صحيفة المثقف

كاظم الموسوي: الإدارة الأمريكية الجديدة وقضايا العرب القديمة

كاظم الموسويانتهت الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، بفوز المرشح الديمقراطي، جو بايدن، وقبل تثبيت فوزه، كان المرشحان يعرضان وعودهما الانتخابية، ويرسمان سياستها الداخلية والخارجية، ومنها توجهات عامة بخصوص العلاقات مع البلدان العربية، أو بعضها وكذلك المواقف من القضايا العربية المعروفة أو التي كانت مطروحة  في البحث  مع البيت الأبيض والأجهزة والمؤسسات الاخرى. وحينها بدأت الهواجس تتصدر المشهد السياسي، من منطلق أن كل رئيس له رؤيته وسياسته الخارجية، وتقلبت المواقف العربية، حولها، بين الهمس أو التصريح،  انتظارا وتحسبا، حيث ان كل بلد وحاكم له قصته، حتى ولو كان بعيدا عن واشنطن آلاف الكيلومترات، خصوصاً صوّر اعلاميا اختلاف بين عهدي دونالد ترامب وجو بايدن، أو القول بين ادارة جمهورية جربت وانتهت مرحلتها، وإدارة ديمقراطية جديدة فازت ولديها مواقفها المختلفة، حتى ولو بالاسماء والوعود اللفظية، وعبر ذلك لابد من النظر الى ما تريده هذه الادارة الأمريكية عموما وما يريده العرب منها، وكل طرف لديه مشاريعه ومخططاته، رغم التباين بينهما، بين ماسك "العصا والجزرة"، ومخططاته وبين من يتلقى منه ويحاصر اذا اختلف معه أو اذا لم تتطابق المصالح أو التوجهات. ويظل في حالة تردد أو تموج مع ارتداداتها. ومنهم خصوصا من تعامل مع ترامب وجربه وتكيف مع إدارته وتغريداته، ونسق معه مصالحه وسياسته المحلية والإقليمية اساسا، وراهن عليه ودفع اثمانا لعلاقتهما، بينما سيواجه الان إدارة اخرى، مع أن أغلب الأسماء فيها، ليست جديدة كاملا، عملت سابقا بشكل أو باخر، في مناصب أخرى أيضا. وبعد فوز بايدن، وإدارة ديمقراطية فإن ما صدر منها في الأسابيع الأولى لها غير كاف للحكم عليها ولكنها تحت الاختبار، كما عبر بايدن نفسه.

ومؤشرات الأدارة الجديدة التي نقلت خلال مؤتمرات صحفية أو شهادات وزراء ومساعدين في إدارة بايدن أمام الكونغرس ولجانه، أعطت اشارات الى التفكير والعمل على أساس مقاربات ومراجعات وتعديل لبعض ما قامت به إدارة ترامب وتغريداته، ولكن ظلت كما هي عموما ليست بالوضوح  الكامل ولا بالتغيير الشامل.

ابرز ما عرف عن الإدارة الجديدة تركيزها على الحلول الدبلوماسية وحقوق الإنسان، وهذان الامران يواجهان تعقيدات كبيرة في منطقتنا العربية، وربما صداما بينها، ووقائع الأحوال العربية الرسمية. لما تتضمنه الدبلوماسية الكثير من الحوار الصعب، وحقوق الإنسان من انتهاكات صارخة.. الأمر الذي يقلق  المراقبين أو يتركهم في ترقب طويل، ليروا ما إذا كان الحوار سيترجم إلى أفعال، والضغوط تثمر وقائع جديدة.

قضايا الأمة العربية معروفة بتفاصيلها وتطوراتها، وأغلبها قديمة عمليا، وحتى المواقف الرسمية تتراوح فيها أو معها، تبدأ من القضية المركزية، فلسطين وحقوق شعبها في الحرية والاستقلال والعودة، ولا تنتهي بمكافحة الإرهاب وجائحة الكورونا.. وبينها التنمية والعدالة الاجتماعية وشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الأساسية ومن ثم العلاقات الدولية الطبيعية واحترام اراردات الشعوب وخياراتها السياسية، وقبلها مصادر الطاقة، البترول والغاز وغيرها من الثروات الطبيعية الاخرى.

واذا دخلنا في الموضوع وبدانا بالقضية المركزية، فما صدر من إدارة بايدن منذ الانتخابات وحتى دخولها البيت الابيض، لم تات بما يميزها عن فترة سابقتها، في الإصرار على استمرار الوضع كما طرحه الرئيس السابق دونالد ترامب وصهره جيرارد كوشنر فيما سموه بصفقة القرن، وخطواتها التي نفذت منها، خاصة ما يتعلق بالقدس واعتبارها بما لا يتفق مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وكذلك الجولان والحقوق الاخرى، بل واستمرت في تشجيع الممارسات الصهيونية في الاستيطان وعقد معاهدات وتحالفات تامرية واستمرار الضغط في الاتجاهات السابقة والانحياز ربما لا يقل أهمية عن سابقيه. وهذه خيبة أمل اولى ومبتكرة عن سياسات الإدارة الجديدة وصفعة أخرى. في هذا الشأن، ولكن اقرت إدارة بايدن باعادة التعامل مع السلطة الفلسطينية ماليا ودبلوماسيا فقط. اي ان القضية الفلسطينية بكل حمولتها لم تحظ بما يناسبها من الإدارة الجديدة، لحد الان.

رغم ما نقل عن وزير الخارجية الأمريكي توني بلينكن بإعادة النظر في قضايا مطروحة وبعض الالتزامات التي تنطوي عليها، وقائمة اهتمامات الإدارة الجديدة طويلة، وهي كما نقل "تتراوح من صفقات الأسلحة مع الإمارات العربية المتحدة إلى اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على المنطقة المتنازع عليها في الصحراء الغربية. وتحوي أيضا الأعمال غير المنتهية والأزمات التي لا تنتهي في العراق وسوريا ودول الخليج والتحديات الجديدة في لبنان، والتهديد الدائم للقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، فالقائمة طويلة بالنسبة لإدارة لديها ما يكفي من حرائق في الداخل". ولهذا تم تعين ممثل للإدارة لهذه الشؤون والمنطقة، بدرجة وكيل وزير، كما أن هناك العديد من الأولويات المشتركة، مثل إنهاء الحرب الكارثية في اليمن، وتعيين ممثل خاص بها. ومعلوم تعقيدها، وما يدور في ملفها، من ادوار دول أخرى واوضاع إنسانية تتباكى عليها تقارير الأمم المتحدة ومنظماتها التي تحمل صفة "انسانية"، وكذلك الوضع في ليبيا وامثالها.

أضاف تحليل لمحطة السي أن ان، أمام الإدارة الجديدة ضرورة النظر في أزمات متفاقمة اخرى بالمنطقة. فالناس فيها مُثقلون بضغوط الأزمات الاقتصادية وبطالة الشباب وزيادة عمق عدم الثقة في قياداتهم، وكلها تفاقمت بسبب جائحة فيروس كورونا. ووجد استطلاع رأي الشباب العربي أن غالبية منهم في الدول التي مزقتها الأزمات يؤيدون الاحتجاجات المناهضة للحكومة، وأن ما يقرب من نصف الشباب العربي يفكرون في مغادرة بلدانهم.

واكد التحليل الأمريكي: القيادة الفاسدة وسوء الإدارة الحكومية جزء رئيسي من المشكلة، وكذلك السياسة الخارجية للولايات المتحدة في شكل تدخلها العدواني في بلدان مثل العراق، ودعم الحكومات الفاسدة والقمعية. وخلاصة التحليل تضيف مهمات أخرى على الإدارة الجديدة بما يخص القضايا العربية، واذا عرفنا طبيعة المصالح والعلاقات الأمريكية العربية، فنصل الى تعقيدات وتراكمات تحتاج إلى وقت طويل وقدرات كافية لمعالجتها وحل عقدها وملفاتها المتراكمة.

من هنا يبدو أن الإدارة الجديدة هي الأخرى مثقلة بازمات تتطلب منها مواقف صعبة، واذا كانت بوادرها مقبولة فانه مع مرور الأيام هبطت تقديراتها وزاد القلق حولها. وقد تكون اصعب مع وضع الرئيس بايدن الصحي ومتغيرات قدراته القيادية. ومعلوم أن المؤسسات الحاكمة تستمر في تسير أعمال الإدارة الأمريكية اخذة بنظر الاعتبار المصالح الاستراتيجية  للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة أساسا، بغض النظر عن هذه التطورات. ولكن تبقى القضايا العربية وملحقاتها على الطاولة والقرار في مختلف الأجهزة والمؤسسات الأمريكية، للعلاقات والصلات والروابط والرهانات عليها. متوزعة بين الاستراتيجية والرئيسية، وبين الفرعية والهامشية التي لا تؤثر كثيرا على جدول أعمال الإدارة  والتزاماتها.

 

كاظم الموسوي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم