صحيفة المثقف

وللعروس تاج

يسري عبد الغنيدارت حول معجم القاموس المحيط للفيروزأبادي مكتبة تشرح أو تنقد أو تستدرك، وكان أعظم كتاب اتصل بالقاموس شرحه للزبيدي، أبي الفيض، محمد مرتضى، المولود سنة 1145هـ، المتوفى سنة 1205هـ شهيداً بالطاعون، الواسطي العراقي أصلاً، الهندي مولداً، الزبيدي تعلّماً وشهرةً، المصري وفاةً، الحنفي مذهباً، الأشعري عقيدةً، كما كان يصف نفسه في كثير من إجازاته (فهرس الفهارس والأثبات 1/527)، إلاَّ الوفاة، فما تدري نفس بأي أرض تموت.

ابتدأ تأليفه حوالي سنة 1174، بعد قدومه إلى مصر بسبعة أعوام، وسنّه إذ ذاك تسعة وعشرون عاماً، وأكمله سنة 1188، وقضى في تأليف جزئه الأول ستة أعوام وبضعة أشهر، وصنع طعاماً بعد إكماله هذا الجزء، وجمع طلاّب العلم، وشيوخ الوقت، وذلك في سنة 1181، وأطلعهم عليه، فاغتبطوا به، وشهدوا بسعة اطلاعه، وكتبوا عليه تقاريظهم نثراً ونظماً، وأكمل الأجزاء التسعة الباقية في سبعة أعوام وبضعة أشهر، فالجزء الأول منه ألّفه في شطر زمن تأليف الكتاب كله، ومكث في تأليف الكتاب أربعة عشر عاماً. وطلب الملوك وواقفو خزائن الكتب تحصيله، وبذلوا فيه الأموال (تاريخ الجبرتي 4/142، ومقدمة عبدالستار فرّاج للطبعة الكويتية من التاج).

وطُبع من التاج أولاً خمسة أجزاء بالمطبعة الوهبية بمصر سنة 1287هـ، ولم تكمله، ثم طُبع كاملاً في المطبعة الخيرية في عشرة أجزاء سنة 1307هـ.

وعنها ظهرت مصورة دار ليبيا للنشر والتوزيع في بنغازي سنة 1386هـ = 1966م. ثم تولّت وزارة الإرشاد في الكويت إخراجه في طبعة محقّقة تحقيقاً حديثاً أشرف عليها الأستاذ عبدالستار فرّاج، ثم آل الأمر إلى الأستاذ مصطفى حجازي (معجم المطبوعات العربية 2/1727، وتاريخ نشر التراث للطناحي 44 و157 و170، والكتاب المطبوع بمصر في القرن التاسع عشر للطناجي أيضاً 88 و94). واحتُفل منذ سنوات بإكماله في أربعين جزءاً. وكانت مدة نشره سبعة أو ثمانية وثلاثين عاماً، من سنة 1385 إلى سنة 1423هـ، أي من سنة 1965 إلى سنة 2002م. (نقد هذه الطبعة الأستاذ حمد الجاسر في مجلة العرب في سلسلة مقالات طويلة، ابتدأت في الجزء الخامس من السنة الخامسة سنة 1390هـ = 1971م، وأكثر ما عني به المواضع والأنساب؛ إذ كان متخصصاً فيهما).

ومزيّة التاج في المعجمات سعته، فهو أكبر معجم عربي، واستفادته من مراجع كثيرة سبقته من المعجمات وغيرها من كتب فروع التراث، وأنه سدّ ما في القاموس من خلل، وقوّم ما فيه من اعوجاج، فأضاف إليه كثيراً من المواد والصيغ والمعاني، في أصل المادة، وفي المستدرك الذي يجعله في آخرها، وبيـّن المصادر التي أخذ منها القاموس، وذكر الروايات المخالفة، وخلافات اللغويين، ووضح وكمّل، وأتى بالشواهد، وذكر اختلاف نسخ القاموس، ونسخ أصوله، وفيه زيادات واسعة من الضبط ليست في أصله. ونقد مادته، وتتبع منهجه وبيّن اختلاله في أحيان، وانتصر للجوهري حين رأى الحق معه، وتتبع تصحيف القاموس وخطأه واضطرابه في التفسير، وعني بالتنبيه على المجاز، وعلى أصول معاني المواد ومقاييسها.

وعيب التاج ما انتقل إليه من القاموس من أجل محافظته على عبارته من الفوائد الطبية والأعلام والمصطلحات، وهذه كلها ليست من مادة المعجم، وفقد الترابط في سياقه في بعض المواضع من أجل التزامه أيضاً بلفظ القاموس، ومن أجل تفريقه استدراكه عليه بين أوساط المواد وخواتيمها، وأنه لم يطلع على بعض المعجمات ومنها البارع لأبي علي القالي، وأنه أهمل ألفاظاً قليلة في اللسان، وألفاظاً أتى بها في شروحه (انظر في مزايا التاج وعيوبه المعجم العربي 2/528 – 540. وأشار إلى أن له مقالاً في مجلة مجمع اللغة العربية بعنوان: فائت التاج)

ويُضَمُّ إلى ذلك أن الزبيدي عوّل على الجمع، ولم يُعنَ كثيراً بالتحقيق، ونقل عن مخطوطات بعضها غير متقن، فوقع في أخطاء كثيرة (مجلة العرب، السنة الخامسة 5/480)، وأن مراجعه لم تكن حاضرة بين يديه في كل المدة الطويلة التي ألّف فيها الكتاب، فكان يرجع إلى نسخ مختلفة بعضها غير تام.

ولكنه بقي أوعبَ المعجمات، وجمهرةَ علومٍ واسعة من التراث العربي العريض

 

بقلم: د.يسري عبد الغني

......................

راجع كتابنا معجم المعاجم العربية، دار الكتب العلمية، بيروت

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم