شهادات ومذكرات

إسلاميو السلطة (42): المتسترون على الفضيلة واليعقوبي هذه بعض اسمائهم

salim alhasaniبعد سقوط نظام صدام، كان الجو العام في الأوساط الشيعية، يستند على ثلاثة مرتكزات أساسية:

ـ تدين ومشاعر إسلامية.

ـ ارتباط وثيق بالمرجعية العليا.

ـ تقديس واتباع لخط الشهيدين الصدر الأول والثاني.

وقد جاءت فسحة الحرية لتطلق مشاعر الحزن والقهر المكتومة على مدى عقود من الزمن، فصار الارتباط بهذه المرتكزات أكثر من قبل، فالإسلام في محيطه الشيعي كان محارباً من قبل النظام، والحركة الاسلامية هاجرت من العراق وقد خلفت وراءها إرثاً كبيراً من التضحيات والشواهد على الجهاد والعطاء والبطولة، ونقصد هنا حزب الدعوة بصورته الأصلية أي قبل ان يتعرض للسرقة بعد عام 2003.

والمرجعية كانت محاصرة في النجف الأشرف، وهي الموقع الذي لا يقترب منه الشك في حرصه على مصالح الأمة، عبر قرون عديدة من الزمن. وقد تحول الارتباط الشيعي بالمرجعية الى أحد الثوابت الكبرى التي مكنته من مواجهة التحديات ومحاولات التذويب والتشتيت.

أما خط الشهيدين الصدر الأول والثاني، فهو العلامة الأبرز للوعي والتحدي والثورة ضد الظلم، وهو العنوان المُفجع لظلامة حقبة طويلة من تاريخ العراق والعالم الشيعي.

وفي ضوء التحول السياسي الكبير الذي شهده العراق لحظة سقوط الصنم في ساحة الفردوس، اكتشف مجموعة من الأشخاص أن التغيير في العراق هو فرصة ثمينة تمر خاطفة أمامهم، وعليهم اقتناصها قبل ان تمتلئ المواقع وتنغلق الطرقات. فتقدم بعضهم يزج نفسه في التيار الصدري الذي بدا واضحاً أنه التيار الأكبر في الساحة، وأتجه آخرون نحو المجلس الأعلى بامكاناته المالية الهائلة والمدعوم مباشرة من إيران، وتسلل قسم ثالث الى حزب الدعوة مستفيداً من تفكك الضوابط التنظيمية. فيما فضّل رابع الزي الديني يرتديه على عجل، فيختصر على نفسه مسافات الانتظار.

** ** **

في أيام التغيير الأولى، بعد سقوط نظام صدام حرص الشيخ محمد اليعقوبي على البقاء قريباً من السيد مقتدى الصدر، فقد كان القرب منه يعني الواجهة المنفتحة على الملايين من اتباع الشهيد الصدر الثاني. وحينا أطمأن اليعقوبي الى حصوله على الاتباع، انشق عن التيار الصدري معلناً اجتهاده بنفسه، ومستنداً على تأسيس حزب سياسي هو حزب الفضيلة. وكان ذلك استغلال منه لسمعة الشهيد الصدر الثاني وشعبية التيار الصدري، بينما يفرض الوفاء ألا ينفصل عن هذا التيار الذي يحمل اسم الصدر الثاني قدس سره، لأن الوفاء والبرّ هو برّ الممات لا بر الحياة فقط.

لقد قرأ الشيخ اليعقوبي التجربة التي عاصرها، فالامام الشهيد محمد باقر الصدر، بعد ان نال من المكانة العلمية ما شهد بها الجميع، لم يستطع أن يكون مرجعاً إلا من خلال أنصاره وأبناء مدرسته في حزب الدعوة.

وقرأ اليعقوبي أيضاً تجربة الامام الصدر مع المرجعية والحزب، وهي القصة المشهورة حين نصحه المرجع الراحل السيد محسن الحكيم قدس سره عام 1961، بعدم الارتباط تنظيمياً داخل حزب الدعوة لكيلا يتحجم في اطاره، فدوره يجب ان يكون لكل الأمة بحكم مستقبله في المرجعية.

لكن رعايته لحزب الدعوة الى جانب جهوده العلمية العملاقة، واخلاصه النادر لمبادئه، جعل الدعاة يتمسكون بتقليده ويدعون الى ذلك.

قرأ اليعقوبي ذلك، ووجد أنه يستطيع ان يلتقط نقاط القوة من عدة جهات، فمن خلال المشاعر العامة التي ينظر بها الناس الى المراجع، يستطيع ان يكون أحد القيادات الدينية مستقبلاً، ومن قربه من السيد مقتدى الصدر يتمكن من الحصول على تزكية عالية القيمة، وعن طريق حزب الفضيلة سيتمكن من توسيع دائرة نفوذه ودخوله الى مجال السياسة.

لكن العقبة التي لم يكن بمقدوره تجاوزها، هي شهادة الاجتهاد وعدم اعتراف المراجع الكبار به، وهنا كانت المغامرة، فهي ضربة من ضربات العمر لا تقبل غير المجازفة، إما السقوط وإما النصر. فقرر أن يخوض مجال المرجعية مستفيداً من مساندة التيار الصدري أولاً ثم من حزب الفضيلة وما يحصل عليه من أموال، قبل أن يبدأ بمناوشات بسيطة يُلقي حجارتها صوب بيت المرجع الأعلى السيد السيستاني. وكان من حسن حظه أن موجة من الحماس المرجعي قد اصابت عدداً آخر من الرجال، فتشتت الانظار على عدة وجوه، وقد خدمه ذلك كثيراً.

وقرأ الشيخ اليعقوبي الخارطة العراقية، فصب جهوده على محافظة البصرة، ثغر العراق وكنزه الثمين، وقد تمكن بذلك من إيصال حزب الفضيلة الى منصب محافظ البصرة، فصار النفط يضخ أمواله الطائلة عليهم.. كان كنزاً مفتوحاً يخرج من أعماق الأرض، فيملأ خزائن حزب الفضيلة بأكداس الرزم المالية، تمر امام عيون الفقراء الجائعين في مدينة البصرة واقضيتها ونواحيها وقراها المنسية.

بحزب الفضيلة ودخوله الى العملية السياسية، حصل الشيخ اليعقوبي على حماية الكتل السياسية، فنظام المحاصصة والصفقات السياسية، تفرض على الشركاء أن يمنحوه لقب المرجع ويتعاملون معه على هذا الأساس وإن كانوا في مجالسهم يستخدمونها نكتة وسخرية. فما يريدونه هو التحالفات وليس الحقائق.

ولكي يفوز بالمكاسب العاجلة في أجواء العملية السياسية الرخوة، فان حزب الفضيلة اختط لنفسه مسار المساومات فكانت مقاعده واصواته معروضة للبيع في كل صفقة سياسية وفي كل تفاوض وفي كل أزمة. وكان الشيخ اليعقوبي وحزب الفضيلة قد تيقنوا بأن الأطراف السياسية لا يمكن ان تكشف الصفقات السرية، فما تحصل عليه يُسكتها سكوتاً مطبقاً، كما أن لا أحد من الكتل والقادة يفضح نفسه، أو يفضح جهة سياسية ينتظر مساوتها في أي يوم.

** ** **

لقد أدرك إسلاميو السلطة ـ وكل السياسيين الآخرين أيضا ـ أن المواطن العراقي لو عرف الحقيقة فأنه سيرفضهم جميعاً، سيواجههم بالسؤال ويطالبهم بالجواب العاجل عن قضايا الفساد. وعند ذاك تتكشف الحقائق، ويُخرجهم الناخب العراقي من صناديق الإقتراع الى سلة المهملات.

أدركوا ذلك، وعرفوا طبيعة المجتمع العراقي، فتستر بعضهم على بعض في الفساد والجرائم والصفقات، حتى لا تختل صورة القائد في ذهن أتباعه.

المهم أن حزب الفضيلة كان أول الكيانات السياسية التي اعتمدت طريق المساومة والابتزاز، وكانت المهمة سهلة مع الكيانات الأخرى التي استساغت الأسلوب ووجدته سهلاً مربحاً ومضمون النتائج.

** ** **

بعد تجارب اكثر من عشر سنوات، اكتشف الشعب العراقي، مآلات الخراب والفشل، ومستويات السرقة والفساد، واكتشف أن هذه الكيانات التي رفعت شعار الدين، سرقتهم باسم الدين، وكان شعار (باسم الدين باكونا الحرامية) التعبير الواعي الذي يمتلكه الشعب العراقي، وقدرته العالية على التمييز بين المتدين الحقيقي والإسلامي الأصيل، وبين الذي يتخذ الدين والإسلام شعاراً ودثاراً يخفي تحته أكوام الأموال الطائلة.

وكان المرجع الأعلى السيد السيستاني قد اكتشف ذلك في فترة مبكرة، حينما وجدهم أنهم كانوا ينهالون على منزله لتزكية انفسهم، فأغلق بابه ومنعهم من الدخول، في إشارة لا تقبل الشك بأنه رفضهم لما ألحقوه بالشعب والعراق.. أغلق الباب لأنه أراد أن يعلن أن إسلاميو السلطة لا علاقة لهم بالإسلام ولا التشيع، وهي لفتة حكيمة منه أراد منها تطهير الإسلام والمرجعية من عملية تشويه رأى بوادرها بالنظرة الثاقبة التي عُرف بها.

** ** **

بعد هذه التجربة، أدرك المواطن العراقي أن ظلامة الشهيد الصدر الأول والشهيد الصدر الثاني، وخطهما كان عنوان مرور لا أكثر، فلقد هجروا مدرستهما ونهجهما، وتمسكوا بما فازوا به من مكاسب وما غرقوا فيه من امتيازات.

إن ما كتبته يعرفه جيداً السادة: خضير الخزاعي وعادل عبد المهدي، وهمام حمودي، والدكتور حسين الشهرستاني، والشيخان المسعودي والكناني، وبهاء الأعرجي، وعلي الأديب، ونوري المالكي، وفالح الفياض وإبراهيم الجعفري، وحسن السنيد، وباقر جبر الزبيدي، وأسماء عديدة وشخصيات أخرى، لكنهم يكتمون شهاداتهم.

يكتمون ذلك، لأنهم يعرفون أن حزب الفضيلة لو انفضح أمره، فستنفضح أمور كياناتهم وأحزابهم، وان الشيخ اليعقوبي لو انكشف فستنكشف بقية القيادات. ولذلك فالحل الأمثل أن يلوذوا بالشعارات والخطابات والمواعظ.. لقد جربوا هذا الأسلوب ووجدوه ناجحاًّ، إنه درب السلطة الذي ترى على جانبيه رماد المبادئ والقيم ملقاة هنا وهناك.

يتبع

 

د. سليم الحسني

...................

للاطلاع على جميع مقالات: إسلاميو السلطة للدكتور سليم الحسني

http://almothaqaf.com/index.php/special/895570.html

....................

تنويه: للحصول على مقالات (إسلاميو السلطة) على الواتساب، يجب أن تقوم بحفظ الرقم التالي على جهازك الجوال (447990066520+)، هذا هو السبب الذي يمنعك من تلقي حلقات السلسلة، رغم انك تفضلت بارسال رقم جوالك من قبل.الرقم المذكور للإرسال. والكاتب يتلقى الرسائل والملاحظات على الفيسبوك.

 

في المثقف اليوم