صحيفة المثقف

صلاح حزام: كيف نحكم على موضوعية خطط التنمية؟

صلاح حزامالخطة تعرّف بكونها: موارد واستخدامات.. أي حصر المتاح من الموارد والامكانيات والذي يمكن توظيفه لانجاز اهداف الخطة، وبعد ذلك وضع أهداف الخطة والتي سوف تمثل الاستخدامات التنموية او كيفية توظيف الموارد بشكل منهجي ومدروس بعناية..

بطبيعة الحال، فان الأحداث المستقبلية قد تتغير بشكل غير متوقع وتؤثر في مدى تحقق اهداف الخطة مما يجعلها تنحرف عن مخططاتها الأصلية.

الخطة العلمية تتحسب لتلك التقلبات وتضع هوامش مقبولة للانحراف عن الاهداف الأصلية.

يقال ان من صفات الخطة الجيدة، ان تتصف بالواقعية والإتّساق والامثلية.

اي لاتتجاوز الامكانيات المتاحة (واقعية)، ولاتتعارض اهدافها ويُجهِض بعضها البعض الآخر (متّسقة)، وان تكون مُعدّة بأمثل مايمكن من صياغة (مثلى)..

هذه المقدمة جاءت ردّاً على رسالة وصلتني على البريد الخاص من أحد الأصدقاء المحترمين يقول فيها ان الخطة الانفجارية كانت موضوعية!!

صحيح انه اشار الى بعض اخفاقاتها لكنه يعتقد اننا يجب ان لانبخس الناس اشيائهم.

هذا الرأي مُحترم وهو يمثل وجهة نظر أخرى..

لكني اسأل: مامعنى ان تكون الخطة موضوعية؟؟

الموضوعية تعني عكس الذاتية، اي التعامل مع الأمور كما هي، وليس كما نشاء لها ان تكون. انها النظر بتجرد وعدم انحياز وعدم التقييم المُسبق والحكم المُسبَق.

الآن، النتائج التي أسفرت عنها خطة التنمية الانفجارية والتي استعرضتُ بعضها في المقالة السابقة والتي يتذكر العراقيون معاناتهم مع نتائجها، هل تدل على تمحيص ودراسة موضوعية عند إعداد الخطة؟

هل ان الاختناقات وسوء التنفيذ والتضخم وارتفاع تكاليف التنفيذ ونقص القوى العاملة الخ.. تدل على موضوعية؟

ربما ان الصديق المذكور لديه تعريف مختلف للموضوعية !!

بعض المشاريع كانت تُنفّذ بضعف كلفة تنفيذها في دول مجاورة (تركيا مثلاً)، فكيف يمكن ان تنافس منتجاتنا المنتجات التركية لنفس المشروع؟

سيطرة فكرة " الحيازة" للمشاريع بغض النظر عن نتائجها وتأثيراتها على الاقتصاد، كانت ظاهرة خطيرة.

صناعاتنا كانت أما مدعومة او انها تحظى بحماية مطلقة (منع استيراد السلع المشابهة)، وبالتالي تبيع بالسعر الذي يناسبها لكي لاتبدو خاسرة..

كان المواطن يدفع سعر اعلى بكثير من سعر المستورد دعماً للصناعة الوطنية التي كنا نأمل ان تتطور وترتفع كفاءتها

بالتدريج باعتبارها صناعة ناشئة وتحتاج الحماية. لكن ذلك لم يتحقق ابداً واستمرت صناعة تجميعية الى ان جاء الاحتلال واطلق عليها رصاصة الرحمة.لماذا توقفت صناعاتنا بعد فرض الحصار عام ١٩٩١.

بعض المشاريع الضخمة والتي كان يمكن ان تكون كفوءة، مثل البتروكيمياويات والاسمدة والحديد والصلب، تم قصفها من قبل القوات الايرانية في اول ايام الحرب لانها كانت في مرمى تلك القوات (وهذا من مظاهر الموضوعية المزعومة)..

بصراحة شديدة، انا لا اكتب ذلك للنيل من احد او جهة، بل لتحليل وتقييم تجربة سابقة لكي لاتتكرر في المستقبل، اما الأصرار على الدفاع عن الخطأ والبحث عن مبررات ونقاط مضيئة فهذا سلوك لن يستفيد منه أحد.

كنّا نوجه هذه الانتقادات الفنّية للنظام الاقتصادي والمالي والنقدي السابق، علناً وفي مناسبات علمية واجتماعات مهنية وبحضور وزراء ومسؤولين، وكانوا يقرّون بتلك الاخطاء ولو على أستحياء. ولم يزعل احد منهم ماعدا حالات محدودة من بعض الاشخاص.

 

د. صلاح حزام

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم