صحيفة المثقف

أحمد عزت سليم: الثقافة بتاريخها وفاعلياتها مؤثرة بقوة فى ديناميات التفاعل الاجتماعى

احمد عزت سليميعرف العالم الإجتماعى دافيد روتكوبف الثقافة بأنها " نموذج كلي لسلوك الإنسان ونتاجاته المتجسدة في الكلمات والأفعال وما تصنعه يداه، وتعتمد على قدرة الإنسان على التعليم ونقل المعرفة للأجيال التالية " ويرى العلامة الراحل الدكتور حامد ربيع أن الثقافة هى عنصر من عناصر الإدراك بل هى الإطار الفكرى لعملية الإدراك الجماعى، وهى بهذا المعنى مصدر مباشر لتحديد خصائص لا فقط التعامل بين المواطن والسلطة ولا فقط أسلوب الالتحام بين المجتمع القومى والمجتمعات الخارجية بل كذلك الرؤية الذاتية للحضارة القومية بما يعنيه ذلك من تماسك تاريخى وثقة فى التراث والانتماء. الثقافة هى المادة التى منها وبها يتكون الولاء، والقضية الأكثر التصاقا بالخاص الحميم للأفراد التى تدفعهم للصراع من أجل الاحتفاظ بها، والثقافة هى قيم وهى تقاليد وهى ممارسات ثم هى نظام متكامل لا يقبل التحلل ولا يعرف إلا التماسك التصاعدى. الثقافة بهذا المعنى هى أولا إيمان وثانيا امتياز وثالثا تضحية وكفاح .. إيمان لأن المتغير الحقيقى الذى يفرض ذلك التفاعل المستمر بين المواطن وقيمه الثقافية إن هو إلا شعور داخلى يفرض عليه أن يرى فى تلك القيم محور حياته ووجوده، وهى ثانيا امتياز لأنها ملك الطبقة المختارة التى تمثل الاستمرارية الحقيقية، وهى ثالثا تضحية لأن محورها الخضوع لعادات وتقاليد واحترام تلك العادات والتقاليد حتى لو على حساب ـ أيضا ـ المصلحة الفردية، والثقافة حصيلة لقاء ديناميكى بين دلالة الخبرة الماضية وعملية المواجهة اليومية لمشاكل الوجود الإنسانى. وبهذا المعنى ـ كما يرى العلامة الرائد الدكتور حامد ربيع ـ هى جامدة ومتجددة فى آن واحد، الخبرة تصير علامة المعرفة، والتعامل المستمر يقود إلى مرونة إزاء الواقع المتجدد لا ثقافة دون تاريخ، ولا ثقافة دون حركة مستمرة وانبعاث دائم نحو التغيير والتجديد .

هناك العديد من والتحديات الراهنة التي تواجهها سلطة ديناميات الثقافة المصرية، وأهمها أن العديد من النخب التى لم تخرج من الهوية الصلبة للمجتمع ولم تعرف حقيقة الانتماء ولم ترتبط بالعمق التاريخى المكون للأمة والكامن فى ذاتها وافتقدت الضمير والروح الطليعية للإرادة القومية كروح مقاومة للظلم والاستبداد وكمقدمة للتقدم والتغير، نخب اعتلت القيادة التى خلقتها الأوضاع الراهنة وتميزت بالجهالة وعدم القدرة على التعمق فى تحليل وفهم الواقع، واستغلت قدراتها فى دعم أغنياء البترول واغنياء السلطة على حساب شعوبها، نخب دفعت بها ومولها هؤلاء الأغنياء والقوى الأجنبية فإذا بها تقود بلدانها وهى متبنية سلوكيات ونماذج أجنبية لتسييدها فى مجتمعاتها وبالتالى تتسيد شعوبها مستهدفة تخريب وتفتيت المقومات الثقافية الأصيلة لشعوبها وقطع تواصلها واستمراريتها ودفعها للتخلف وللعزلة والانفصال والتشويه وإفقادها كرامة الإنسان لصالح هؤلاء الأغنياء وإغلاق جميع ابواب المجتمع فى وجه الحرية والعلم والتطور بل وصار الوطن على نحو ما يقول المناضل الراحل عبد الله النديم : ـــ " كانت البلاد على سعة أطرافها كليمان أعد للمذنبين ... " وضاع الوطن وكما يقول الشيخ الإمام محمد عبده والذى كفرته الجماعات الإرهابية : ـــ " لا وطن إلا مع الحرية " بل أصبحت تأخذ شكلا جديدا للاستشراق الذى يمكن تسميته بـ " الاستشراق المحلى " كأداة محلية للغزو الفكرى والثقافى لإعادة تشكيل الوطن بأفراده ومؤسساته نحو ربطه بالنموذج الغربى وتحطيم كل ارتباط واستمرارية بمكنونات القيم العربية النضالية وقطع الصلة معها وإخضاعها للإرادة الأجنبية بل وفى أغلب الأحوال يتمركز ويتمحور الوعى الثقافى لهذه النخب حول الحاكم / الخليفة / الملهم فيكثر التضليل والتهليل والطبل والتزمير وشراء الضمير وبيعه فى مختلف المحافل على حساب الوطن والتاريخ والولاء لهما وتصير الثقافة تعبيرا عن ماهية التراكم الذى يشهده الواقع الثقافى المنهك والذى تحول فيه الوطن إلى مجرد رهان متنازع عليه بين الحضور والغياب والتعمية وردود الأفعال ليصيرالواقع الثقافى تعبيرا مأساويا عن التفتت والتشرذم والانكفاء والانفصام والانفصال والتعدد والنفى والكراهية والمصادرة والحجب والرقابة أمام تحولات وتغيرات الواقع الاجتماعى والواقع العالمى أو التمترس حول سلطة الحكم وإغراءتها المادية وسلطة الغرب بكونه فكرا واستعمارا، وأصبحت الحركة الثقافية ودينامياتها تعيش رهنات الماضى وتعجزعن تكوين روح نقدية حقيقية فى مواجهة الفناء والرجعية والتكرارية الماضوية والتطرف الدينى والتشدد الإرهابى وتبنى النماذج الغربية والخضوع لها، كما تعجز عن مواكبة التطور والتغلب على الواقع وخلق واقع جديد ينهض بالأمة ويخرجها من أزماتها وينقذها من الصراع الثقافى التدميرى كما يعيشه الكثير اعتمادا على الفكر القبائلى (وظهر ذلك جليا فى التصادمات القبائلية والعشائرية والقرائبية فى الكثير من الدول العربية وفى مصر كنتاج لفشل هذه النخب ــ رغم ادعاءات بعضها بالتقدمية والوحدوية ــ فى صهر الروح القبائلية داخل الوطن الواحد)، واعتمادا على الفكر التكفيرى وكما يرى أحدهم : ـــ " علينا ردع العلمانيين كما رددنا المغول والصليبيين، وأوضح أن أهل الباطل يتحالفون على نصر باطلهم، ولن يهدأ لهم بال حتى يطفئوا نور الله، فكونوا حصن الشريعة " (المرشح الشيخ هشام النجار على قائمة حزب النور بأبو كبير بالشرقية ـ مصر ـ الأهرام 10 ديسمبر 2011 العدد رقم 45659 السنة 137)، وأخر يصف جامعة القاهرة بأنها قامت من أجل هدم الشريعة الإسلامية،ورغم وجود كلية دارالعلوم بها والتى قدمت للمجتمع العربى والإسلامى والعالمى الآلاف من معلمى اللغة العربية الذين حافظوا على لغة القرآن الكريم فى العالم، وأخرون قبلهم فى التسعينات من القرن الماضى حاولوا قتل المبدع نجيب محفوظ وتكفيره لرواية إبداعية هى أولاد حارتنا، وكما شارك كثير من الجناه البلطجية حرق المجمع العلمى بالقاهرة تحت مرأى ومسمع من ذوى السلطان والقوة الذين يمتلكون ويسيطرون ويتحكمون فى وسائل الإطفاء السريعة والفاعلة والقادرة بقوة على إطفائه فى دقائق معدودات ودون تدخل لإنقاذ التراث الثقافى الإنسانى بداخله، رغم أنهم ذهبوا للعدو الصهيونى بطائراتهم المتخصصة لإطفاء حرائق الغابات هناك ... !!

من هذا المنطلق تلعب الثقافة بتاريخها وفاعلياتها دورا مؤثرا فى ديناميات التفاعل الاجتماعى ومن خلال اكتساب الفرد لها من خلال عمليات التنشئة الاجتماعية والعملية التعليمية (وبالإضافة إلى السلطات السابقة) وبما يشكل الإطار الدلالى المرجعى له والذى يحكم منظوماته الإدراكية والوجدانية والتفضيلية والتى تؤثر على عمليات التلقى والاستجابة والمفاضلة والاختيار وردود الفعل والتوجيه والضبط الاجتماعى سواء كان سلبيا وانحرافيا وضعيفا أوإيجابيا والانتماء والاختيار الأيديولوجى وتشكل ضميره الفردى وبالتالى الضمير الجمعى ومن ثم الضمير الوطنى.

 

بقلم :ــ أحمد عزت سليم

عضو إتحاد كتاب مصر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم