شهادات ومذكرات

شيشرون – Cicero .. 106 – 43 ق.م

في عام 106 ق.م.، كانت روما بأكملها على موعد مع ميلاد أحد أساطين الخطابة العمالقة. شخصية متعددة النشاطات والمجالات؛ فتارة رجل قانون، وتارة أخرى رجل سياسة بارع، ومرة مثقفا وصاحب فكر نير، ومرة أخرى خطيبا مفوها لا يشق له غبار .

درس القانون وتمكن من كل شاردة وواردة فيه . اشتهر - على مستوى روما كاملة - بنبوغه الأخاذ، خاصة في مجال فن الخطابة والبلاغة، والتعبير الذي كان يقوم بتدريسه لأناس تواقون لهذا الفن، بغية الإبداع والتميز.

ينحدر شيشرون من أسرة الفرسان . فقد شاءت الأقدار أن تعقد أسرته العزم على إيفاد هذا الشاب اليافع إلى أروقة العلم آنذاك، ليدرس الفلسفة والخطابة على أيدي المهرة في مجالات العلم والقانون والمعرفة . بز أقرانه، وأنهى مواضيع الدراسة بتفوق قل نظيره، مما أهله لنيل المكانة الأعلى في ميدان الخطابة والإلقاء . القانون عشقه، والمحاكم بيته الثاني . فأول عمل اضطلع به هو المرافعة عن المظلومين أصحاب الحقوق المهدورة والمهضومة . تألق، وبزغ نجمه في هذا المجال، حتى أصبح يشار إليه بالبنان كنصير للضعفاء والبائسين، ممن سطت عليهم سلطات التغول، وهضم الحقوق التي لا ترحم .

ولأن مهنة المحاماة والمرافعة تتطلبان لغة قوية، وتراكيب نحوية دقيقة وواضحة، فقد لجأ شيشرون إلى بلاد أخرى لتحقيق مأربه . فوجد ضالته في أسيا الوسطى وأثينا . لفت انتباه مدرسيه هناك كعادته، وأنهى مقررات الدراسة والمراس في وقت قياسي، وعاد إلى روما، محملا بأرقى أنواع البلاغة، والفصاحة، والإتقان المبهر، وعلى اثر ذلك، بويع رئيسا عاما للخطباء في بلادة.

خلق شيشرون عند بقية الخطباء ورجال القانون مركب نقص؛ فسرى تأثيره في المجتمع كسيل العرم الجارف، وبات يحصد الانتصار تلو الانتصار في مرافعاته، والتي كان في الكثير منها، يجهز على خصمه من الجولة الأولى . أحبه أهل صقلية وعشقوا ذكاءه وعلمه وبلاغته، وفوق ذلك كله، عشقوا عدله، ولم يتوانوا في اختياره ممثلا شرعيا ورسميا في قضية ضد حاكم جزيرتهم التي كسبها بجدارة، وكنتيجة لذلك، ساندته الطبقة الارستقراطية في روما عام 63 ق.م.، وحصل على لقب قنصل، وهو ارفع منصب سياسي في روما في ذلك الوقت .

برع شيشرون في كتابة الخطب الرائعة ( 100 خطبة)، حيث تميزت كلها بالاختيار الدقيق للفظ والتركيب اللغوي السليم . وكان لبعض خطبه تأثير حارق وصاعق في ان . ففي إحدى المرات القي أربع خطب ضد " كاتلين "، أحد الرومان المتآمرين على زعزعة أمن الحكومة، أدت إلى سوقه – كاتلين - وأتباعه الى حبل المشنقة .

شيشرون لا ينكر فضل تأثره بعمالقة الفلسفة أمثال أفلاطون وأرسطو وتبنيه للكثير من أرائهما . فقد حذا حذو أفلاطون في تبني فكرة المدينة الفاضلة، حيث العدل والاستقرار والتآخي .

من أقواله الشهيرة:

الكاذب لا يصدق ولو قال صدقا / البلاغة هي الضوء الذي يجعل الذكاء يشع / من لا يقرأ التاريخ يبقى ابد الدهر طفلا صغيرا / بحسن التقدير نجعل الآخرين من ممتلكاتنا .

انتهى المطاف بشيشرون مقتولا على يد معارضيه عام 43 ق.م.، وقطع رأسه، وقيل كذلك لسانه .

 

يونس عودة/الاردن

 

في المثقف اليوم