شهادات ومذكرات

الشاعرة السورية المعاصرة خزامى الشلبي

ما أن تسدد سهمها نحو الهدف، حتى يصبح أثرا بعد عين. هي رامية بعين صقر، وقلب ورد.، شاعرة ولكنها ليست كبقية من قرضن الشعر من بنات جنسها. ربة بيت، ولكنها ليست كربات البيوت الأخريات. انها عبق وأريج تضوع من أحلى المروج الدمشقية وأجملها، رغم أنها استأثرت بزهرة " الخزامى " فقط، لاسباب ستبديها لنا الكلمات لاحقا.

تنحدر الشاعرة الدمشقية "خزامى الشلبي" من اسرة أصيلة وعريقة، محافظة وفاضلة، حباها الله تعالى بالخير، وخصها بالفضل من نعماءه. فرغم ثراء الاسرة الفاحش، الا أن التواضع، وعمل الخير، ومد يد العون، واغاثة الملهوف، هو ما يميزها عن كثير من العائلات التي انعم الله عليها. فكل تلك الصفات الطيبة، قد صهرت شاعرتنا " الخزامى " في بوتقة الفضيلة والعلم والمعرفة معا، وقدمتها مثالا يحتذى، في الابداع والتفوق والتميز. هي فعلا نادرة الوجود.

اصطحبها الوالد في حله وترحاله، فنهلت من القيم والعادات الحسنة، والاساليب القويمة في التعامل الراقي مع البشر، وانفتحت على المجتمع المحلي بأسره، ما أضفى على شخصيتها الجرأة والفصاحة واللباقة في التعامل مع شتى شرائح المجتمع. سريعة البديهة، حاضرة الجواب، لينة الجانب، طيبة المعشر. ولكنها، في المقابل، تمتلك قلب اسد ضار اذا ما اشتد الخطب ودعا الداع. فقد فازت في بطولة الجمهورية السورية في الرماية، واصبحت ممن يشار اليهن بالبنان في دقة التصويب، وتدمير الهدف عن بكرة ابيه .

كانت الشرارة الاولى التي قدحت زناد الشعر عندها يوم بلغت التاسعة من العمر. فقد أفاقت على الوالد وهو يتبادل وصلات الزجل الدمشقي الراقي مع ابنائه الذكور، فابتدرت مدلية بدلوها بوصلة راقية أذهلت الجميع، ومنذ تلكم اللحظة، أصبح لها الصدر دون الاخرين؛ فقد منحها الوالد كامل الصلاحية، ومطلق الحرية، في استخدام مكتبته الشخصية الضخمة، وبات يوليها رعاية خاصة، كرعايته باقة الياسمين الندية الغضة، حتى اشتد عودها وأزهرت سامقة نحو العلى. وفي سن الثالثة عشرة، طلبت مدرسة الفصل من جميع الطالبات الرد على احدى قصائد الشاعر " محمود درويش "، وكان ردها هو الملجم. وعلى صعيد المناظرات الشعرية، فقد كانت تبز زميلاتها جميعهن في الفصل، وكن حوالي الاربعون تلميذة.

ولعلها اتخذت من بيت شعر للشافعي نبراسا لها: " سافر تجد عوضا عمن تفارق / وانصب فان لذيذ العيش في النصب. فعلا سافرت والعائلة، ويا له من سفر استمر زهاء (29) عاما في بلاد الحرمين. فهناك تفقتقت العبقرية، و انطلق الشعر من عقاله، وبات يضرب يمنة ويسرى، محطما كل ما يقف امامه من عقبات التحدي. حصدت جوائز عدة في المملكة العربية السعودية في مجال الشعر النبطي، وشاركت في العديد العديد من المسابقات الشعرية والثقافية، لدرجة انها تلقت من الكثير من جمهورها المحب (أقارب ومعارف وزملاء) دعوات بضرورة الاشتراك في مسابقة " شاعر المليون"، ولكنها شخصيا لم تتقبل فكرة الاشتراك في ذلك البرنامج. حصلت على تكريم من الامير محمد بن فهد بن عبد العزير عن عمل فني بالشمع عن التراث المحلي السعودي. ترسم بالفحم وتبدع ارقى اللوحات كذلك. معظم كتاباتها للوطن الذي تعشق، وتتماهى فيه، كما تكتب للاسرة الكريمة، والابناء، وتخص نصفها الاخر باشعار جميلة رقراقة، كونه الملهم والمساند الحقيقي والفعلي لمسيرتها منذ البداية، والى اخر رمق. فأحيانها يخبو قول الشعر لديها قليلا، لظرف ما، لكنه سرعان ما يعود نسيما عليلا يجتاح سهول مروج الخزامى، التي تسمت بها، متخذة منها المثل الاعلى في الاستقامة، والشموخ، وعدم الانحناء، الا لمبدع الكون.

هي عضو فاعل، بل ومؤثر، في مجلس ادارة رابطة الشعراء العرب. وفي مسابقة شعر الفصحى الشهرية لرابطة الكتاب العرب على " الفيس بوك"، فقد تربعت على عرش البطولة اثر حصولها على المركز الاول لشهر يناير 2014. كما حصلت على المركز الاول في مسابقة " همسة " لشهر نوفمبر 2014، والمركز الثالث للشعر الفصيح لرابطة الكتاب العرب لشهر نوفمبر 2013 . تكتب الزجل الدمشقي وتتقنه، وفي الاونة الاخيرة، فقد كتبت كلمات " زفة " احد انجالها، وصدح بها القائمون على الحفل، وكانت أعذب الكلمات التي لاقت استحسان الحضور. كل اشعارها وليدة الشعور والاحساس، وليس التصنع. فكثيرة هي المرات التي تترك فيها مخدعها، وتنفض غبار النوم عن وجنتيها، وتنهض نشيطة لسكب كلمات خطرن في البال قبل فوات الاوان. أهي خنساء الشعر، أم الشمس، أم الأم، أم الدمشقية، أم مليكة الشعر، كما يصفها الكثير من متذوقي شعرها الراقي؟

كل ذلك الابداع لم يكن ليبزغ لولا صقل الموهبة علميا. فشاعرتنا الفاضلة تحمل مؤهلا جامعيا في اللغة العربية من كلية البنات في الدمام- المملكة العربية السعودية. تعشق الادب الجاهلي بشقيه، الشعر والنثر، كما تعشق كذلك شعراء صدر الاسلام. ولا تتعصب لشاعر بعينه، انما القصيدة هي من تفرض نفسها على المتلقي. حكمتها المفضلة :" لكل شيئ اذا ما تم نقصان// فلا يغر بطيب العيش انسان. عملت في مجال الدعوة لتسع من السنوات، قدمت خلالها ندوات اسبوعية تثقيفية في العقيدة السمحة.

حياتها الاسرية ضرب من الروعة والسحر؛ فتراها تداعب الاولاد وتضاحكهم وتتحمل، بل تشاطرهم، شقاوتهم .وعلى نطاق صداقاتها، فلا تملها زميلاتها البتة، فهي لهن البلسم الشافي، ونبع الاخوة الصافية الصادقة، ومكمن لاسرارهن الدقيقة، ولا يشعرن بمرور الزمن معها، ولسان حالهن يقول: " لا بورك في مجلس ليست فيه الخزامى ". وبكل اختصار، هي بمثابة " الحناء " في العرس، روعة وبهاء وحضورا.

" الخزامى" هي ابنة ريف دمشق النقي الرضي ذات الحضور الأخاذ، والطلة الساحرة. هي ابنة " التل " وما تملكه اسرتها الموسرة من مساحات شاسعة خصبة، سهول مزهرة، ورياض غناء، وبيت عربي تتوسطه نافورة نضاخة، وشجيرات الياسمين، والمشمش والدراق، وغيرها مما تشتهيه الانفس. هنا كانت تلهو وتلعب في الطفولة وأيام الصبا، وتنصت الى اصوات السواقي تعزف بحور الشعر الجميلة. فهل هذه الاجواء هي السبب المباشر لاعطاء الصبغة الرومانسية لجزء من اشعارها؟ فأنا شخصيا،وبحكم عملي ودراستي، فقد وجدت قواسم مشتركة بين بعض اشعار شاعرتنا " خزامى الشلبي " واشعار بعض الشعراء الانجليز أمثال ويليام ويردزويرث، جون كيتس، شيلي، و ويليم بليك. فهل جاءت هذه القواسم وليدة الصدفة، أم ان شاعرتنا استثمرت معرفتها وثقافتها باللغة الانجليزية، وتعمقت في دراسة ما يقع تحت يديها من شعر غربي؟ لا ندري على وجه الدقة، ولربما كان جوابها: " أنام ملء جفوني عن شواردها / ويسهر الخلق جراها ويختصم.

 

يونس عودة/الاردن

 

في المثقف اليوم