صحيفة المثقف

حكايات مختارة من إيسوب (3)

جمال ابو زيدترجمة: جمال أبو زيد

11- العنزة والحمار

ربّى رجلٌ عنزة وحماراً. انتابتِ العنزةَ الغيرةُ من الحمار لأنه كان يُغذّى تغذيةً حسنةً للغاية. لذا قالت له: " بكلِّ ما تبذله من عناء لتدير حجر الرحى، وكلّ الأعباء الملقاة على كاهلك، غدت حياتُكَ مجرّد عذاب لا نهاية له".

ونصَحَتْهُ بالتظاهر بأنه مصابٌ بداء الصَّرْعِ، وبالسقوط في حفرة بغيةَ الحصول على قسطٍ من الراحة. أخذ الحمار بنصيحتها وسقط في الحفرة وأصيب بكدمات ٍ في جميع أرجاء جسمه. ذهب سيّدُهُ لإحضار الطبيب البيطريِّ وسأله عن علاجٍ لما لحق به من أذى. وصفَ  الطبيبُ نقيعَ رئة عنزة وهذا العلاج كفيلٌ بإعادته إلى جادّة الصحة. وعليه، ضحّى الرجلُ بالعنزة ليعالج الحمار.

**

12- الثعلب والتمساح

كان الثعلب والتمساح يتباريان بنبالة محتدهما. مطَّ التمساح نفسَه إلى أقصى طاقته ليعطي مثلاً توضيحيّاً عن أسلافه، وقال إن أجداده كانوا أخصائيين متعدّدي البراعات بالرياضة الجمنازيّة. فقال الثعلب: " لا حاجة لك إلى إخباري بذلك. فبمجرّد النظر إلى جلدك أستطيع أن أرى أنك كنتَ تمارس التمارين الجمنازيّة سنوات كثيرةً إلى حدِّ أنك ملأتَ نفسك تماماً بالتشقّقات".

**

13- القاتل

ارتكب رجلٌ جريمةَ قتلٍ فطارده أهلُ ضحيّتِهِ، وفي فراره وصل إلى حافة نهر النيل فرأى نفسه وجهاً لوجهٍ أمام ذئب. وارتاع ارتياعاً شديداً إلى حدِّ أنه تسلّقَ شجرة ً كانت بجانب الماء وأخفى نفسه، بَيْدَ أنه لمح وهو هناك أفعى ضخمة ً تسعى في اتجاهه فسقط في النهر، لكنّ تمساحاً فيه التهمه.

**

14- الزوج والزوجة المزعجة (39)

كان لدى رجلٍ زوجةٌ تتصرّف في غاية الفظاظة مع جميع خدم المنزل. وأراد أن يعرف ما إذا كانت ستتصرّف على النحو نفسه مع خدم ِ وعمّالِ أبيه، فأرسلها بذريعة ما لزيارة منزل أبيه. وحين عادت بعد بضعة أيام سألها كيف استقبلها الخدم. قالت: "رعاةُ البقر والخراف عبسوا في وجهي".

فردّ الزوجُ: "حسناً يا امرأة. إذا لم تكوني موضع ترحيب ٍ لدى الخدم الذين يخرجون بالقطعان عند الفجر ولا يعودون حتى مغيب الشمس، فماذا عن أولئك الذين كان عليك أن تنفقي اليوم كله معهم؟".

**

15- الفلكيّ

دأب فلكيٌّ على الخروج كلَّ مساء ليراقبَ النجوم. ثمّ، وذات ليلة، وبينما كان في الضواحي مستغرقاً في تأمُّلِ السماء، وقع مصادفةً في بئر. سمعه عابرُ سبيل ٍ يئنُّ ويستنجد. وحين أدرك ما حدث ناداه من حافة البئر قائلاً: " أيُّهذا الموجود هناك. أنتَ في غاية التحمُّس لمراقبة ما يحدث في الأعلى في السماء، إلى درجة ِ أنكَ لا ترى ما هو موجود هنا في الأسفل على الأرض".

***

.....................

إيسوب (620  ق.م – 564) كاتب إغريقي ولد عبداً في القرن السادس قبل الميلاد في اليونان في جزيرة ساموز، ثم أعتقه سيده الأخير. انطلق بعد ذلك يجوب الآفاق وينشر أفكاره وحِكَمَهُ وقد ألّف مئات الحكايات الخرافية حتى صار أحدَ رُوّادِ هذا الفن. وهو شخصية مثيرة للجدل، ولا يُعرف عن حياته إلا القليل. فثمةّ من يشكك في وجوده أصلاً ويعتبره شخصية أسطورية اخترعها اليونانيون، الذين كان من عادتهم نسبة الأعمال الأدبية إلى مؤلف، فنسبوا تلك الحكايات إلى شخصية وهمية تدعى إيسوب.

بيد أننا في حقيقة الأمر نرى أنّ الجميع اتفقوا على أنَّ "حكايات إيسوب" عمل أدبي رائع، صيغ بأسلوب طريف وممتع. وتضع تلك الحكايات فلسفة للحياة والسياسة مليئة بالحِكَمِ والدلالات التي جاءت على ألسنة الحيوانات. تُعدُّ كلُّ حكاية منها ذات معنى خاص يستطيع القارئ الوصول إليه بسهولة. لاقت تلك الحكايات رواجاً كبيراً، واهتم بها كثير من الكُتّاب والنقاد والقرّاء والمترجمين على مَرّ القرون اهتماماً بالغاً. 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم