صحيفة المثقف

الواقع الحقيقى للمملكة الصهيونية المزعومة

احمد عزت سليموهم وأكذوبة البناء الأخلاقى والسيادى

لم يكن هناك فى أيه عصر من العصور التى تضمنها النص التوراتى، المؤسسة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدينية المتسعة الامتداد، وشاملة التأثير، ومدارة تحت سيطرة شخص واحد مفرد أو عائلة موحدة أو هيئة حاكمة تتمتع بشخصية وكيان مستقل ومستقر، متميز عن الشعوب الأخرى والمجتمعات التى تعيش بين ظهرانيها وتفرض الولاء والخضوع والحماية وتؤدى إلى وجود ما يمكن تسميته الدولة أو الإمبراطورية وعلى العكس تماما ما فعلة داود وأولادة يثبت أن البناء الأخلاقى والسيادى وهمان كبيران فقد وضع جميع ما فى مدن عمون من شعوب تحت مناشير ونوارج حديد وفؤوس حديد ثم أحرقهم فى أتون الآجر، إنها المحرقة الحقيقية، إن كانت حقيقة، وفورا أعتدى أبشالوم على أخته ثامار، ولم ينجح فى صد فرعون عن جازر المحصنة، واختُرعت حكاية مهر زوجته للتغطية على خضوعه للدولة الفرعونية وفقدان السيطرة على مدنه وسرعان ما يصعد ملك مصر شيشق (المذكور اسمه) إلى أورشاليم فى عهد رحبعام ويأخذ خزائن الرب وخزائن بيت الملك وأخذ كل شئ وأخذ جميع أتراس الذهب، وتناحر وتصارع آسا ملك يهوذا مع بعشا ملك إسرائيل حتى أُهلك " الجميع "، مُلك لا يحمى سريره وما حوله ولا أطرافه وحدوده، إنما منظومة كهنوتية تبدأ برب الجنود وتابوته وخيمته وخزائنه وعهده وأولاده وشعبه / الجميع / الجمهور / الكهنة  ومن خلال المنظومة الدائرية الكل يتخاصم مع الكل يتم إغاظته ويعمل الشر فى عين الآخر ولا يُستثنى رب الجنود من ذلك، وبالتالى لم يكن هناك أى سلطة قائمة فى النص تستطيع تحقيق إقرار النظام الاجتماعى وتأمين التكامل بين الأفراد فى الجماعة لمصلحة المجموع وتأمين هذا النظام واستمرار وجوده بما يسمح بالتطور والتقدم، بل العكس ساد نمط إنتاجي بدائي ونمط ثقافي مكرر، بل ومقرر بواسطة رب الجنود،  وساد نمط ديناميته الهدد والهرب على مساحة واسعة من النص إلى درجة أنه " لما رأى رجال الذين فى عبر الوادى والذين فى عبر الأردن أن رجال إسرائيل قد هربوا وأن شاول وابنه قد ماتوا، تركوا المدن وهربوا، فأتى الفلسطينيون وسكنوا فيها (صموئيل 31 / 7) ولا شك أن السكن هنا يعنى الإقامة مقرونة بالاطمئنان والأمن .

وقد انعكس هذا على الوضع الاقتصادى والحضارى لهذا " الجميع " حيث كان الجوع فى أيام داود ثلاث سنين سنة بعد سنة وحاول مؤلفوا النص أن يخفوا حاجاتهم الاقتصادية والثقافية والأمنية للجبعونيين فكان قمة التآمر على ورثة الملك شاول فى أول أيام الحصاد وابتداء حصاد الشعير الذى ينهى الجوع ويخفى تحكم الجبعونيين فى الشعير وإنهاء الجوع على جثامين ورثة الملك الحقيقين خضوعاً للجبعونيين حتى يتحقق الأمن والشبع ولا يتكرر الهرب من المدن مرة أخرى .

وكما ورد فى النص، أنه ليس بينهم أحد يعرف قطع الأخشاب مثل الصيدونيين ولا هم مسيطرون على لبنان لكى يقطعوا أرزاً منها، ولأنه لا يوجد العمال المهرة ولا الفنيون فقد عرض المتسلط سليمان على حيرام ملك صور أن يدفع له أجرة عبيده  حسب كل ما يقول ليعلم مهرة ملك صور عبيد سليمان قطع الخشب مثل الصيدونيين، وسخر ثلاثين ألفاً لهذه العملية وحتى ملك صور نقل إليهم النٌحاس حيرام الصورى وصنع لهم الأعمال والمسبوكات التى استغرقت تفاصيلها الفنية من الاصحاح السابع فى سفر الملوك الأول سبعة وثلاثين آية، حتى المراحض، التى لم يكن يعرفونها ، علمها لهم، ولا شك أن هذه التفاصيل الدقيقة تدل على التأثير الحضارى الأجنبى على هذا " الجميع " وتبنى النموذج الخاص به، فكان حيرام بخبرته الصورية إعجازاً وأعجوبة، وياله من ملك متسلط هو سليمان، قد ساعفه آخر بخشب الأرز والسرد والذهب والصناع المهرة وساق النواتى العارفين بالبحر سفن سليمان وأتوا إليه بالذهب من أوفير .

لقد تحول كل الجمهور / " الجميع " كما طرح النص ـ من العبودية للفرعون إلى عبودية الكهنة، وامتلك الكهنة العمل وفائض العمل وأصبحت المنظومة السابق أنموذجاً فى تناحر الطبقات، وأنموذجاً لاستغلال الإنسان للإنسان والذى تم بصورة سافرة وصارمة وكان ملاك العبيد يحتكرون وسائل الانتاج، والأرض وأدوات العمل، وما أكثر العبيد الذين أمتلأ بهم النص ألافاً مؤلفة من المكرهين على العمل، ولا ينتزعون منهم فائض المنتوج فحسب بل وجزءاً من المنتج الضرورى لوجوده حتى يبست أنفسهم،  وهذا ما يؤكدة النص من خلال الجوع المستمر والتطلع إلى العودة إلى مصر للشبع حيث كان أكل السمك مجاناً فلم يستغلهم المصريون ـ وهذه حقيقة مسكوت عنها فى النص ـ وكما استغلهم الكهنة ورجال القوة، فكانت الذبائح والمحروقات من الثيران وغيرها رائحة سرور للرب والشعب جائع، وحرضتهم الكهنة باسم الرب على سرقة المصريين فما كان من هارون إلا أن أخذ الذهب وصنع عجلاً للعبادة وعمل المحروقات له، وكان اختراع القداسة " للجميع " واختياره من قبل الرب ليكون له شعباً خاصاً دون الشعوب الأخرى وفوق الشعوب الذين على وجه الأرض  وكانت مخالفة الكهنة والرب وممثليهما سبباً للكوارث التى تحيق بهذا " الجميع "، ورغم ذلك كان هناك التمرد على الرب، وعلى ملوكه وكهنته رغبة فى التحرر منهم، وليس كما يدعى النص لعمل الشر فى عينى الرب وكانت العلاقة بينهما علاقة تبادلية نفعية  بين الكهنة ورجال القوة وتستهدف إضفاء الطابع الإلهى على كل منهما لتغطية نفقات كل منهما، وظهرت أشكال التسلط والطبقية .

ولم يكن هناك أبداً فى يوم من الأيام طوال النص ما يثبت أن المملكة المزعومة كانت ملكاً " للجميع " بل العكس كان " الجميع " ملكا الكهنة وأصحاب القوة، وبفضل عمل العبيد أمكن لهؤلاء الكهنة مع أهل الحكم الانصراف إلى الصراعات الداخلية والتفرغ للنزوات والزيجات بل حينما أنصرف أهل الحكم عن الرب والكهنة انصرفوا إلى آلهة أخرى تحقق لهم مزيداً من الزيجات والبطولة فى الحصول على أكبر كم منهن، ولا يقتصر الأمر على ذلك بل كان هناك بقايا النظام المشاعى والذى تمثل فى الزواج من الأخوات والممارسة الجنسية مع بناتهن وإخواتهن والسرارى التى يمتلكها الآباء، بل وحظيت الزيجات من الزوانى بالرضا وكانت هذه الأنماط الانحلالية  أنماطاً متكررة وأحياناً مقررة بأمر الرب.

وكانت الثورات التى يقوم بها " الجميع " ضد هذه المنظومة المتسلطة والتى كان يتم فيها استغلال "الجميع" جمهوراً وعبيداً طبقاً لمقتضى الغرض والشهوة وحمل الكافة عليهما، وقد أدى ذلك إلى زيادة واضحة لانعدام المساواة فى الملكية بين هذه العناصر لصالح الطبقة المستغلة على حساب أفراد الجمهور ومن هنا كان الرب الذى استغله الكهنة لتحقيق ثروات ضخمة لهم ولذوى القوة وتحقيق فقراً للأخرين وكان غضب الرب تفسيراً وسبباً لآليات الصراع وأفراد للنظام الكهنوتى صفحات امتلأت بالتفاصيل الدقيقة تفاصيل التابوت الدقيقة والموائد والمنارات والمسكن ودار السكن وتفاصيل تقديم القرابين وطقوسها وصنع الألواح والشقق من شعرى معزى، والعوارض والحجاب والسجف والمذبح والثياب والأقمصة وتفاصيل وضع الأطواق، وطرق الزركشة وسلاسلها وطرق ذبح الكباش وما يقدم للمذبح والمراحض وصنع دهن المسحة ومذبح المحرقة والتقدمات الذهب والفضة والنحاس والأسمانجونى والأرجوانى وجلود كباش محمرة وخشب سنط وزيت للضوء وأطيابا لدهن المسحة والعطور وحجارات الجزع والترصيع للأردية وذبيحة السلامة ورائحة السرور والشحم، تفاصيل امتلأت بها صفحات لم يكن الغرض منها سوى إدخال " الجميع " فى التفاصيل الدقيقة للتعمية على طرق الاستغلال ونهب العقل للتعمية وعدم الرؤية وتكبيل الإنسان بجهل حقيقة الاستغلال البشع لأفراد "الجميع".

ولذا لم يشهد المجتمع تطوراً من أى نوع فقد ظلت وسائل الانتاج كما هى فى المجتمعات البدائية الإنسان والحيوان والجر والقطع وظلت سيادة هذا النمط بلا تطور سياسى أو اقتصادى أو علمى أو حضارى حتى كان الضياع والتشتت، وعلى وتيرة واحدة كنمط مكرر ومقرر من الإله وذلك بفعل تأثير النظام الاستغلالى الكهنى، بفعل قوة غيبية مقصورة عليهم، بفعل قوة الرب، ولهذا كثر الصراع والخصام حتى كان كل واحد من أفراد " الجميع " يتصرف كما يشاء .

ولذا سكن بنو إسرائيل فى وسط الكنعانيين والحيثيين والأموريين والفرزيين والحويين واليبوسيين واتخذوا بناتهم لأنفسهم وأعطوا بناتهم لبنيهم وعبدو آلهتهم ونسوا الرب إلههم وعبدوا البعليم والسوارى وتم بيعهم بيد كوشاى وشعتاريم ملك آرام النهرين وعبدوا كوشان عشتاريم وهكذا كما يقول النص عبدوا عجلون ملك موآب  وتم بيعهم بيد يابين ملك الكنعانيين، وللعمالقة وعبدوا آلهة آرام والصيدونيين وينى عمون وآلهة الفلسطينيين وليس ذلك لأنهم كما يقول النص بأنهم عملوا الشر فى عين الإله، ولكنهم عملوا صالح أعمالهم تمرداً على المؤسسة الكهنوتية وأصحاب القوة الذين أذاقوهم الجوع وألبسوهم لباس الفقر بل وبالحرص الشديد على إذلال هذا الشعب الجائع بإقامة المحرقات والذبائح أمامهم لتنتعش المؤسسة الكهنوتية برائحة السرور حتى لم يعد يثقون فى الرب إلههم (تثنية 1 / 21) لقد كان الإغراق فى التفاصيل تدشينا للكهنة وإعطاءً لحق مقرر من الإله هو حق الكهنة على حساب من أفراد " الجميع " وقد كان حقاً تاريخياً " يكون حق الكهنة من الشعب " ويعطون لألعازار رفيعة للرب، وأعطى موسى ذاته الزكوة رفيعة الرب لألعازار، وللاويين، وكذلك يحصل هارون الكاهن، وكل الباقى من التقدمة لهارون وبنيه قدس أقداس من وقائد الرب، ومن جميع العطايا يرفعون كل رفيعة للرب من الكل دسمه المقدس ويحسب للاويين كمحصول البيدر ومحصول المعصرة، فكل رفيعة مع كل أقداس بنى إسرائيل التى يقدموتها للكاهن تكون له وإحضار التقدمات، وكل من يعترض ويتذكر أيام الهناء فى مصر يرسل عليه الحيات بل حتى الذى يكون قد أخذه الإيمان وأحبه حبا مخلصاً للرب ويحاول تقديم القربان بنفسة للرب دون الكهنة من بنى هارون واللاويين، يقتله الرب ويصير مدنهم خربة.

 

أحمدعزت سليم

عضو إتحاد كتاب مصر

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم