صحيفة المثقف

أمنيات لو

كريم الاسديمثنويّات ورباعيّات عربية..


لوعبرتُ الدربَ في هاجعةِ الأسحارِ نحو الدارِ داري

كنتُ روَّيتُ ونوَّرتُ دنى العشّاقِ من مائي وناري

**

لو قطعتُ الدربَ للماضي لَألغيتُ الحروبْ

من قواميس البشرْ

وللَأهديتُ الى العشّاقِ آلافَ الدروبْ

ولَوزعتُ على الأنهارِ أقمارَ السَمَرْ

**

لو عبرتُ الدربَ للماضي لَصرتُ الفجرَ بالأنوارِ قادمْ

ولَلامستُ قرارَ البحرِ مرفوعاً الى أعلى السلالمْ

**

لو وصلتُ الدربَ بالماضي لَأهديتُ شبابيكَ النساءْ

أُغنياتٍ من عصافيرِ النجومْ

ولَأولمتُ الى سربِ الغيومْ

أن يحيلَ المَحْلَ بستانَ سماءْ

**

لو عبرتُ الدربَ للماضي الى تلكَ الجُزرْ

لَأمرتُ الناسَ ان يمضوا الى عمقِ الفراتْ

ثم يأتي كلُّ منهم بحصاةْ

نبتنيها هيكلاً للحبِ في تلك الجُزرْ

**

لو أتى نحوي صديقُ الأمسِ في ثوبِ الطفولهْ

لَرأى النهرُ بقلبِ النهرِ ظلاً ونخيلَهْ

**

لو أتى نحوي نديمُ الأمسِ في صحوِ الثمالهْ

لرأى النهرُ بروحِ النهرِ نخلاً وظلالهْ

**

لو قطعتُ الدربَ للماضي الى فجرِ العصورْ

كنتُ باركتُ الطقوسَ السومريهْ

ولَمجدتُ بزوغَ الأبجدية

وقطعتُ الحقدَ من قلبِ الدهورْ

**

لو وصلتُ الدربَ بالماضي الى أيامِ بابلْ

لَعبرتُ الدربَ من بابٍ لعشتار الجميلهْ

ذاهبا في كلِّ يومٍ لخميلهْ

واستضفتُ الليلَ نجماً ورياحاً وسنابلْ

**

لو عبرتُ  الدربَ للماضي لبغدادَ ودجلهْ

وسمعتُ الشعرَ والقيثارَ من قلبِ الليالي

كنتُ أبدعتُ جمالاً  يتسامى نحو آفاقِ الجلالِ

جاعلاً متسعَ الكونِ رواقاً ومحلهْ

**

لو جلستُ الليلَ فوق الجسرِ في تلكَ الديارْ

وسمعتُ الماءَ ينداحُ ضجيجاَ وسكوتْ

وتمليتُ نجوماً في فسيحِ الملكوتْ

كنتُ أوصلتُ نهاياتِ مسارٍ في بدايات مسارْ

**

لو مضى سمعي رهيفاً نحو أنباء الروافدْ

لَمنحتُ السرَّ للماءِ مع النورِ المذابْ

ولَوحدتُ جواباً في سؤالٍ ، وسؤالاً في جوابْ

ولَأرجعتُ زماناً ومكاناً نحو بعدٍ لانهائيٍ وواحدْ 

**

لو ملكتُ الكونَ شذراً ومياهاً وعقيقْ

كنتُ أنفقتُ الذي أملكُ كي اغسلَ قلباً لصديقْ

**

لو سكبتُ الحبَّ من أنهر قلبي في قوارير النساءْ

كنتُ رويتُ القواريرَ مدى الأزمانِ مِن أوَّلِ حوّاءٍ الى آخر حاءٍ ثم باءْ

**

لو منحتُ الهمّ همَّ الروحِ للجِنِّ لَجُنَّ الجنُّ في الوديانِ والجوِّ وهاموا

ولَثارتْ سحبٌ سودٌ من النجماتِ وانقضَّ على الدهرِ مدى الدهرِ قتامُ

**

لو درى النخلُ بما أهجسُ في الأضلعِ من حرِّ الفراقْ

لَأقتنى قلبيَ شمساً لا تضاهيها لظىً شمسٌ لتموزٍ وآبْ

ولآبَ الرطبُ اليانعُ للأعذاقِ في كانون في كلِّ بساتينِ العراقْ

ولَعادَ الناسُ أسراباً الى النهرين ، والأِشعارُ ماءً لا سرابْ

**

لو زرعتُ (اللوَ) في البيداءِ واخضَّرتْ من (اللوِ)  خمائلْ

لَشتلتُ الدربَ مابيني وبين الدارِ نخلاً وفسائلْ 

***

شعر: كريم الأسدي

...........................

ملاحظات:

* نُشرتْ هذه المقاطع في الملحق الأدبي والثقافي الأسبوعي لجريدة النهار البيروتية في نهاية شهر آيار من العام  2009 وذلك بعد كتابتي لها في برلين بفترة قصيرة ، ما عدا ثلاثة مقاطع جديدة أضفتُها يوم الثاني من كانون الأول 2020 ، وموقع المقاطع الجديدة هنا في النص قبل المقطع الأخير.

** في النظرية النسبية ونظرية الأنفجار الكوني ونظريات الفيزياء الفلكية الحديثة هناك اشارات ان بُعدي الزمان والمكان يتوحدان في بُعدٍ واحد بَعد حوالي 15 بليون سنة ضوئية، وبهذا يجتمع الماضي والحاضر والمستقبل في كلٍ واحد ويكون من الممكن حينها استعادت كل حدث من الذكريات واقعاً معاشاً بما يشبه في السينما والأفلام السينمائية  تقنية ال (Flashback) .

*** هذا النص المعنون ب (امنيات لو) يشتغل على كلمة بؤرة من الكلمات الأدوات في اللغة العربية محاولاً كشف كم الضوء والطاقة في هذه الكلمة وسبر أغوارها، والكلمة في هذه الحالة (لو)، وقد سبق ان نشرت نصوصاً مماثلة حيث الكلمات  الأدوات بؤر ضوء فقدمتُ مثلاً (احتمالات ربّما) وها أنا اقدم الآن (أمنيات لو) في هذا النص الذي  هو جزء من مشروعي الشعري (مثنويات ورباعيات عربية) والذي سبق وان عرَّفت فيه القاريء في النصوص المنشورة السابقة، وستتبعه فصول جديدة، وكل أملي ان يكون فيها اشتغال جديد ومبتكرعلى الأوزان والطرائق الشعرية العربية .

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم