صحيفة المثقف

تحت عباءة المرجع أم خلف رداء البابا

أسوأ ما في المتديِّنين أنهم يتسامحون مع الفاسدين ولا يتسامحون مع المفكرين .. عبد الله القصيمي، كتاب: العرب ظاهرة صوتية

نحن مع أي طرف ٍ يا ترى؟! مع المؤمنين، المتدينين ام الفاسدين؟

- بين السطور ادناه، جملة من التساؤلات المضطربة والاستفهامات القلقة، التي طالما نبحث فيها عن اجابات صريحة وواضحة، من اشخاص كثيرين، كانوا سببا لاحداث انتجتها مواقفهم وأثبتتها آراءهم .

اشخاص يَدّعوُن المثل العليا باطروحاتهم اليومية دائما، حيث حَملّتنا إدعاءاتهم تلك والتي طالما تتنصل عن المسؤولية او تجهلها على الأقل، الكثير من القلق والمزيد من الاضطراب  واتساع مساحة الضياع .

ظروف واحداث ومواقف هي محصلة نتائج الكثير من الازمات المريرة السابقة التي مرت بالعراق وطنا وشعبا،  وتوثقت كذلك في بعض مواقف اليوم من اطراف عدة، تقع على كواهلهم نسبة كبيرة او قليلة  من المسؤولية وحسب مواقع تلك المسؤولية !

وحسب القاعدة الاجتماعية الشرعية العامة (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) لرسولنا الامين على أمته وغيرها من الامم، صلى الله عليه واله وسلم .

الكثير ممن تغنى في اليومين السابقين، بزيارة بابا الفاتيكان والكنيسة الكاثوليكية البابا فرانسيس الى المرجع الديني السيد علي السيستاني،  ولقاءه اياه، على انها مقابلة سيخلدها التاريخ لاثنين من اهم رجال الدين الحقيقيين في هذا العصر بما يحمل الدين من رسالة للسلام والالفة والعدالة .

فالكثير ممن نشر الافراح وردد الاناشيد بهذه المناسبة التاريخية واينعت بداخله المشاعر الانسانية النبيلة (وعرفنا ذلك من خلال نمطية النسخ واللصق المعتمدة منذ سنين عديدة والتي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي - فالعواطف والاحاسيس الظاهرة التي تمر علينا في الكثير من المناسبات، قابلة للنشر وفق هذه النمطية !! على ان مدى تأثيرها يظل نسبيا، بين جمهورها!) .

- القت فعاليات الحكومة الرسمية المستحقة جانبا كبيرا من الضوء لهذه المناسبة، وكذلك فعاليات المنتظرين نتائج ذلك اللقاء التاريخي بين قطبين دينيين كبيرين، في الجانب الاخر والمستحق ايضا، وكل ٌ اخذ يدلو بدلوه.

أدهشنا الكثير وهم يكررون [لاءات المرجع - جمع لا] والتي تتناغم ومتبنيات الاحزاب التي تنعم بالسلطة، والتي لم تعبأ مطلقا، ب لاءات سابقة وعديدة لنفس المرجع الذي طالما رددها وكررها، فيما يخص حقوق الشعب والمواطن !!

- وهناك مجموعات اخرى اكثر شاركت تلك الفعاليات المنشورة عبر وسائل التواصل بفرح غامر وسعادة اكبر، وهي من عموم مقلديه واتباعه ومريديه .

وانتشرت المقالات والافراح والتهاني والامنيات التي تتحدث بطول عمر المرجع السيد علي السيستاني والدعوات التي (نشاطرهم بها فرحا ودعاء) الى الله عزوجل، ان يحفظ المرجع من كل مكروه،  وان يعي من يدّعي حبه وتقليده، مسؤولية مواقفه السياسية التي طالما يتخذها ولا يزال ضد السياسيين ورجال الاحزاب الذين عاثوا بالبلاد الخراب، واعادونا للزمان القهقهري .

- ولعل موقفه الرافض، لقاء اي مسؤول سياسي، ينتهز فرصة الدخول خلف رداء البابا لمقابلة سماحته، فيدعي الخروج بعدئذ، من تحت عباءة المرجع، فتكون مكسبا انتخابيا، وعليه تم غلق جميع ابوابه، فهم غير مرحب بهم .

والسؤال الذي يطرحه المتساءلون امثالي، في فك مجاهيل ذلك الفضاء المُشكِل ْ:

لم لا تجري الغالبية العظمى من (محبيه ومريديه ومقلديه) مع مواقفه الواضحة الصريحة التي طالما عبر عنها بشعارات كثيرة منها (المجرب لا يجرب) والوقوف بنفس المساحة من الجميع، ورفضه القاطع لقاء اي مسؤول حزبي او سياسي، وموقفه الصريح من تظاهرات تشرين الحقوق ومن شهدائها وضحاياها، وموقفه الدائم الداعي، بضرورة تحمل الدولة بكافة مؤسساتها لمسؤولياتها الرسمية، الى ما هو اكثر، حتى (بُحّ َ صوته)!!

- والعجب العجاب ان غالبية اولئك المقلدين والمريدين والمحبين والسعداء بطيب ذكره، ليس لهم موقفا واضحا وصريحا، مقابلا لموقف المرجع الصريح والدائم منذ عشرة اعوام تقريبا، والواضح كوضوح الشمس !! بانه مع العراق وطنا مستقلا وشعبا كريما، وليس مع سلطة محاصصاتية دنيئة قذرة، آثرت مصالحها الضيقة، بل واثرت مصالح الجميع على حساب مصالح الوطن والشعب  .

- ونحن بالوقت الذي نثمن ذلك الموقف التاريخي باجتماع النظيرين، فالبابا فرانسيس حل ضيفا عزيزا على العراق وشعبه، وزيارته تمثل أحقية الامتداد التاريخي والحضاري المشروع، لبلاد وادي الرافدين، ونؤيد بسعادة ذلك العرف الاخلاقي والتأييد الاجتماعي الذي رافق الضيف نحو صاحب المواقف المشرفة والمسدد بتوفيق الله جل وعلا وهو القريب من القلوب والنوايا، وكل ٌ يعطي ما في قلبه، فقد كسب المرجع ما يستحق، من الحب والتقدير والاحترام .

فهل علينا استيضاح الغالبية العظمى من مقلديه ومحبيه، ذلك التلكؤ بالمواقف والافتقار الى اتخاذ القرار الصادق الذي يتماهى مع قرارات سماحته، التي دائما ما تكون لصالح العراق وطنا وشعبا .

- فالذين يتأرجحون بين ولاء المرجع وولاء الاحزاب، وبين من يتقدم خطوة نحو المرجعية وفتاواها ويدافع عنها متى ما كانت ساندة لما يؤمن به فقط، ويقابلها التقدم خطوات نحو مصلحة الحزب او الصنم المسؤول عنه والمصلحة الخاصة الذاتية كتحصيل حاصل !!، وما من شك ان ليس هناك من ترابط حركي او نوعي، بين المرجع نفسه وبين الاحزاب المشاركة بالسلطة جميعها دون استثناء وما يقوله سماحته ِ وما يفتيه ويريده ويقرره، خدمة للصالح العام  .

- الا يجدر بكل اولئك المؤمنين المحبين الأتقياء، ممن يدّعون حب المرجع وتقليده، ان يهضموا فكرة انهم مسؤولين عن بقاء أغلب الفاسدين المتربعين  على السلطة اليوم، وان يستوعبوا انهم من اسباب بقائهم ما داموا لا يخرجون عن حدود ذواتهم وانانيتهم المفرطة، ويستلهموا قول امام العدالة امير المؤمنين عليه السلام (من جار عليه العدل، فالظلم عليه اضيق)، وان يتقيدوا، مذهبيا وشرعيا او اخلاقيا بما يفعل ويقول من يدّعون تقليده !!، لنضمن على الاقل فقدان القاعدة الجماهيرية، للمسؤولين الفاسدين الذين استدلو بتربعهم للسلطة على تلك القاعدة !! ونتحكم بموضوعية على كيل الاتهامات العريضة التي تتقاذفها الالسن هنا وهناك، والتي طالت الجميع دون احتواء موقف واضح .

- اتهامات استوعبها جمهورا واسعا من المقلدين والمحبين والمريدين، كانت اهم نتائجها، نسبة المشاركة الضعيفة جدا بالانتخابات السابقة والتي كانت مؤشرا على سقوط الحكومة السابقة وظهور شبح التظاهرات (تشرين) التي قادها شبابا حرا واعيا يعرف تماما ما يريد، ودفع نفسه ان يكون ضحية لما آمن به وما ثار من اجله، بكل شجاعة واصرار وتحدي، أذهل الجميع وأرعب قلوب الفاسدين .

[فالأفكار التي لا تتحول إلى سلوك لا تخيف احداً،

ام ان يبقى المطلوب عند المتدينين هو المحافظة على رجعية التفكير، لا على نظافة السلوك]١

- الا يجدر بكل اولئك المؤمنين المحبين، ان يقفوا موقف المسؤولية الوطنية والشرعية ويسائلوا أنفسهم :

نحن مع اي طرف ٍ نقفُ، يا ترى؟

الراي ُ قبل شجاعة الفرسان،، هي اول ٌ وهي المحل الثاني٢

 

حسن عزيز الياسري

آذار -  ٢٠٢١

.....................................

١ - عبد الله القصيمي، ايها العقل من رآك .

٢ - ابي الطيب المتنبي .

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم