صحيفة المثقف

الرهاب الاجتماعي.. اضطراب القلق الاجتماعي

المشاعر المريضة اذا لم تنقلها الجينات ستنقلها التربية الخاطئة!

يعرف الرهاب الاجتماعي على انه حالة مرضية مزعجة يشعر بها المريض الذي تتقيد حريته ويتجنب الحضور والاختلاط مع الاخرين وخوفه الشديد من الاخرين لاحساسه بانه مراقب!

يتعرض الانسان وعلى مدى سني حياته الى الكثير من المواقف المزعجة التي تترك اثرها سلبا، وتختلف درجة تقبل هذه المواقف من شخص لاخر كل حسب شخصيته، فما يراه انسان مشكلة عابرة يراه اخر كارثة لايمكن حلها، وهذه الامور ترجع الى الطريقة التي ننظر من خلالها للمشكلة وكذلك نظرة الاخرين لتلك المشكلة.

تتباين المواضيع التي تؤدي الى الرهاب النفسي تبعا لشدتها ولاختلاف الشخصية، فمثلا اغلب الناس يتهيبون من الظهور امام الاضواء او الكاميرا لاجراء لقاء صحفي او للظهور على المسرح او عند تقديم اطروحة او القاء كلمة امام جمهور وغير ذلك مما يتطلب مواجهة مع اناس كثيرين يتوجهون بانظارهم الينا، وهذا امر طبيعي جدا بل انه فطري يجعلنا نشعر بالارتباك وحتى الخجل، لكن ان نكون في مكان عام لغرض التسوق مثلا ونشعر اننا محط انظار الجميع، فهذا ينظر بشكل مريب، وذاك يتغامز بلا حياء، والاخر يضحك فيجعلني انظر الى نفسي او ملابسي اوطريقة مشيي، فارتبك كثيرا وانفعل ولاتقوى قدماي على حملي واحاول ان اتوارى عن الانظار فهذا اضطراب القلق النفسي بعينه.

وككل الامراض النفسية علينا ان نبحث عن الاسباب التي تؤدي الى الرهاب الاجتماعي !

تتاثر الشخصية الحساسة الخجولة لاضطراب القلق النفسي اكثر من غيرها، لان من سماتها الاساسية الخجل وهو طبع فيها اما ان يكون متوارثا، او انها تاثرت بالتربية التي تفرض نوعا معينا من السلوك المظطرب نتيجة الضغوط التي يمارسها الاهل على الابن ويعتبرونها مكسبا وهم يرون هذا الابن او الابنة يتوارى خجلا ويتلعثم عندما يلقي احدهم السلام عليه فيعتبرونها تربية جيدة وصالحة، انما هي بالحقيقة تربية خاطئة انتجت انسانا مهزوزا، قلقا، خائفا من مواجهة الاخرين او حتى رد السلام او القاءه!

واذا اعتبرنا ان الخجل سمة عند الطفل او حتى المراهق، لكننا لايمكن اعتباره سمة عند البالغ بل مرض نفسي يجب الوقوف على اسبابه واعراضه، ومن الاعراض الشائعة الاتي:

- الابتعاد قدر الامكان عن الاخرين سواء خارج البيت او داخله، اي عند زيارة الاقارب او اي ضيف.

- عدم الظهور في الاماكن العامة المزدحمة او في المناسبات الخاصة والعامة.

- الشعور بالحرج والارتباك عند توجيه سؤال من اي احد كأن يكون غريب او قريب او حتى زميل او معلم في المدرسة.

- ردة فعل جسدية تجاه المواقف والاشخاص تتجسد باحمرار الوجه وفرك اليدين، والارتجاف والتلعثم.

- التشاؤم الدائم وتوقع الاسوء.

- الخوف من الفشل بل ان الفشل هو الهاجس الوحيد الذي يراود المريض.

- الخوف والريبة من الاخرين والتوجس منهم والشك فيهم، واظهار سوء النية تجاه سلوكياتهم.

- فقدان الثقة بالنفس او انعدامها التي تؤدي بدورها الى التفكير السلبي، الاحباط، الخوف من الانتقاد.

- ضعف او انعدام التواصل الاجتماعي الذي يؤدي بدوره الى التقوقع والرهاب الاجتماعي.

هذه الاعراض وغيرها تفرض على المريض طوقا من الشك والحذر والتوجس والخوف من الاخرين يجعل المريض يعيش في عزلة شبه تامة عن الاخرين خصوصا ان كان المريض عاطلا عن العمل فذلك يوفر له الجو المثالي للانطواء والانعزال الذي يشعره بالامان مادام بعيدا عنهم، ومما يزيد الطين بلّة ان المريض مسؤول عن اسرة، فكيف تعيش هذه الاسرة بافرادها وان اختلفت الزوجة بالطباع، فلا يمكن ان ينفذ الابناء من العدوى التي تطالهم با لوراثةاوالاكتساب او الايحاء او حتى بفرضها بالقوة اذا كان الاب هو المسيطر او قد تكون الام مصابة بهذا المرض فالامر يحتمل الشقين، فينشا الابناء اما نسخة طبق الاصل وهذا طبيعي فان الامراض النفسية اذا لم تنقلها الجينات ستنقلها التربية الخاطئة، في كنف هذا الطوق الذي يحاصرهم ويمسخ شخصياتهم، او ان ينشا تمرد قوي تجاه هذا المرض يؤدي الى الاحتجاج الدائم ثم الثورة والانقلاب على هذا الواقع المرير الذي ينتج شروخا قوية بالعلاقة الاسرية يكون من نتائجه العقوق!!

وتعزى الاسباب الحقيقة لاضطراب القلق النفسي الى:      

- الوراثة وهذه ترجع الى الجينات المتوارثة والتي تعزى اليها الكثير من الحالات المرضية، فالتاريخ العائلي له الاولوية في الكثير من الامراض النفسيةالمتوارثة عن طريق الجينات او عن طريق الاكتساب.

- تقبل الشخصية التي تميل الى الانطواء والقلق اصلا فالكثير من الشخصيات تكون طبيعتها الفطرية انطوائية دون معرفة السبب لذلك!

- تاثير البيئة وذلك يتضمن البيئة الاسرية التي فيها احد الوالدين او كلاهما يميل الى الحرص المفرط تجاه الابن، هذا الخوف المرضي يؤدي الى اضطراب القلق عند الطفل.

- المحيط الاجتماعي وهذا يتضمن البيئة المحيطة بالطفل او المراهق، مدرسته، اصدقاءه، جيرانه وطريقة تعاملهم معه، فالتنمر لفظيا اوجسديا يؤدي الى اضطراب القلق النفسي بامتياز وعزوف الطفل عن الذهاب الى المدرسة او مواجهة الناس المتنمرين الذي يقود فيما بعد الى الخوف والهلع من الجميع.

وككل الحالات النفسية فالقلق اذاكان طبيعيا وبالمعدل المطلوب للحياة الاجتماعية فهو قلق صحي تستند عليه سلوكيات الحياة كخط دفاعي سلاحه الحذر والحيطة من الوقوع بالمازق والابتعاد عن الاشخاص السيئين والمواقف الغير سوية، كالابتعاد عن اصدقاء السوء وتجنبهم مثلا، والحذر من الامور التي تجعل الانسان عرضة للنقد او الازدراء وهي كثيرة، فهذا النوع من القلق هو قلق صحي محمودة فضائله اكثر بكثير من تسميته قلقا!

اما ماعداه فهو قلق مبالغ به وهو مرض نفسي واجتماعي خطير، ولعلاج هذا النوع من الامراض يجب اللجوء الى:

- الرجوع الى الذات والوقوف على مواطن الضعف والمرض فيها ومحاولة اصلاحها.

- الحرص على النظر في عيون الاخرين عند القاء السلام او فتح حديث ايا كان من شانه ان يجعل الانسان اكثر جراة.

- تعزيز الثقة بالنفس من خلال تقوية الوازع الديني وممارسة الطقوس الروحانية كالصلاة والدعاء وقراءة القران والاقتداء بالسلف الصالح الذي يعيد الشعور بالطمانينة و يدعو الى السلام الداخلي.

- حضور محاضرات التنمية البشرية التي تعزز الثقة بالنفس وتعيد التوازن الى النفس من خلال جلسات التامل ودروس اعادة بناء الشخصية.

- اللجوء الى الطبيب النفسي او اخصائي علم النفس الذي سيعيد الامور الى نصابها من خلال التوجيه والارشاد او وصف العلاج المناسب الذي يعتمد على الجلسات النفسية الارشادية او وصف الدواء المناسب.

- مواجهة الاشخاص والمواقف مهما كانت وتقبل النتائج كماهي تعتبر الخطوة الاولى لاجتياز هذه الحالة وستاتي الخطوات التالية تباعا .

- التعرف على اصدقاء ايجابيين يستطيعون التاثير على المريض عن طريق الايحاء الاجتماعي، والدخول في نقاشات مثمرة بامكانها ان تغير نظرة المريض الى الحياة.

- التدريب على الالقاء حتى وان كان امام المراة فذلك من شانه ان يكون خلفية تختزنها الذاكرة ويستخدمها في الوقت المناسب.

- ترديد عبارات تحفيزية تحث على الثقة مثل انا ناجح، انا واثق، انا فاهم، انا مسرور، انا ودود وهكذا، ومع التكرار يختزنها العقل الباطن ثم تنعكس نتائجها ايجابا على السلوكيات اليومية.

ومع الوقت بامكان هذه الاساليب ان تساعد في السيطرة على اعراض الرهاب الاجتماعي اوالحد منها والتاقلم على اجتيازها لتجاوز حالات اضطراب القلق، واعتبارها تحدٍ مهما كانت الامور صعبة او مؤلمة في بداية الامر، والحرص على مواجهة تلك المواقف بصورة مستمرة وعدم التتهاون بذلك، فان ذلك كفيل بتغيير برمجة العقل واعتماد البرمجة الجديدة خصوصا اذا ايقن المريض ان خوفه الغير مبرر لاصحة له وان الحياة اكبرواجمل من الانعزال عنها.

واخيرا اقول:

 الانسان يحيا مرة واحدة والحياة اكبر واجمل من ان نضيعها بالقلق والخوف والانعزال..

 

مريم لطفي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم