صحيفة المثقف

مهدي الصافي: امريكا والهزيمة الكبرى.. انهيار على طريق الحرير

مهدي الصافيالصراع في المستنقعات او الحدائق الخلفية للقوى العظمى تفضح الاهداف والنوايا والقدرات..

فرق شاسع بين اعلان نهاية الحرب الباردة عند حدود دولة الكويت عام 1990، وبين الانسحاب المهين للجيش الامريكي من افغانستان بعد عقدين من الحرب والاحتلال الفاشل، الذي بدأت ملامحه تتضح في في فترة ولاية اوباما وخلفه ترامب، عندما اعلن عن بداية حرب باردة جديدة بين المحور الامريكي-الاوربي من جهة، وبين القوى العظمى الصاعدة روسيا والصين،

هذا التباين في الادارة والتخطيط والتوقعات او البرامج الاستراتيجية للادارة الامريكية (التي انهكها وباء كورونا كما يبدو وسارع في شيخوختها)، هو العلامة الابرز في المشاهد المخزية التي رافقت طريقة الانسحاب الفوضوي من افغانستان، وانهيار نظام الحكم الورقي الافغاني (الذي انتهى بهروب الرئيس الافغاني اشرف غني ودولاراته-على غرار مقولة صدام تعليقا على هرب الامير جابر من الكويت"مالحق يأخذ عباءته"، فالرئيس الافغاني لم يتمكن من اخذ جميع امواله وتركها على مدارج الاقلاع الاخير) ...

هل هذه الهزيمة هي اعادة الحسابات الاستراتيجية في التموضع والمواجهة، مع تصاعد وتيرة صناعة طائرات الدرون (طائرات دون طيار) الدقيقة، وبروز الاسلحة الالكترونية الموجهة، وتنامي الحرب السيبرانية، ام ان بايدن يمكن وصفه بأنه غورباتشوف امريكا، الذي وضع النقاط على الحروف، بأن تعجل الاعلان عن ضمور عضلات القرن الامريكي الجديد؟

وهل هذا الانسحاب يشكل هزيمة لمشروع الشرق الاوسط الجديد، وفشل خطط التطبيع العربي الاجباري مع اسرائيل، ام هي حركة لتحويل دفة الحكم الامريكي من الرئيس غير المؤهل الى نائبته الخ...

تصريحات زعماء المجتمع الدولي او القوى العظمى هي تعبير حقيقي عن تبعات الانهيار المدوي لادارة بايدن الخارجية، بعد صخب وتوترات واثارات سلف الكاو-بوي ترامب، الذي طالبه بالاستقالة معتبرا ماحدث من انها تعد من اعظم هزائم امريكا، بينما اعتبرته المستشارة الالمانية ميركل ان وراء هذه الاحداث اسباب سياسية داخلية امريكية وهو مؤلم وفضيع، واعدها رئيس حزبها (خليفة ميركل المحتمل) بأنه اكبر اخفاق لحلف شمال الاطلسي (الناتو)، وكذلك صرح ماكرون بأنه منعطف تأريخي،

الا ان كلمة بايدن التي جاءت بعد كلمته الاولى التي رد فيها على سؤال احد الصحفيين عن تقديراته حول قدرة الحكومة والجيش الافغاني بالصمود امام تقدم حركة طالبان للعاصمة كابول، بأن السقوط ليس حتميا لان الجيش الافغاني المجهز (المنهار) قوامه 300 الف، وهو مدرب ومسلح باسلحة حديثه!

ولهذا اعتبر المراقبين ان فشل تقديرات الاستخبارات الامريكية حول توقعات انهيار العاصمة كابول بأنه محرج، حيث اعتبر ديفيد باتريوس (القائد السابق للقيادة المركزية الامريكية، ورئيس وكالة الاستخبارات الامريكية الاسبق) بأن الانسحاب كان صادم وكارثي....

مما تقدم يتضح ان تقديرات الهزيمة الكبرى مبنية على معطيات وتحليلات دولية مهمة، اشارت بدقة الى ان ماحدث بالفعل يشكل صدمة للمجتمع الدولي وحلفاء امريكا،

وان الاعتبارات والتقديرات السابقة للقدرة الامريكية العظمى في بناء هيمنة القرن الوحيد (قوة القطب الواحد) على العالم اختلفت الان،

اي بالضبط كما اشيع بين الدول ان عالم مابعد كورونا ليس ماقبله،

وقد اصبح هناك لاعب دولي جديد نجح في جميع مخططاته ومشاريعه وتدقيراته الاستراتيجية، وان اكمال مشروع احياء طريق الحرير القديم، بدخول افغانستان على هذه الخط (مع ايران وباكستان)، قد تسحب البساط من تحت اقدام الامريكان في مناطق النفوذ الاخرى في منطقة الخليج،

اذ يعد الانسحاب من قواعدها في قطر (المؤيدة للمشروع الصيني الروسي الافغاني، والمعارض الشرس لمحور امريكا-السعودية والامارات)، هو يمكن اعتباره يصب في زاوية تقاسم جديد لمناطق النفوذ الاستعماري الامبريالي في المنطقة، اذ سجلت الادارة الامريكية نجاحات نسبية في العراق، واجزاء من سوريا، بعد ان عطلت بشكل واخر الاتفاق الاستراتيجي بين العراق والصين (تعطيل انجاز ميناء الفاو المهم على خارطة طريق الحرير)، ودفعت بالبلاد الى التحالف غربا مع الاردن ومصر، الا ان التكهن بما سيحدث مستقبلا في تلك المناطق (الهلال الشيعي كما اطلق عليه سابقا) امر في غاية الصعوبة، على اعتبار ان خيوط اللعبة فيها لازالت بيد الامريكان، اذ ان الملفات العالقة الاخرى هي على طاولة الفشل الامريكي-الدولي (حرب اليمن، الفساد والفوضى والارهاب في العراق وسوريا ولبنان، اعادة الاتفاق النووي مع ايران، الخ...) منذ سنوات...

ان تصريحات واعذار الادارة الامريكية حول ماحدث في افغانستان، دليل دامغ على الضعف والتخبط وغياب العقليات الاستراتيجية لادارة الازمات الخارجية كما ذكرنا، وقد تحتاج امريكا الى انتصار جديد بحجم الهزيمة الكبرى في افغانستان، حتى يمكن ان تستعيد مكانتها وسمعتها كقوى عظمى وحيدة فاعلة ومؤثرة في هذا العالم...

الامم والشعوب الحرة لاتنتظر الفرج والمساعدة والعون من الامم والشعوب الاخرى الا في حالة الكوارث الطبيعة والانسانية، ولهذا هي مدعوة دائما (وبالاخص دول العالم الثالث) الى التكاتف والتعاضد وتحمل المسؤولية التاريخية في بناء دول ديمقراطية دستورية تنموية ناجحة...

 

مهدي الصافي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم