صحيفة المثقف

علجية عيش: حكومات ساندت القضية الجزائرية سياسيا وإعلاميا

علجية عيشكان من حسن حظ الثورة الجزائرية أن يتزامن اندلاعها مع عقد مؤتمر يجمع لأول مرة في التاريخ دول وشعوب القارة الإفريقية والآسيوية، فطيلة حربها مع فرنسا تلقت الجزائر مساعدات وتسهيلات من شعوب كثيرة وفي مقدمتها الشعوب العربية وسمحت لها بفتح مكاتب وسفارات وهذا بعد الدعم الذي قدمته تونس والمغرب، فلا يمكن طبعا التنكر للجميل، فما مرت به الجزائر وهي تواجه أقوى امبراطورية في العالم، جعل القادة العرب بما فيها دول اوروبا الشرقية، يؤيدون الثورة الجزائرية كونها انطلقت من مناطق استعصت على روما، وكما قال أميلكار كابرال: "إذا كان المسيحيون يحجون إلى الفاتيكان والمسلمون إلى مكة فمكة الثوّار هي الجزائر"

 فقد عبّر القادة العرب والحكومات عن تضامنهم مع الشعب الجزائري ومساندتهم له، وحسب التقارير تُعَدُّ مصر الحليف الأول للثورة الجزائرية بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر، الذي أتاح لقادة الثورة أن يمارسوا نشاطهم السياسي بقلب القاهرة، في تلك الفترة كانت القاهرة تأوي العديد من الحركات والمنظمات التحررية، حيث فتحت جبهة التحرير الوطني مكتبا لها في القاهرة وربطت علاقات مع الحركات والمنظمات من بينها منظمة "الأفرو آسيوي" و"حركات التحرر الإفريقي"، ولم تتوان مصر في جانبها المعنوي والدبلوماسي والإعلامي في مساندة الثورة الجزائرية، كما أن العلاقات بين الجزائر ومصر تجسدت في التنسيق فيما بينهما، حيث تم الإإتصال بين 48 سفيرا معتمدا لدى جمهورية مصر لمواجهة السياسة الديغولية والنظر في وضع اللاجئين الجزائريين في كل من إسبانيا وإيطاليا والإجراءت القمعية المفروضة عليهم، حيث كان بعض الجزائريين معتقلون في السجون الإسبانية والإيطالية.

 في الجانب السوري وجدت الثورة الجزائرية سندا قويا من الإخوة السوريين الذين نددوا بالأعمال الوحشية التي يمارسها الإستعمار الفرنسي في حق الشعب الجزائري، ويعتبر أقدم مكتب للثورة في المشرق العربي مَثَّلَ جبهة التحرير الوطني فهو مكتب دمشق شكله الراحل عبد الحميد مهري، فقد تبنت سوريا القضية الجزائرية ودافعت عنها في مؤتمر باندونغ وفي الأمم المتحدة، والشيئ نفسه قامت به العراق في مؤتمر باندونغ 1955 بقيادة فاضل الجمالي رئيس وفد العراق، في أول دورة عقدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة على أساس أنها قضية دولية، وقال فاضل الجمالي إن القضية الجزائرية لا تخص فرنسا وحدها، فقد قدمت العراق للجزائر كل المساعدات السياسية والعسكرية، ودعمت اللاجئين الجزائريين بالألبسة والموالد الغذائية والأدوية، فضلا عن تخصيص ميزانية للثورة الجزائرية، وكانت العراق أيام نوري السعيد قد سمحت بفتح مكتب لثورة الجزائرية في العراق وإصدار نشرية إعلامية باللغة العربية.

نفس المساعدات قدمها ملك الأردن للجزائر الذي خصص حصصا أسبوعية عبر إذاعة عُمَّان لمكتب الثورة، وكذلك الشأن بالنسبة للبنان، رغم الوضع الذي يعيشه لبنان وصراعاته الدينية والطائفية، فقد امتاز مكتب جبهة التحرير الوطني في بيروت بحركية وديناميكية، حيث وجدت الثورة الجزائرية في لبنان ميدانا خصبا لممارسة نشاطها، لأن لبنان كما تقول الكتابات كانت بمثابة الباب المفتوح على العالم، أما ليبيا وبقيادة الملك إدريس السنوسي قدم جميع المساعادت المادية والدبلوماسية، كما فتح بدوره مكتب للثورة في طرابلس وفتح لها باب الإعلام السمعي من خلال تقديم حصص بمحطتي طرابلس وبن غازي، ويمكن القول أنه كان هناك اتفاق في الدول الشقيقة والصديقة على أن تحرير الجزائر يعدُّ هدفا في الضمير العربي حكاما وشعوبا، ماعدا السعودية، حيث كانت العلاقات بينها وبين الجزائر تتسم بالتوتر، إذ لم يجد الشيخ عباس بن الحسين الذي عُيِّنَ على رأس مكتب الثورة بجَدَّة الدعم لتحقيق ما يمكن تحقيقه للثورة حيث وجد صعوبة كبيرة في التحرك نظرا للشروط الصعبة التي فرضتها عليه السلطات السعودية.

أما عن موقف الحكومات الإسلامية ومنها أندونيسيا، أفغانستان باكستان، تركيا وإيران، فإيران مثلا التي لم تعرف استعمارا مباشرا، وكانت عضوا في الكتلة الآفروآسيوية، غير أنها كانت تمر بوضعية سياسية سيئة كونها كانت منضوية تحت حلف بغداد، وبالرغم من ذلك فقد وقفت سياسيا أمام القضية الجزائرية وقدمت المساعدات للهلال الأحمر الجزائري، ولا يسع المجال للحديث عن هذا الدعم العربي والإسلامي بالتفصيل، خاصة بالنسبة للدول التي عانت من ويلات الإستعمار كإندونيسيا وهي تدرك جيدا ما تعانيه الشعوب الأخرى، حيث كانت ضمن الدول التي طالبت بتسجيل القضية الجزائرية في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.

في الجانب الأوروبي، لم تكن كل الدول الأوروبية متحالفة مع فرنسا، بل كان لدول أوروبا الشرقية المعروفة بالدول الإشتراكية موقف مخالف لأوروبا الغربية، التي وقفت إلى جانب فرنسا عسكريا ودبلوماسيا تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية للقضاء على الثورة الجزائرية، باستثناء سويسرا و ألمانيا الغربية، هذه الأخيرة حسب الأرقام، كانت تأوي أزيد من 3000 جزائري، وكان بها مكتب لجبهة التحرير الوطني، كما قامت سويسرا بحرب إعلامية ضد اللفيف الأجنبي الذي استعملته فرنسا لضرب الكفاح المسلح في الجزائر، أما عن دول أوروبا الشرقية فقد أظهرت هي الأخرى دعمها للجزائر منها السويد، النرويج التي كان لهما موقفا مشرفا، ماعدا بريطانيا التي واجه فيها ممثلو الأفلان عقبات بسبب العلاقات الحميمية التي كانت تربط حزب المحافظين في بريطانيا بفرنسا، إن هذا الدعم جعل العلاقات بين الجزلئر وهذه الدول تزداد متانة من أجل تحقيق هدف واحد هو تقرير مصير الشعوب وفرض سيادتها وبسطها في المحافل الدولية.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم