعزة. وبات شهر الانتصار علامة فارقة في تاريخ الأمم، ومادة تُدرس في كبرى الجامعات العالمية ومنها جامعة تل ابيب.

قاد الزعيم الراحل أنور السادات بلاده إلى عصر جديد وانتصار عسكري على أقصى مقياس دولي حين أدركت القيادة السياسية أنه لا ملجأ إلا إعادة الأرض المغتصبة وتشكيل الخريطة المصرية كما كانت قبل انكسار عام 1967، وأخذ الثأر وبالقوة بعد دراسات متأنية وتخطيط استراتيجي عسكري مع مراعاة الأبعاد الاجتماعية وطبيعة الوعي لدى المصريين وبحث الواقع المصري والعربي. فلقد علمتنا أكتوبر الكثير من الدروس والعظات منها : كيف نبني أجيالاً بالعلم والإيمان والقوة والقدرة والعزيمة والإرادة والحب، كيف نيعد تأهيل الجنود والمصريين نفسياً لاستقبال الحرب بكل إقدام وفرح، كيف نربي أولادنا على حب هذا الوطن العريق، كيف أن الجندي المصري هو كلمة السر في تحقيق انتصار ساحق رغم قوة واشنطن وتل ابيب حينها، كيف صدقت الرؤيا لسحق ما سُمي بالجيش الذي لا يقهر، تعلمنا كيف أن الحرب فن وخدعه وجولة وقفزة وقبل كل هذا تخطيط وتنسيق وتنظيم وتدريب.

لقد تحققت فنون الإدارة عندما بدأ الاستعداد لحرب يوم الغفران، وتحققت الخدعه لاشغال العدو بأمور كثيرة قبيل البدء في العمليات العسكرية، فلقد انهى انتصار أكتوبر سنوات الهزيمة المضنية وسحقها تماماً وعادت الابتسامة من جديد للبيت المصري والعربي.فلقد اعطتنا حرب 73 دروساً لم نتعلمها في كبرى الجامعات الدولية حين اثلجت صدور المصريون، وجعلت الأمة العربية صفاً واحداً أمام التحديات الدولية والاقليمية، واصطف الجنود العرب لمقاتلة عدواً واحداً أرهقته الظلمات وتملكه الغرور حين أعلن أنه جيش لا يٌقهر. ولقد استطاع الجندي المصري بتر خط بارليف المنيع وكسره تماماً بفضل المياه التي جعلته كالرميم بعدما أنشأته تل ابيب في سنوات ليست بالقصيرة، فمن ذاق ويلات الهزيمة عرف معنى الانتصار ومفهوم الحرية وماهية السلام فشتان بين سلام الظلم وسلام العدل، فنحن نحتاج للآلاف المجلدات وملايين الكتب ومليارات الأوراق لكي نكتب ساعات ودقائق وأيام أكتوبر عام 1973، فحينما صدقت النوايا وأصبح الشعار الله أكبر واستعددنا جيداً للمعركة تحولت الحياة بأكملها وتبدلت للأفضل وأصبح المصريون أحاديث وكالات الأنباء العالمية ومقالات ذوي الكلمة من كٌتاب الغرب، وأصبحت العسكرية المصرية مادة يتم تدريسها بكبرى الجامعات العالمية بلندن وواشنطن وباريس وروما وحتى في البيت الاسرائيلي ذاته.

لقد وقف التاريخ طويلاً بالفحص والدرس ليعلمنا كيف حول المصريون حياتهم من اليأس للرجاء، وكيف قاد الأبطال مشاعل النور، واستطعنا بالحسابات السياسية والعسكرية أن نحصد مجداً ومكانه دولية رائعة وأصبح الغرب الأوروبي وواشنطن يضعوا لنا القبعات ويحترموننا في الأوساط العالمية والإقليمية، وباتت القاهرة عاصمة الانتصار العسكري ومدينة الكفاح الباسلة. فلم يأتي الانتصار يا سادة إلا من خلال العمل والإنتاج والجهد والتعب، بعدما مضت ست سنوات عجاف منذ نكسة 1967 وحتى تحقيق الانتصار في 1973. فاستطاع جيل أكتوبر أن يبني ويٌعمر ويُنشأ ويٌقيم ويٌغير الخريطة السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية بما يٌعيد لهذا الشعب حقوقة ومتطلباته.

لم تنتهي روح أكتوبر بعد ولم تبعٌد عن القيادة السياسية الحالية حيث أصبح العمل والإنتاج هو الشغل الشاغل لديها وباتت تفكر وتفكر كيف نصنع دولة مصرية من جديد وكيف نبني ونقيم أجهزة داخل الرحم المصري، وكيف نجعل من مصر دولة رائدة ليس فقط في الشرق الأوسط بل في العالم أجمع، فمثلما كانت القاهرة هي أحاديث الصحف بعد انتصار عام 73 أصبحت هي الآن أحاديث القنوات الإعلامية بعد سلسلة الانشاءات المختلفة وشبكات الطرق والكباري وإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة بعيداً عن رحم القاهرة المزدحمة. فتحية تقدير واعزاز واجلال للعسكرية المصرية صاحبة الفضل الأول لمصر والعالم العربي، وصاحبة الرؤية والرسالة والأهداف  في كل وقت وحين منذ نشأتها وإلى الآن لم تبعد عن هذا الشعب ولم تبخل وأعطت الكثير والكثير ولا زالت حتى استولت على قلوب المصريين وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من أفئدتهم وعقولهم. فالجيش المصري لديه خطة استراتيجية لتطوير الدولة في كافة القطاعات ولديه أحلام تريد أن ترى النور حامله على كتفها هموم هذا الشعب القوي الشجاع.

 

محمد بغدادي - باحث دكتوراة

كلية الاقتصاد والعلوم السياسية (جامعة القاهرة)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم