شهادات ومذكرات

المترجمون العراقيون في الاتحاد السوفيتي (4)

علمت الان فقط برحيل المرحوم الاستاذ خميس حرج نشمي في مدينة بطرسبورغ بتاريخ 8 ايلول / سبتمبر عام 2014، هذا الانسان المتواضع الوديع والرقيق والمثقف بعمق، الذي قدمته لي في بطرسبورغ الدكتورة يافعة يوسف – استاذة اللغة العربية في جامعة بطرسبورغ عام 2005 عندما شاركت باحدى المؤتمرات العلمية في الجامعة المذكورة . لقد لاحظت رأسا في ذلك اللقاء حماسه العلمي الاصيل وعمق خططه الثقافية، واخبرني انه يعمل على ترجمة حكايات كريلوف من الروسية الى العربية لان القراء العرب لا يعرفونه حق المعرفة وبالتالي لا يستطيعون تقييمه كما يجب وقد اتفقت معه بشأن هذه الملاحظة، و اخبرني ايضا انه يهتم بترجمة الامثال والحكم الروسية ومقارنتها بالامثال العربية، وان هذا الموضوع يستحق اهتمام المتخصصين العرب والروس معا، وانه يتمنى ان ينشر بحوثه وترجماته هذه في بغداد، وبلغ تواضعه حدا انه لم يخبرني بانه أصدر كتابا مترجما عن اللغة الروسية في موسكو نهاية الثمانينات آنذاك حول ملحمة كبرى من ملاحم الادب الروسي القديم .

ولد المرحوم خميس حرج نشمي في العراق عام 1941، و وصل الى موسكو عام 1962 للدراسة، وسافر الى لينينغراد عام 1963 وبدأ دراسته في قسم اللغة الروسية وآدابها بكلية الاداب في جامعة لينينغراد، وبعد انهاء دراسته في تلك الجامعة وحصوله على شهادة الماجستير، بقي في مدينة لينينغراد (بطرسبورغ حاليا) واستقر فيها، وعمل في المكتبة الوطنية هناك طوال حياته، وتوفي في مدينة بطرسبورغ ودفن فيها، وربما يمكن القول (وحسب معلوماتي المتواضعة طبعا ) انه القبر العراقي الوحيد في تلك المدينة، وبهذا فقد ازدادت – مع الاسف - قبور العراقيين في روسيا (انظر مقالتنا بعنوان – قبور عراقية في موسكو)، وبودي ان أكرس هذه الحلقة من سلسلة مقالاتي حول المترجمين العراقيين في الاتحاد السوفيتي للمرحوم خميس حرج نشمي اعتذارا لروحه لاني لم اذكر اسمه في الحلقات السابقة من مقالاتي تلك عن المترجمين العراقيين، لعدم استطاعتي – وبجهودي الفردية فقط - الالمام بكل ابعاد هذا الموضوع الثقافي الواسع جدا واسماء المساهمين العراقيين فيه، و بالطبع لعدم مشاركة الآخرين في الكتابة عن هذا الموضوع رغم كل دعواتنا لهم للقيام بهذا العمل العلمي المهم وتسجيله للاجيال اللاحقة في مسيرة الثقافة العراقية الحديثة.

يرتبط اسم المرحوم خميس حرج نشمي بترجمة كتاب مهم لم يتجاسر على ترجمته الكثير من المترجمين العرب المحترفين الكبار (رغم محاولات هنا وهناك لترجمة مقاطع من تلك الملحمة الشعرية ليس الا، ومن ابرزها محاولة المرحومة أ.د. حياة شرارة في كتابها المعروف و الصادر في بيروت في ثمانينات القرن العشرين بعنوان – من ديوان الشعر الروسي ). و الكتاب الذي ترجمه نشمي هو ملحمة عملاقة من الادب الروسي القديم، ويعده الروس واحدا من الشواهد الكبرى القديمة للادب الروسي وبداياته وانطلاقاته، ويولونه اهمية قصوى في تاريخ ادبهم . الترجمة الحرفية لهذه الملحمة الشعرية هي – (كلمة حول فوج ايغور)، وقد جاءت عند المترجمين عن الروسية (وكذلك عند الباحثين العرب في الادب الروسي ) بصيغ واجتهادات مختلفة، منها على سبيل المثال وليس الحصر – كلمة عن جيش ايغور / انشودة حملة ايغور / حملة الامير ايغور / ملحمة ايغور / اغنية جيش ايغور / ...الخ . لم استطع – مع الاسف الشديد – ان احصل على نسخة من ترجمة المرحوم خميس نشمي لتلك الملحمة (رغم كل محاولاتي العديدة )، والتي اصدرتها دار النشر السوفيتية المشهورة (رادوغا) ( قوس قزح ) عام 1989، لهذا يتعذر علي هنا ان اتكلم عن مستوى هذا العمل الترجمي الكبير الذي انجزه المرحوم خميس، الا اني اطلعت على تلك السطور التي كتبتها المستشرقة الروسية المعروفة البروفيسورة الدكتورة فرولوفا عن هذه الترجمة، والتي نشرتها في كتاب يتناول التعريف بترجمات هذه الملحمة الى اللغات الاجنبية العديدة، اذ انها اشارت الى ان الترجمة العربية التي انجزها خميس نشمي جاءت بلغة عربية سليمة وجيدة ويمكن للقارئ ان يطالعها بسهولة، وان النص العربي هذا قريب جدا من النص الاصلي (اي الروسي) لتلك الملحمة، وهذا الرأي الذي كتبته البروفيسورة فرولوفا دليل لا يقبل الشك بمستوى العمل الترجمي الجيد، الذي قدمه المرحوم خميس نشمي.

من نافل القول ان نشير في نهاية هذه السطور الى ان هذا الكتاب يستحق ان ندرسه ونحلله بامعان وان نحاول ان نقترح على الدارسين الشباب في مجالات الترجمة الروسية – العربية والعربية – الروسية في روسيا والعالم العربي ان يتناولوه في دراساتهم الاكاديمية المقارنة بالجامعات والمعاهد باعتباره عملا علميا متكاملا و رائدا في مجال ترجمة الشعر الروسي الى اللغة العربية – هذه المهمة الدقيقة و المعقدة والصعبة جدا، والتي تتطلب – بلا شك – موهبة ذاتية خاصة في هذا المجال.

ختاما اود ان أعبر عن تمنياتي (ولا أقول أحلامي) في امكانية نشر اعمال المرحوم خميس حرج نشمي الترجمية، والتي عرفت انها موجودة عند عائلته في بطرسبورغ، والتي لم يستطع ان ينشرها اثناء حياته، اذ انها من المؤكد تستحق ان ترى النور، وانا شخصيا مستعد للمساهمة في هذا العمل قلبا وقالبا كما يقال، و انا على يقين ايضا انه يوجد بين اصدقائه العراقيين خصوصا (في روسيا وحتى في العراق)، والعرب عموما، والروس طبعا، من يرغب بالمساهمة ايضا في تحقيق هذا الانجاز الثقافي . دعونا نتعاون معا من اجل ذلك ايها الاصدقاء، دعونا نشكٌل لجنة مصغٌرة تتمثل فيها عائلته وبعض المتحمسين لمتابعة هذا المشروع الثقافي الجميل. هل يمكن تحقيق هذا الحلم؟ .

 

أ.د. ضياء نافع

 

في المثقف اليوم