شهادات ومذكرات

من تجارب الشعوب: مدينة دريسدن الألمانية دمرتها الحروب ثم إستعادت عافيتها

hashem mosawiإعتدت في محاضراتي الأكاديمية، عندما أتحدث عن الحفاظ العمراني، أن أختار مدنا من مختلف القارات، مرت بتغيرات عميقة في تاريخها، وأحيانا أختار مدنا زرتها وإطلعت على معالمها وعرفت تاريخها ودرست أساليب الحفاظ التي أتبعت في المحافظة على ملامحها العمرانية وموروثها الحضاري .

ومن تلك المدن التي أقدمها للقارئ اليوم هي مدينة دريسدن الألمانية السكسونية، والتي رغم ما نالها من دمار إبان الحربين العالميتين، لكنها تميزت بإحتفاظها بأهم معالمها العمرانية التاريخية، بفضل عمليات الحفاظ وإعادة الإعمار المتميزة فيها تمكنت من إستعادة تلك الشواخص المعمارية والرموز التاريخية .

وسنحاول هنا أن نعود بشكل مختصر الى تاريخ هذه المدينة . حيث ذكر أسم دريسدن لأول مرة في الوثائق عام 1206م . وفي عام 1216 م كانت البلدة التي تقع على الضفة اليمنى من نهر الألبه يشار إليها بإسم " نيون دريسدن " .كما يذكر المؤرخون بأنه تم إنشاء الأسوار الحصينة التي تحمي المدينة للقلعة وللبلدة، في القرن الرابع عشر الميلادي . وقد وهب الإمبراطور "سيكسموند دوقية ساكسه –فيتنبورك الى فريدريك الحربي كإقطاعية خاضعة لسلطانه فضلا عن منحه لقب إليكتر (الناخب)، عام 1423م، فعرفت تلك المنطقة بإسم الإليكتورية الساكسونية

814-hashim

وفي عام 1464م بعد وفاة فريدرك تقلد إيرنست وألبرت الحكم معا، وأصبحت دريسدن مقر حكم ألبرت وأولاده . في عام 1491م وبعد الحريق المدمرالذي حل بالبلدة تم إعادة بنائها بإستعمال الحجر كمادة بنائية للبيوت والسقوف القرميدية، وفي مطلع القرن السادس عشر الميلادي تم تحويل القلعة في البلدة القديمة الى قصر، وتم تحصين أسوار المدينة القديمة والتي لا تزال أثارها المطلة على نهر الألبه باقية الى يومنا هذا . ومن أهم الأحداث التي تفتخر بها هذه المدينة، أن مارتين لوثر الواعظ البروتستاني الشهير، قد كان يلقي مواعظه في مصلى القصر قد يلقي مواعظه في مصلى القصر عام 1517م . في عام 1691م أصبح فريدريك اوكوستوس الأول المعروف بإسم أوكوستوس القوي أميرا ناخبا، وقد عرف عنه إهتمامه بالبناء، فبنيت في عهده أعمال ذاع صيتها في العالم . منها معارض تسوينكر وكنيسة البلاط "هوف كيرشه" . وشهد عنم 1806م إلتحاق سكسونيا بحلف الراين لنابليون، وأصبحت مملكة . وفي عام 1809م أزال نابليون الأسوار الحصينة . وفي عام 1918م تم إلغاء الملكية، وأصبحت دريسدن عاصمة ولاية سكسونيا الحرة .

 814-hashim2

برج هاوسمان

وكما ذكرنا في بداية هذا المقال بأن دريسدن تعرضت الى ويلات الحروب، فقد شهدت في الثالث عشر من شبنط عام 1945م غارة جوية شنتها القوات البريطانية والأمريكية، تدمر من خلالها مركز المدينة . وضمن جهود الإحياء للتراث، فقد تم إعادة إعمار كل من القصر وكنيسة السيدات (فراون كيرشه)، إستجابة للنداء الجماهيري الذي نظمه أهالي مدينة دريسدن بحملة عالمية أطلق عليها " صيحة من دريسدن طالبوا فيها المجتمع الدولي المساعدة لإسترجاع كنيسة فراون كيرشه ( التي تركتها الغارة حطاما منثورا) كي تكون المركز المسيحي لعالم السلام في أوربا الجديدة . ولم يتم إعادة إعمارها إلا في عام 2005م

تميزت مدينة دريسدن بممراتها العريضة ما بين المباني العامة والقصور نظرا لإرتفاع تلك المباني العالية، ذات الواجهات الثرية . أما في المناطق السكنية فتكون الممرات أضيق وبنسب إحتواء تتراوح ما بين (2.5:1) و(3.1)، وتفتح تلك الممرات على ساحات واسعة تتخلل أرجاء المدينة وتتميز تلك الساحات بأنها معرفة بوضوح من خلال إحاطتها من ثلاث جهات على الأغلب بالكتل وأحيانا من أربع جهات فلا يكون لها منفذ سوى ممر واحد ضيق نسبيا أو أكثر، وتحتوي البيازا على شاخص مهيمن وعدة شواخص ثانوية، على غرار المدن الرومانية

ورغم أن المدينة قد تعرضت خلال فترات متتالية للتدمير وإزالة المعالم والشواخص المعمارية ذات الأهمية التاريخية، إلا أن إدراك أهاليها لأهمية موروثها الحضاري، فضلا عن جودة التوثيق ودقته، أسهم في الحفاظ على الملامح المعمارية والعمرانية التاريخية للمدينة من خلال إعادة إنشاء المباني المهدمة على صورتها الأولى .

 

د. هاشم عبود الموسوي

 

في المثقف اليوم