صحيفة المثقف

ضياء محسن الاسدي: الوجه الآخر للمرأة العربية قبل الإسلام

ضياء محسن الاسديلقد تعرض أكثر كتاب السير والتأريخ العربي والغير عربي لحياة المرأة قبل الإسلام على ضوء ما كتبه ونقله من الكتب المتواترة من أسلافهم المؤرخين الذين تطرقوا إليها من وجهة نظر أكثر سوداوية أُخذت من  جانب واحد لوجه واحد من حياة المرأة العربية في مجتمعها القاسي البدوي الفردي المتعجرف التي تعيشه القبائل العربية الصحراوية البعيدة عن مناطق التمدن والحضارة العربية التي كانت تزدهر بها كثيرا من المدن العربية الجنوبية والشمالية والغربية المحيطة للجزيرة العربية والتي ترتبط بالاقتصاد والتجارة للعالم آنذاك .  فعلى المؤرخين أذا أرادوا نقل وكتابة التأريخ العربي ومجتمعه أن لا يغرفوا من ضفاف النهر الممزوج بالشوائب والمواد الدخيلة التي تؤثر على نقاوة مياهه ولا يأخذ إلا  من وسطه الصافية والنقية الجميلة ولهذا نرى تأريخنا العربي كُتب بطريقة مشوهة وقصيرة النظر بعيدة عن الواقع الكثير منها بعيدا عن الحقيقة من غير أن يكلف نفسه في البحث المعمق والمدروس والمنصف لهذا المجتمع الذي أثرى العالم بأسره وساهم في التأثير على ثقافاته وقيمه حينما كانت تلك البلدان تغط بظلام الجهل والتخلف والانحدار الأخلاقي في الروابط الأسرية والمجتمعية منها الرومان واليونان وبلاد فارس والهند وغيرها حين أنفرد المجتمع العربي بالثقافات الحميدة والقيم الاجتماعية منها مكارم الأخلاق والنبل والشهامة والأدب والعقيدة الموحدة وكثيرا من سلوكيات المجتمع المنفرد بها وقد أقر أكثرها الدين الإسلامي الذي نزل بالرسالة السماوية على النبي محمد بن عبد الله عليه وعلى آله وصحبه السلام لكن هذا لا يعفي العرب من بعض السلوكيات الشاذة وبعض الظواهر البعيدة عن الثقافة العربية الأعم وبعض التقاليد والعادات الدخيلة عليه حيث وقفت الكثير من الرموز العربية ضدها ومقتها وحاول قطع دابرها لأنها كانت بعيدة عن نفسية العربي الأبية .وكل هذه السلوكيات والعادات مرفوضة ولا يمكن تعميها على المجتمع العربي بالمطلق منها ظاهرة وأد البنات وبعض أنواع النكاح والزواج والعصبية القبلية والصراعات القبلية الدامية والعبودية والغزوات بين القبائل كون هذه الظواهر تفرضها البيئة العربية الصحراوية البدوية وشظف العيش والمناخ وبعض العقليات المهيمنة على القرار القبلي فكانت البيئة والموقع الجغرافي هو المسيطر على حياة القبائل العربية في شبه الجزيرة العربية ومحيطها القريب منها . وقبل الخوض في مكانة المرأة العربية علينا أن نستعرض جزءا من حياة المرأة عند أقرانها من البلدان الأخرى فمثلا عند

- الرومان : كان للرجال الحق في بيع زوجاتهم وأبنائهم أو تعذيبها كونها ملكا له والحق في التصرف بها وكانت مسلوبة الأهلية في المجتمع ويميز بينها وبين الذكر والسن والعقل والأنوثة .

- اليونان كانوا يسمونها رجس من عمل الشيطان وكانت بعيدة عن الحياة العامة ومحتقرة ومحرومة من التعليم والثقافة وكانت سلعة تُباع وتُشترى في الأسواق وجزء من المتاع مسلوبة الحرية والمكانة والميراث واختلطت بين الرجال في الأندية والحانات ومارست الزنا والرذيلة وارتبطت بالديانات الملوثة والثقافات المنحرفة والفاحشة .

- الهند : كانت المرأة مصدر للعار وخاضعة للعبودية من زوجها وأبنائها وخادمة لهم فقط وتُحرق مع زوجها الميت في قبر واحد وتحرم من الحقوق والميراث ورمزا للانحطاط الأخلاقي وليس لها إنسانية ولا يُصلى عليها عند الموت .

-الديانة اليهودية والمسيحية: كانت تُذم وتُحتقر كونها متهمة بخروج أبونا آدم عليه السلام من الجنة وحرمان البشر من نعيمها فليس لها عهد او ميثاقا  ففي الإنجيل الكاثوليكي أن خطيئة المرأة هي الأخرى عند الآرثوذكس عند قولهم في صلاتهم عندما يحمدون الرب من جملتها (الحمد لله أنه لم يخلقني امرأة) ومن جملة ما قاله الحاخام اليهودي أنه لا يحق للرجل أن يعلم أبنته التوراة وقال القديس بول في العهد الجديد من الكتاب المقدس (لتصمت نساءكم في الكنائس لأنه ليس مأذونا لهن أن يتكلمن) وكانت المرأة الحائض تُنفى أحيانا لتجنب أي تعامل معها فكانت تُرسل إلى بيت (الدناسة) وفي التلموذ تُعتبر المرأة الحائض قاتلة .

وفي العهود الوسطى في كثيرا من الدول الأوربية عقدوا الاجتماعات للبحث بشأن ما إذا كانت المرأة تعد إنسانا أم لا وفي بريطانيا حُرمت من قراءة الكتاب المقدس حتى عام 1882 ميلادية كانت ليس لها حقوقا مدنية. وعند العودة للموضوع الرئيسي للمرأة العربية وبالرغم من كل الممارسات السلبية التي كانت تتعرض لها من مجتمعها الشاذة منها (زواج المقت) ووأد البنات وغيرها التي كانت تمارس على نطاق ضيق في المجتمع العربي خصوصا البدوي منه إلا أن كثيرا من القبائل العربية كانت ترفضها منها قبيلة كنانة وعرب الجنوب وعندما نتكلم عن الوجه الآخر للمرأة وموقعها في مجتمعها العربي فكان لها وجها مشرقا ينم عن احترامها والحرص عليها وعلى عفتها ومكانتها وقيمتها ورمزيتها وخصوصيتها الربانية وإبعادها عن المؤثرات الخارجية الطارئة التي قد تلوثها وإذا أردنا أن نستعرض مكانتها علينا البدء .

- كانت للمرأة العربية حضورا مهما في ساحات الحرب جنبا مع المقاتلين ضمن قبيلتها تضمد الجراحات وسقاية المقاتلين والتحريض وشحذ الهمم ودورا في رفع المعنويات القتالية في المعارك والغزوات مثل القائدة (رقاش) من قبيلة طي و(فاطمة بنت ربيعة بن زيد الفزارية المعروفة بأم قرنة)

- كان لها الحق في تزعم مهنة الكهانة لخدمة بيت الآلة ولها كافة حقوق رجال الدين ولها الحماية من زعيم القبيلة حين يتعرضن للاضطهاد الأزواج ولها حق الإرث حيث ترث الأموال في حالة غنى الأهل

- كان لها حق التملك في كثير من المجتمعات العربية ومكانتها في طبقاته وتتقاسم السلطة مع الزوج في الأسرة وشؤون القوامة على بيتها

- من مكانتها العظيمة كانت تُعبد بعد مماتها وتعد آلة على شكل وأسم المرأة ويجعل منها تماثيل تحج إليها بعض قبائلها مثل (اللات . مناة . سواع) .

- كان لها نشاطا تجاريا واقتصاديا ومركزا مرموقا في مجتمعها كالسيدة خديجة بنت خويلد رضية الله عنها وكثيرات أخريات ز

- لها دورا صناعيا تقوم به في رفد اقتصاد قبيلتها مثل (الندافة . وصناعة السيوف، والدباغة، والرعي، وغزل الأصواف والوبر، بيع العسل، العيافة، التنجيم، توليد الأطفال) وصناعة السيوف ومن أشهرهن رُدينة نسب إليها الرمح الرُديني .وشاعرات وأديبات منهن (بنت منقذ التميمية) شاعرة البسوس والشاعرة (عنز) من بنات لقمان (زرقاء اليمامة) و(ليلى بنت لُكيز) شاعرة نجد والحجاز و(حليمة الحضرمية العبسية) شاعرة غزل قبل الإسلام ولها مكان في الغناء والعزف والخياطة

- ولمقدار معزتهم ببناتهم ومعرفة مكانتها فأن كثيرا من الآباء يتكفلون بالمهر وتكاليف الزواج كاملا أكراما ومحبة لها .وكانت كثيرا من القبائل العربية العريقة تُنسب أسمائها إلى نساء منها (بني خندف، بني مزينة، بني بُجيلة) وغيرها ومنهن تصدت لإدارة الدولة وقيادتها منهن (زنوبيا، شقيلة، الزبّاء، طريفة الكاهنة،بلقيس، ،أم قرفة، سجاح) وكان لهن حق اختيار أزواجهن الذي يناسبنهن ويلائم وضعهن الاجتماعي والمادي والنسبي ولها حق تزويج نفسها ولا تُجبر على شخص لا تريده ويُؤخذ رأيها في طلاق نفسها في حالة الكره والإهانة والقسوة في المعاملة من القبل الزوج .

ولهذا أن للمرأة العربية حضورا ومكانة في المجتمع العربي قبل الإسلام بعيدا عن المجتمع البدوي التعسفي الصارم وهذا ليس بقياس صحيح حين دراسة المجتمع العربي وخصوصا بالعموم أما الظواهر السلبية فهي شواذ على المجتمع ومحصورة بأسبابها المكانية والزمنية والظرفية لها ولا يمكن التعميم بها وفي  الختام من مكانة المرأة فقد تغزل الشعراء والأدباء بقصائد ظلت خالدة من الغزل العذري والجمال في التعبير والرقة مما يدل موقع المرأة في حياة العربي الأصيل  ونفسية وحياته.

 

ضياء محسن الاسدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم