صحيفة المثقف

رسوم معبدة

يسري عبد الغني- لقد امتزج العرب بالعجم من الفرس والروم واليونان والهند فأعجبوا بعلومهم فترجموها وزادوا عليها بالتأليف في العلوم والطب والرياضيات والفلسفة وغيرها من العلوم الطبيعية، كما وضعوا النحو والفقه والتفسير والبلاغة وغيرها، وساعد على ذلك تشجيع الخلفاء والحكام للأدباء والعلماء والمترجمين وأهل الفكر والرأي كأبي جعفر المنصور والمهدي وهارون الرشيد وابنه المأمون حتى كان بعضهم يعطي للمترجم وزن كتابه ذهبًا مكافأة له، ومن العلماء من ألف في الرياضيات الذي ابتكر علم الجبر، وجابر بن حيان الذي ألف في الكيمياء، والكندي وابن رشد في الفلسفة، وابن سينا في الطب، والبيروني في الفلك ... وغيرهم ..

لقد كان هذا كله مقرونًا بالحرص التام على الضبط والتصحيح، وكما يقول ابن خلدون (732 هـ ـ 808 هـ) في مقدمته إن هذه الرسوم بالمشرق والأندلس كانت معبدة الطرق واضحة المسالك، ولهذا نجد الدواوين التي تقوم بعليات الكتابة والنسخ لذلك العهد في أقطارهم على غاية من الإتقان والإحكام والصحة .

ويشيد ابن خلدون بالجهد الذي بذله الأوائل في عملية نقل الثقافات عن طريق المشافهة و التدوين إلى عصره وإلى العهود الحالية دون انقطاع، مشيرًا إلى التقدم الكبير الذي حدث في الشرق والأندلس في علوم وفنون الخط والضبط والرواية، مما أدى إلى التحضر والإقلال من البداوة .

كما أن صناعة الرواية قامت بالمشرق وتطورت لتقوم بعمليات نقل الثقافات مدققة محققة مصححة لمن يطلب ذلك أو يبتغيه، والرواية معتمدها التسجيل الدقيق المنضبط، وهذا يوضح لنا الأسباب التي جعلت ما نطالعه من أمهات الكتب العربية والإسلامية في شتى العلوم والفنون على درجة كبيرة من الضبط والتصحيح، وهذا ما نراه رؤية العيان في المؤلفات العربية بوجه عام حتى القرن الثامن الهجري وهو العصر الذي عاش فيه ابن خلدون .

وختامًا نحب أن نشير إلى أنه من سمات الثقافة العربية ارتباطها بالأديان وبالأدب شعرًا ونثرًا وبالعلوم الكونية كالفيزياء والكيمياء والطب والصيدلة، وبما وراء الطبيعة كالفلسفة وعلم الكلام والبحث في العالم الآخر والحساب والجزاء، وهذه الثقافة تشكل الإنسان العربي لامتيازها بالجمع بين الأصالة والمعاصرة مما جعل أسلوب حياته سمحًا معتدلاً قائمًا على أساس التمسك بالمبادئ والقيم الأصيلة .

 

بقلم. د. يسري عبد الغني

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم