صحيفة المثقف

صادق السامرائي: الإقتدار المنهار!!

صادق السامرائي"ما طار طيرٌ وارتفع ... إلا كما طار وقع"

هذا قول قديم يلخص مسيرة أية قوة فوق التراب، فالصعود لا يدوم، والبقاء على القمة لا يطول، فحالما تتوطن القمة تنتابك مخاوف الإنحدار إلى السفوح، ولهذا تتبادل القِوى دورها في الحياة، وتتغير الأحوال من حال إلى حال، فالوجود في دوران دائب وإنتقال واجب.

مرّت على الدنيا قِوى متعددة ومتنوعة، وما أن بلغت ذروتها وأطلقت ما فيها من العنفوان، حتى خمدت وإفترستها قوة صاعدة تريد أن تقوم بدورها إلى حين.

وما يجري في عالمنا لا يحيد عمّا جرى فيما مضى من العصور، فهناك قِوى تنحدر وأخرى تتسلق سلم الإقتدار، للقبض على مصير غيرها من القِوى المترنحة في وديان الرحيل.

ولا جديد في الأمر، إلا أن تقارب الدنيا وتصاغرها وتواصلها، جعل الأعمار قصيرة، والهيمنة مشتركة لا فردية، ففي واقع القِوى التي تمكنت، أنها تستخدم العقول وتستقدمها من أنحاء المعمورة، ولا تكتفي بما عندها من الطاقات، أي تحاول أن تصنع وجودا كوكبيا مقتدرا لبسط نفوذها على الجميع.

لكن بعض المجتمعات لديها كثرة بشرية وعقلية وطاقات تصنيعية وإبتكارية، وربما لا تحتاج لغيرها من أبناء الدنيا، وتسلقت سلم الرقاء بسرعة وقوة وإقتدار غير مسبوق، مما جعلها مؤهلة لقيادة العالم إلى زمن معلوم، وقد تتكاتف ضدها قِوى ذات شأن لردها عن مسارها الصاعد، ومحاصرتها عند القمة، لتنحدر بسرعة محكومة بإرادة الجاذبية المتناسبة طرديا مع وزن الجسم المتدحرج، مما يجعلها تتسارع وترتطم بفوة في وادي الغياب.

إذن نحن أمام قِوى تنحدر وأخرى تتسلق، والقمة هدفها وعليها تتحقق نهايتها، وفقا لقوانين الوجود الدوّارة، التي لا تسمح ببقاء الحالات على وضعها مهما حاولت وتوهمت، بل عليها أن تدرك مصيرها وترسم خارطة خطاها، لكي تترك ما يشير إليها بإحسان.

ويبدو أن المتغيرات الفاعلة في الواقع الأرضي تجري بعنفوان، ويُخشى أن تنتهي إلى تصارعات ذات تاثيرات فادحة تصيب البشرية بمقتل، لأن العديد من المراكز المقتدرة قد بلغت الذروة، وعليه فلا يمكن للحالات أن تستقر، بل ستصاب بالقلق والإضطراب وتمضي إلى حتفها المعلوم رغما عنها، وبفعل تكاثف قِوى ذات تطلعات أخرى.

فهل ستنحرف المسيرة البشرية عن مسارها بزاوية حادة، أم أنها ستخضع لإرادة الدوران وتتحرك على محيط دائرة؟

إنه سؤال محيّر تكنز جوابه الأيام!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم