شهادات ومذكرات

وفد اتحاد ادباء روسيا يزور فلسطين

الى الشاعر والمترجم المبدع الاستاذ نزار سرطاوي.

زار فلسطين وفد من اتحاد ادباء روسيا للمشاركة في اعمال الملتقى الثقافي التربوي السابع في رام الله للفترة من 28 تموز/ يوليو الى 4 آب / اوغسطس من هذا العام 2015، وقد نشر الاديب الروسي فلاديمير كروبين مقالة جميلة ومهمٌة بعنوان – (فلسطين) (و هي في الواقع تكاد ان تكون بحثا علميا معمٌقا جدا يقع في أكثر من تسع صفحات، و قد استخدم فيه العديد من المصادر العلمية المهمة والمعتمدة)، و تتضمن هذه المقالة معلومات هائلة و دقيقة وفي غاية الاهمية – من وجهة نظرنا - حول فلسطين وتاريخها وماذا يعني كل ذلك للانسان الروسي و كيف ينعكس ذلك في اعماق الوعي الاجتماعي لروسيا بشكل عام، و كذلك تناولت المقالة خصائص الشعب الفلسطيني وصفاته الطيٌبة والعلاقات الروسية – الفلسطينية عبر التاريخ، وموقف اتحاد ادباء روسيا تجاه هذه العلاقات، والانطباعات الذاتية الخاصة التي خرج بها الوفد بعد هذه الزيارة التاريخية ...الخ، ونود في هذه السطور ان نعرض تلك المقالة (او بالاحرى - البحث العلمي) للقارئ العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص، لأننا نرى فيها وقائع ومواقف فكرية مهمة جدا بالنسبة لفلسطين والقضية الفلسطينة والعلاقات العربية – الروسية الفكرية بشكل عام، و انا على قناعة تامة بان علينا – نحن العرب – ان نطلع على هذه المقالة بامعان وتفصيل، ونأخذها بنظر الأعتبار حتما بالنسبة للقضية الفلسطينية وموقف روسيا منها، وذلك باعتبارها وثيقة من الوثائق المهمة التي يمكن الاعتماد عليها لاحقا والاشارة الى ما جاء فيها في هذا المجال الحيوي الكبير والمهم جدا لنا، خصوصا في هذا الزمن الردئ، الذي تجري فيه الان - كما هو معروف – محاولات دولية مريبة - هنا وهناك - لنسيان القضية الفلسطينية او التقليل من قيمتها و اهميتها بالنسبة لعالمنا العربي بمجمله و تأثيرها على مصيره وارتباطها العضوي بهذا المصير.

عنوان المقالة كما أشرت اعلاه هو – (فلسطين)، ويضع الكاتب الروسي كروبين عنوانا ثانويا لها وهو مثل روسي معروف، والترجمة الحرفية لهذا المثل هي كما يأتي – (عش كما تشاء، لكن اياك ان تتنفس)، وهو يذكرنا بالمثل العربي بمختلف اللهجات العربية   – (قرصة < كرصة> خبز لا تكسرين واكلي الى ان تشبعين) (باللهجة العراقية)، وعند قراءة تلك المقالة بدقة وعمق وتأمل، نفهم فحوى الاستشهاد بهذا المثل الروسي في العنوان الثانوي لتلك المقالة ورمزيته الفذٌة، اذ ان الكاتب اراد ان يلخٌص و يعرض و يصف – وبشكل مركٌز جدا - موقف اسرائيل تجاه فلسطين والشعب الفلسطيني، ويرسم وصفا مضغوطا و واقعيا و صحيحا ولاذعا فعلا وبكل ما تعني كل مفردة من هذه المفردات من معنى محدد ودقيق حول ذلك.

تبتدأ المقالة بتعريف كلمة (فلسطين) نفسها، والتي يعتبرها الكاتب - (.. عتيقة   ..ورائعة..وخالدة ..وهي بالنسبة لأرثذوكس روسيا كانت تعني دائما ..الارض المقدٌسة ..)، ثم ينتقل الى الاستشهاد بالقاموس الموسوعي الارثذوكسي الكامل، والصادرفي روسيا عام 1903، والذي يسميٌ فلسطين (.. أرض الرب ..التي ذكرها الكتاب المقدٌس ..)، ويذكر عدد سكانها من المسلمين والمسيحيين العرب آنذاك، والذين كانوا يشٌكلون النسبة شبه المطلقة في فلسطين، ويشير الى انه بدأ في روسيا عام 1997 اصدار الموسوعة الارثذوكسية، وانها وصلت لحد الان الى 36 مجلدا، وعلى الرغم من انها لم تصل بعد الى مفردة - (فلسطين)، الاٌ انه متأكد ان الارقام عن عدد سكانها ونسبتهم ستكون مختلفة طبعا عن أرقام القاموس الموسوعي لعام 1903 المشار اليه اعلاه، ولكن (.. الشئ الوحيد الذي سيبقى دون تغيير هو هذا الشغف الارثذوكسي من روسيا تجاه فلسطين، وكذلك حب الفلسطينيين لروسيا..). ويتوقف الكاتب بعدئذ عند تفاصيل تاريخية طويلة ويعرضها بشكل ممتع وجذٌاب ويستند الى مصادر دينية وتاريخية لا يمكن الشك بصحتها وصوابها، ولا مجال هنا وفي اطار هذا العرض السريع للمقالة التوقف عند تفاصيلها وموضوعيتها وعلميتها .

تتحدٌث المقالة لاحقا عن تلك الانطباعات وتفصيلاتها و التي خرج بها الكاتب كروبين وهو يشاهد الحياة الفلسطينية اليومية مشاهدة حيٌة امامه، بل ويلمسها لمس اليد كما يقال،ويصل الى استنتاج رهيب وكبير جدا(ولكنه منسي من قبل العالم مع الاسف نتيجة التعتيم الاعلامي المتعمد والمخطط له طبعا) وهذا الاستنتاج هو، ان الفلسطيني يعد مواطنا من الدرجة الثانية في اسرائيل، مواطنا منبوذا ومحكوما - بلا محاكمة - بانه ارهابي، ويستشهد بتصريح ل (وزير العدل !!!) الاسرائيلي الذي يقول فيه ان (الاطفال الفلسطينيين هم ثعابين صغيرة ويجب عدم الشفقة عليهم)، ويشير كروبين - من جانب آخر - الى شئ شاهده وتلمٌسه ايضا هناك، وهو ان الاسرائيليين يخافون من الفلسطينيين، رغم انهم مدججون بمختلف انواع الاسلحة امامهم، بينما الفلسطيني لا يمتلك اي سلاح، ويستنتج – وهو على حق – ان هذا هو شعور واحساس المحتلين في كل مكان وزمان دائما وابدا، و يا لها من ملاحظة ذكية ودقيقة ورائعة ومهمة من قبل الكاتب الروسي كروبين وهو يتجول في المدن الفلسطينية الان ويشاهد بعيون فاحصة وثاقبة كل هذه الظواهر المخفية بالنسبة للعالم، وحتى بالنسبة لنا نحن العرب، ومن وجهة نظرنا، فان هذا الاستنتاج يعد نقطة جوهرية جدا في هذه المقالة، نقطة تمتلك فعلا قيمة كبيرة بالنسبة لنا جميعا في العالم العربي، لأنها جاءت على لسان اديب اجنبي كان يشاهد ما يجري في الواقع على الارض دون رتوش اعلامية، وكم اتمنى من وسائل الاعلام العربية بشكل عام والفلسطينية بشكل خاص ان تؤكد على هذه النقطة المهمة في توجهها الى المتلقي العربي (لأنه يخضع لعملية نسيان هذه الحقيقة)، والى المتلقي الاجنبي (لأنه لا يعرف أصلا هذه الحقيقة) .

يختتم كروبين مقالته الممتعة هذه بمقاطع من قصيدة كتبها في فلسطين الشاعر الروسي المعاصر وعضو وفد اتحاد ادباء روسيا غينادي ايفانوف، والقاها في الحفل الختامي لاعمال الملتقى الثقافي التربوي السابع في رام الله، ومنها هذه الابيات -                                                  

اناس الحقيقة والعدالة والارض – هذه هي فلسطين،

اناس الشعر والثقافة والشرف – هذه هي فلسطين،

اناس الجمال الروحي والجسدي - هذه هي فلسطين،

اناس قريبون لي، واقرباء لروسيا - هذه هي فلسطين .

مقالة الكاتب الروسي فلاديمر كروبين تستحق الترجمة الى العربية حتما، كي يطلع عليها القارئ العربي لما تتضمن من معلومات وثائقية ومواقف موضوعية تجاه فلسطين، ويستحق كاتبها طبعا التصفيق الحاد...

 

أ.د.ضياء نافع

 

في المثقف اليوم