شهادات ومذكرات

خمس محطات في حياة الشهيد محمد باقر الصدر

jasim mohamaالمحطة الاولى: شرارة الانطلاق

التقت عائلتان عملاقتان (ال الصدر مع ال ياسين) فأثمرت بركانا لا يطفأ وزلزالا لا يهدأ، فولد محمد باقر الصدر وذلك في يوم الاحد في الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة من عام (1352هـ)، الموافق للثامن والعشرين من شهر شباط/ فبراير من عام (1935م)، فكان مولده مبعث فرحة عارمة اهتزت لها جوانب البيت الذي ضمّ السيد حيدر الصدر وكريمة آل ياسين، وقد مضى على أول وليد لهما ما يربو على عشرة أعوام. وها هو الوليد الثاني يطل عليهما بالفرح والسرور والالفة والمودة. لكن القدر فاجأ البيت ودخله دون استئذان فهز أركانـه بقـوة معلناً وفاة الاب (السيد حيدر الصدر). كان ذلك في عام (1356 هـ) ولم يمض على ولادة الشهيد الصدر ما يزيد على ثلاثة أعوام.

وقد نشأ وترعرع الشهيد الصدر في الكاظمية ما يقرب من ثلاث عشرة سنة، تعلم القراءة والكتابة وتلقى جانباً من الدراسة في مدارس منتدى النشر الابتدائية التي أسسها السيد مرتضى العسكري والمرحوم احمد الأمين سنة ١٣٦٢ هج، في مدينة الكاظمية المقدسة وهو صغير السن وكان موضع إعجاب الأساتذة والطلاب لشدة ذكائه ونبوغه المبكر، ولهذا درس أكثر كتب السطوح العالية دون أستاذ، وقد لاحظ عليه اساتذته ان اهتماماته الفكرية تتجاوز عمره بكثير من قبيل اطلاعه في تلك السنّ المبكرة على الفلسفة الماركسية فضلا عن مطالعاته المتنوعة واطلاعه على الاعمال الفكرية لعدد من مشاهير الغرب.

بدأ بدراسة المنطق وهو في سن الحادية عشرة من عمره، وفي نفس الفترة كتب رسالة في المنطق، وكانت له بعض الإشكالات على الكتب المنطقية، في بداية الثانية عشرة من عمره بدأ بدراسة كتاب معالم الأصول عند أخيه السيد إسماعيل الصدر، وكان يعترض على صاحب المعالم، فقال له أخوه: إن هذه الاعتراضات هي نفسها التي اعترض بها صاحب كفاية الأصول على صاحب المعالم.

 

المحطة الثانية: ابداع وتفان

في سنة 1365 هـ هاجر سيدنا الشهيد المفدى من الكاظمية المقدسة إلى النجف الاشرف، لإكمال دراسته، وتتلمذ عند شخصيتين بارزتين من أهل العلم والفضيلة وهما: آية الله الشيخ محمد رضا آل ياسين (قدس سره)، وآية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي (رضوان الله تعالى عليه).أنهى دراسته الفقهية عام 1379 هـ والأصولية عام 1378 هـ عند آية الله السيد الخوئي (رحمه الله).بالرغم من أن مدة دراسة السيد الصدر منذ الصبا وحتى إكمالها لم تتجاوز 17 أو 18 عاماً .

بدأ السيد الصدر في إلقاء دروسه ولم يتجاوز عمره خمس وعشرون عاماً، فقد بدأ بتدريس الدورة الأولى في علم الأصول بتاريخ 12 / جمادى الآخرة / 1378 هـ وأنهاها بتاريخ 12 / ربيع الأول / 1391، وشرع بتدريس الدورة الثانية في 20 رجب من نفس السنة، كما بدأ بتدريس البحث الخارج في الفقه على نهج العروة الوثقى في سنة 1381هـ .

ان اهم ابداعين في العقد الثاني من حياة الشهيد الصدر هما كتابي فلسفتنا واقتصادنا، اللذان آتيا ثمارهما بعد عمل شاق وتفاني ودراسة صبورة في أفكار بعيد نوعا ما (الاشتراكية والشيوعية والرأسمالية والوجودية) عن جو الحوزة العلمية وبالعكس كان التقرب لهذه الأفكار بحد ذاته تهمة وتشويه سمعه ومرفوضة في تلك الأجواء ولكن الشهيد لم يبالي وتمعن ودرس هذه الأفكار بعمق وتحليل وكانت النتيجة هذان الكتابين العملاقين :

" فلسفتنا " وهو مرجع هام وفى الفلسفة الاسلامية المقارنة مع النظريات الفلسفية فى عالمنا المعاصر اليوم، ويعد بحثاً عميقاً فى نقد النظريات الفلسفية وإعطاء الفلسفة الاسلامية حيويتها وروحها

"اقتصادنا"، ويتحدث فيه عن الاقتصاد فى النظرة الماركسية وانتقد نظرية الديالكتيك بانتقادات واشكالات لم تشهد النظرية مثيلاً لها، ثم نقد بعد ذلك الأفكار الرأسمالية وفى محاولة منه لاكتشاف النظرية الاقتصادية فى الاسلام وضع الأسس التى يقوم عليها الاقتصاد الاسلامى ثم أردف بها تطبيقات للاقتصاد الاسلامى

ولقد كان هذا العطاء القمة في زمانه ليٌسلح الشباب المسلم بسلاح الفكر والأيمان، وليرفعهم من الدفاع السلبي إلى الهجوم الايجابي وكان وقعها عظيما آنذاك حيث هز ضمير البشرية وارجع للإسلاميين ثقته وعنفوانه وفتح لهم آفاق العلم والممارسة السياسية للوقوف امام التيارات المعاندة .

اليوم الكل يرى كيف انحسرت تلك الأفكار الإلحادية وولت بلا رجعة وفي المقابل وبدلا عنها أينعت وأثمرت تلك الأفكار الإسلامية الهادئة المسالمة التي أسسه وتبناه الشهيد الصدر رض وهي محصنة في أذهان معتنقيه، دافعوا عنها بالدماء الغالية وفي السجون ودار الهجرة، كما يدافع عن هذه الأفكار تيار من الشباب في العالم الاسلامي اليوم وفي عصر العولمة، ان عصر العولمة ونتائجها السلبية على الشباب المسلم المعاصر والأفكار السلفية الجهادية والتكفيرية لا تقل سلبا وتخلفا وهدما لعقول الشباب من الاثار السلبية للعولمة، كلا الفكران (العولمة والتكفير) هما السيفان الذان سلطا على رقاب شبابنا، لابد من فكر يتحدى هذه الأفكار الضالة ويفتح الافاق امام شبابنا ليتبنى أفكار الاسلام الأصيل، ان الجذوة المتقدة التي اوقده الشهيد الصدر في ريحانة شبابه امام الماركسية والرأسمالية لاتزال قادرة على ان تقف امام العولمة والتكفير وان تسليح شبابنا بهذين الكتابين سيعطي القدرة والقوة لشبابنا لتصدي تلك الأفكار الضالة

 

المحطة الثالثة: بناء المؤسسات واركان العمل الاسلامي

ان هم ركيزة تتميز به الشهيد الصدر عن الاخرين تبنيه مفهوما سياسيا للإسلام وايمانا عميقا بحاكمية الاسلام على المعمورة وهذا لا يتم الا بتأسيس حكومة إسلامية في دولة معينة منبثقة من مجتمع مسلم يتبناه نخبة من العاملين والدعاة الى الاسلام وهذا واضح في أسسه العشرة في ادبيات حزب الدعوة الاسلامية وعلى اثر هذا الاعتقاد .

قام الشهيد الصدر رض بتشكيل حزب إسلامي سماه بـ (حزب الدعوة الاسلامية) في العام(1957/1377) وعمره 22 عاما وهو في أوائل العقد الثالث، ولم يكن تأسيس الحزب عند السيد الشهيد بعاطفة او نزهة إنما سبقته قراءة واعية للاحداث والمعطيات اشترك فيها عدد من المخلصين والمقربين للشهيد الصدر

وقد سجّل كبار العلماء حضوراً بارزاً في (حزب الدعودة الاسلامية) في مقدمتهم الامام الشهيد والسيد مرتضى العسكري والشهيد السيد مهدي الحكيم والسيد محمد باقر الحكيم والشيخ علي الكوراني والشيخ عبد الهادي الفضلي والشيخ مهدي السماوي والشيخ محمد مهدي الآصفي... وهو ما حقق للحزب فرصة كبيرة للصمود والارتقاء التدريجي على الرغم من غياب الدور الحقيقي للمراجع في ميلاده (1). غير أن دعم المرجع الاعلى السيد محسن الحكيم في ذلك الوقت كان واضحاً وحقيقياً، وتجلى في انتماء اثنين من أنجاله في الحزب وهما الشهيد مهدي الحكيم والسيد محمد باقر الحكيم، فضلا عن انخراط عدد كبير من وكلائه وفي مقدمتهم السيد العسكري. هذا علاوة على أن تحرك الحزب كان ـ في الغالب ـ يتم من خلال مؤسسات كانت تحمل اسم (المرجع) السيد الحكيم كما في (مكتبات) السيد الحكيم المنتشرة في معظم المناطق العراقية والتي يديرها ويحضرها عشرات الدعاة، والاحتفالات والمهرجانات التي يحييها الدعاة تحت ظل السيد الحكيم وبرعايته (2).

وقد سعى حزب الدعوة الاسلامية جاهداً لكسب تأييد المراجع ومباركتهم، وفي هذا الاتجاه أطلع السيد الشهيد استاذه السيد الخوئي وأخبره بتأسيس الحزب، كما سلّمه نسخة من (الاسس) التي كتبها الشهيد الصدر، كما أنه أطلع خاله الشيخ مرتضى آل ياسين.

وفي العام 1961 انسحب سماحته من هيكلية التنظيم بناء على نصيحة من السيد الحكيم ـ كان ذلك اثر حملة تعرض لها السيد الصدر بوجه خاص قادها حسين الصافي وآخرون نيابة عن حزب البعث العراقي في محاولة استعداء المراجع وأفاضل حوزة النجف عليه،

اثر تلك (الحملة) كتب الشهيد الصدر الى (القيادة) يعتذر لها عن مواصلة العمل التنظيمي بشكل مباشر، وقد نقل الكتاب السيد مهدي الحكيم وسلّمه الى صالح الأديب(1).

يقول اية الله الشيخ الفضلي رحمة الله عليه : (لم يترك السيد الصدر الدعوة، وانما بالنظر الى حاجة الامّة الى مرجعية قائدة بعد وفاة السيد الحكيم ارتأت الدعوة ترشيحه للمرجعية لما يملك من شخصية قيادية .

هذا عطاءه في العقد الثالث من عمره الشريف الذي افاق عطاءه في العقد الثاني وهو يقر تاثير الأحزاب والحركات الإلحادية الوافدة من الغرب ودورها التخريبي لأذهان الشباب فتبنى نظرية جده السيد عبدالحسين شرف الدين (ره) ( لا ينتشر الهدى إلا من حيث انتشر الضلال ) وكان السبّاق في تأسيس حزب الدعوة الإسلامية، الحزب الذي غير خريطة المنطقة الإسلامية بل العالم بأجمله و حيث بدِأت ثلة مؤمنة صابرة يقودهم الشهيد الصدر ومعه ثلة من العلماء الواعين وبرعايته الشخصية ويحرص عليهم بفكره ونظرياته العبقرية رغم التشويش والاتهامات التي كانت تنهال من هنا وهناك على شخصه الكريم سواء من الحوزة العلمية ومن كبار العلماء او من أعداء الدين من اذناب البعث والأفكار الهدامة الاخرى ما فتئ حتى انظم في صفوفه عدد كبير من الشباب والمثقفين وخاصة طلاب الجامعات والأساتذة والطبقة الواعية من رواد الحوزة العلمية، فتلاقحت أفكار المدرستين، مدرسة الدراسة الأكاديمية في الجامعات ومدرسة الدراسة التقليدية في الحوزات العلمية آنذاك فكانت ثمرتها هذا الجيل الهادر من الأفكار والتوجهات والتي تحولت إلى حركة دؤوبة وقادت الصحوة الاسلامية المعاصرة ولا تزال هذه الصحوة تسير بافكار ومتبنيات ذلك الرجل العظيم ومن تربى بيده ومعه أمثال اية فظل الله وشمس الدين وموسى الصدر والفضلي والصدر الثاني هذا من المرحومين اما من الأحياء فأية الله الحائري والهاشمي والاصفي والناصري اضافة الى تيار من الشباب في حزب الدعوة الاسلامية استمرت الى يومنا هذا .

ان الاحترام الكبير الذي يكنه الشعب المسلم في العراق ودوّل اخرى في المنطقة لهذا الحزب ماهو الا احترام وتقدير لذلك السيد الكريم الشهيد اية الله محمد باقر الصدر .  

 

المحطة الرابعة: رسالة وقيادة

واستنادا على ما جاء فان ابتعاده عن هيكلية الحزب كان ضمن نظام ومنهج باتجاه قيادة الأمة، لان الحزب سيبقى العامل الأساسي لترسيخ المجتمع الاسلامي وتوجيه الحركة السياسية الاسلامية باتجاه بوصلة القيادة الاسلامية، لذا تبنى الشهيد الصدر في عقده الرابع من عمرة مشروع القيادة الاسلامية، وهذا لا يمكن تنفيذه الا من خلال المرجعية الدينية وهذا المعمول في المجتمع الاسلامي بشكل عام واتباع أهل البيت ع بشكل خاص، القيادة العليا متمثلة دائما بالمرجع العظمى، لذا توجه السيد الشهيد رض بوضع آلية جديدة كيف تكون المرجعية العظمى القادرة على قيادة المجتمع والدول الاسلامية، وهل الموجودة في الوسط الشيعي قادرة لمواكبة العصر والتطور الحاصل في آلية القيادة والإدارة، وكان مشروعه القيادي المبدع المرجعية الرشيدة في حياة الأمة، المرجعية التي تأخذ المجتمع الاسلامي في ظرف متلاطم نحو شاطئ الأمان، انطلق الشهيد الصدر وهو يحمل خلافة الانسان على قيادة الأمة فبدأ بتاسيس بذرة شورى المرجعية من خلال اختياره العلماء الواعين الذين يحملون فكره ونهجه من العلماء الذين تحملوا معه اعباء العمل الاسلامي السياسي، وان هذا الشورى الذي يمثل قياداته من علماء وقادة العالم الاسلامي وهم من العراق وإيران ولبنان والكويت والبحرين والسعودية واليمن وباكستان وافغانستان اضافة الى أوربا وأمريكا ومصر وشمال افريقا، وبعد إكمال شورى المرجعية طرح مشروع المرجعية الرشيدة، والهدف منها تنظيم إدارة المرجعية ومكتب المرجع الأعلى ليكون قادرة على متطلبات الحياة وتعقيداتها وان تنطلق أوسع من العبادات والمعاملات لتكون قائد الأمة الاسلامية لبناء دولة إسلامية راسخة لقيادة المجتمعات الاسلامية امام النظم الحديثة في إدارة الدول، وبعد المرجعية الرشيدة تلاه مشروع المرجعية الموضوعية ايمانا منه ان تتغير اُسلوب الاجتهاد والوصول الى القيادة والمرجعية العظمى والية التدريس وإعطاء الشهادات العلمية للعلماء ليشمل كل الكيان العلمائي في إدارة دفة الاجتهاد والتدريس الحوزوي في جسم الشيعة في العالم، كما التفت الشهيد الى نقطة هامة وهى تعرض المرجع للموت فقال عن هذه النقطة : " فلابد من ضمان نسبى لتسلسل المرجعية فى الانسان الصالح المؤمن بأهداف المرجعية الصالحة لئلا ينتكس العمل بانتقال المرجعية الى من لا يؤمن بأهدافها الواعية ولابد أيضاً من تهيئة المجال للمرجع الصالح الجديد، ليبدأ ممارسة مسئولياته من حيث انتهى المرجع العام السابق بدلا من ان يبدأ من الصفر ويتحمل مشاق هذه البداية وما تتطلبه من جهود جانبية، وبهذا يتاح للمرجعية الاحتفاظ بهذه الجهود للأهداف وممارسة ألوان من التخطيط الطويل المدى، ويتم ذلك عن طريق شكل المرجعية الموضوعية اذ فى اطار المرجعية الموضوعية لا يوجد المرجع فقط بل يوجد المرجع (كذات) ويوجد (الموضع) وهو المجلس بما يضم من جهاز يمارس العمل المرجعى الرشيد وشخص المرجع الصالح فى حالة خلو المركز، وللمجلس وللجهاز – بحكم ممارسته للعمل الجماعى ونفوذه وصلاته وثقة الأمة به – القدرة دائماً على اسناد مرشحه وكسب ثقة الأمة،، فرحم الله الإمام الشهيد محمد باقر الصدر المرجعية الدينية الوحيدة التي لم يكّون لنفسها حاشية حوزوية بل حاول أن يقضي على البيوتات التقليدية لأبناء وأحفاد وحواشي المراجع واستبدلها إلى مدارس فقهية وأصولية، وكتب كتبه الأربعة في الأصول التي غيرت المناهج والخطط في الحوزة العلمية، وكما ادخل للحوزة دراسة اللغات الأجنبية والرياضيات المعاصرة وكتابه (الأسس المنطقية للاستقراء )كتاب فلسفي رياضي عظيم هز الفكر الحوزوي التقليدي وأعطى له فكرا خلابا وتنافسا جذابا في النقاش والتجاذب، واليوم تحولت الحوزات العلمية بجهده الكريم إلى مدارس وكليات مرموقة تستقبل الوافدين إليها وبشروط اكثر تعقيدا .

نعم كان فكر الشهيد الصدر خلابة في إيجاد نقلة نوعية في قيادة الأمة من خلال المرجعية الدينية الرشيدة، ولكن لم يتوفق لتطبيق نظريته الاسلامية في قيادة الأمة متهما اياه الخروج عن الأمة كما اتهم جده الحسين ع لتنهال عليه من القريب والبعيد تهما واقاويل وتحول التيار العام ضده وهو أقوى منه، وهذا التيار سواء كان من قبل الأعداء الذين اغتالوه حيّا قبل استشهاده عندما حاصروه فردا وحيدا يعاديها الحوزة العلمية ببعض شخوصها قبل ان يعاديه النظام الصدامي .

 

المحطة الخامسة: مشروع الشهادة والخلافة

قدم الشهيد الصدر في مراحل حياته كما ذكرناه نمطا جديد من الفكر الاسلامي وأسلوبا مبدعا يختلف عما قدمه العلماء الاخرين، وتابع خطى وآثار هذا الاسلوب لحظة بلحظة ايمانا منه ان يأخذ حيّز التنفيذ وهو تطبيق حكم الله على الارض ولكن بأسلوب علمي راق، نعم عندما وصلت نتائج فكره الفذ الى مراحل عليا بالتنفيذ وتزامن هذه النتائج مع تأسيس اول حكومة إسلامية في الارض رفع رايتها اية الله العظمى السيد الخميني ره، تبنى مشروعه الكبير الذي قدم من قبسات حياته من عمره الشريف من اجله وهو تطبيق حكم الله في الارض وقدم نفسه جنديا من جنود الله في خندق العدل الالهي تحت راية اية الله الخميني لتحقيق الهدف المنشود، رغم علمه الشديد تبعات تلك الوقفة المشهودة وأعلن وقوفه مع اية الخميني ره بل وقدم مشروعه الاسلامي وهو مشروع ودستور الحكومة الاسلامية العادلة الى الجمهورية الاسلامية وهو اول مشروع يقدم بأسلوب عصري جديد، نعم انه كان يعلم عندما أعلن تأييده للخميني يكلفه حياته، وأعلن بكل وضوح تصميمه للشهادة (اني صممت على الشهادة) من اجل العدل اللهي المشهود، لذا فان حياته الكريمة في العقد الخامس منه كانت حبلى بالعمل والمفاهيم الاستراتيجية لانها تصب نحو الأمل المنشود هو تأسيس الحكومة الاسلامية .  

ففي هذا العقد من عمره وهو الأخير وقفتان احداهما أعظم من الثاني وكلاهما معا نتائج عمره المديد الأولى مشروع الدولة الإسلامية والثانية مشروع الشهادة والخلافة.

ففي كتبه سلسة (الإسلام يقود الحياة) والحكومة الإسلامية قد أبدع إبداعا لا مثيل له حيث فتح آفاق العالم حول إمكانية قيام الجمهورية الإسلامية والدولة الإسلامية وفق منهاج عصري جديد يوافق عليها الأفكار والتوجهات القانونية السائدة في الحكومات الديمقراطية الغربية والتي توافق عليه المنظمات والمؤسسات الدولية كالأمم المتحدة، ففكرة انتخاب مجلس الخبراء ومجلس الشورى وانتخاب رئيس الجمهورية من بين الشعب والتي تعتبر من لبناة أفكاره الكريمة تعتبر نقلة نوعية في النظم الديمقراطية المعاصرة وكانت لهذه الأفكار التأثير المباشر في تغيير بعض الأفكار الديمقراطية التي كانت سائدة آنذاك .

فعندما أراد أن ينال نتائج مشواره نحو الكمال في الحكومة النموذجية صمم على الشهادة بعدما أسس ووضع أركانها في المحطات الأربعة، ان مشروع الشهادة والخلافة هو مشروع على خطى مشروع جده الحسين (ع) عندما ركزه اللعين بن اللعين بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات من آل الرسول الذلة فتبنى مشروع الشهادة والخلافة اما الحكومة الاسلامية بعز وافتخار وأما الشهادة في سبيل الله واختار الشهادة في سبيل الله لان نهاية عمره الشريف هو الشهادة في سبيل الله.

 

جاسم محمد جعفر البياتي

في المثقف اليوم