صحيفة المثقف

قاسم حسين صالح: السياسي الفاسد.. تحليل لعقله!

قاسم حسين صالحتنويه: نقصد بالسياسي الفاسد هنا، الذين تولوا السلطة في العراق بعد عام( 2003)، وقادة الاحزاب والكتل التي لها دور فاعل في العملية السياسية، والأشخاص الذين يتولون مراكز ادارية في مؤسسات الدولة المتهمين بالفساد من قبل هيأة النزاهة والذين تدور حولهم شبهات فساد.

ونقصد بالفساد السياسي.. إساءة استخدام السلطة العامة من قبل النخب الحاكمة لأهداف غير مشروعة كالرشوة، الابتزاز، المحسوبية، والاختلاس فيما نعني بالفساد هنا.. حصول الفرد على مال بطرائق غير مشروعة يحاسب عليها القانون.

التحليل

لدى متابعتنا للعملية السياسية في العراق عبر (18) سنة، وانطلاقا من حقيقة ان سلوك الانسان(أفعاله) هي انعكاس لأفكاره.. لعملياته العقلية فاننا وجدنا أن شخصية تحمل افكارا غير عقلانية وعقدا نفسية تتحكم به وتجبره على تحديد اهدافه، وتفرض عليه طريقة تفكيرمحددة في تحقيقها.. اليكم أهمها وأخطرها:

الشك المرضي

كانت العقدة الأولى التي تحكمت بعقل الحاكم السياسي الفاسد والزعامات العراقية لغاية 2010 هي (الشك المرضي - البرانويا) التي تعني بمصطلحات الطب النفسي اسلوبا مضطربا من التفكير يسيطر عليه نوع شديد وغير منطقي ودائم من الشك وعدم الثقة بالاخر، ونزعة ثابتة نحو تفسير افعال الاخرين على انها تهديد مقصود، وضغينة مستديمة لمن يخالفه الرأي، وأن رأسه في حالة انذار دائم وعلى استعداد للقتال او المقاومة والاصرار بعناد على التمسك بالسلطة.. وبسببها دفع العراقيون ثمن ذلك آلاف الضحايا الأبرياء في حرب(2006-2008).

الحول العقلي

من عام(2010) اثبت الحاكم الفاسد أنه مصاب بـ(حول عقلي - مصطلح سيكولوجي جديد )، ناجم عن تعصب طائفي او اثني.. أجبره على تصنيف الناس الى مجموعتين:(نحن) و(هم)، بطريقة يحّمل فيها الجماعة الأخرى مسؤولية ما حدث من أذى أو أضرار ويرى انها على باطل، فيما يرى جماعته انها على حق مطلق حتى لو كانت شريكاً بنصيب اكبر في أسباب ما حدث. ومن يومها قلنا بالصريح ان شخصا بهذه العقلية المرضية لا يصلح أن يكون قائدا لمجتمع تتنوع فيه الأديان والمذاهب والقوميات.

الدوغماتية

والعقل السياسي الفاسد مصاب بالدوغماتية Dogmatism التي تعني الجمود العقائدي او الانغلاق الفكري الذي يفضي الى تطرف ديني، مذهبي، قومي او قبلي، وتعدّ بحسب دراسات علمية انها – الدوغماتية- احد اهم واخطر اسباب الأزمات السياسية والاجتماعية، وانها (مرض) خالقي الأزمات من القادة السياسيين.

ومن عام (2008) كتبنا في الصحف وقلنا عبر الفضائيات ان قادة العملية السياسية العراقية لن يستطيعوا ان يتحرروا فكريا من معتقدات ثبت خطؤها، ولن يستطيعوا ان يجدوا حلّا او مخرجا لما هم فيه، بل انهم سيعرّضون ملايين الناس الى مزيد من الأذي، وقد حصل ما كنّا حذرنا منه.. والأخطر.. أنهم ما يزالون على نهجهم سائرون.

عقل مأزوم

اثبتت الاحداث عبر السنوات الثمان عشرة الاخيرة ان عقل الحاكم/الفاسد السياسي العراقي منتج للأزمات، وانه غير قادر على حل المشكلات، لأن الادمان على الازمات كالادمان على المخدرات.. ففي الحالتين يحدث للعمليات العقلية في الدماغ برمجة ثابتة تجعله يعتاد على تفكير نمطي محدد يجبره على تكراره، يذكرنا بمقولة لأنشتاين بأن العقل لا ينمو بالمعلومات بل بطريقة التفكير ، وهم دوغماتميون وحولان عقليا.

والأشكالية انهم الى الآن (2021) يمارسون خلق الأزمات ، آخرها رفضهم لنتائج انتخابات (10 تشرين) واستغفال جمهورهم للقيام بتظاهرات.. وسيبقون يمارسونها لأنهم يدركون ان التغيير يؤدي الى قطع اياد ودحرجة رؤوس.

العقدة الأخطر

تتمثل في أن المضطهد سياسيا ، بهذا النمط العقلي، يتحول الى جلاّد حين يستلم السلطة ويعتبر ثروة الوطن ملكا له ولجماعته الذين يحمونه، وأن هذه الآلية العقلية تجبره على ان يعتمد مبدأ (الثقة الطائفية) في التعيين الوظيفي حتى لو كان شاغل الوظيفة لا يحمل شهادة الاعدادية. وكان هذا خطأهم القاتل، لأن الدولة التي تستبعد الكفاءات والخبرات تتحول مؤسساتها الى ملكيات افراد، وهذه حقيققة واقعة.. فالوزارات العراقية موزعة (من 2005) وكأنها دويلات او ملكيات طائفية او عشائرية وحتى شخصية.. يتلقى وزيرها التعليمات من رئيس كتلته، ويتم التوظيف فيها على اعتبارات حزبية وعشائرية.

والمأزق الذي يعيشه العراقيون ان هؤلاء الحكّام الى الآن (2021) يريدون حكومة محاصصات توافقية لضمان ديمومة عقول مأزومة وحولاء ودوغماتية.. لا تصلح لقيادة دولة.

*

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم