شهادات ومذكرات

إسلاميو السلطة (91): السرّ الخفي وراء اختيار العبادي لرئاسة الوزراء

salim alhasaniكانت الإدارة الأميركية قد توصلت الى أن فكرة الإقليم السني غير مجدية، وأنها لن تكون فاعلة في التأثير على خارطة المنطقة، فالمطلوب هو حاجز جغرافي قوي يفصل التواصل الشيعي من ايران والعراق الى سوريا ولبنان. ولن يكون الإقليم هو الحاجز المطلوب إنما الدولة السنية.

وقد أدركت الولايات المتحدة أن الإقليم السني يحتاج الى مداولات ومسار دستوري يأخذ زمناً طويلاً، وحتى اذا تحقق ذلك فأن التعقيدات السياسية في العراق ستجعله ضعيفاً لا يمكن الركون اليه في تحقيق ما تريده من تقسيم جذري للمنطقة. وهذا ما جعلها ترفض فكرة الإقليم، وتتبنى فكرة الدولة السنية.

بدأت واشنطن بتهيئة الساحة الإقليمية لتقبل واقع الدولة السنية الممتدة بين سوريا والعراق. وكان ذلك يجري على العلن وبالمكشوف، لكن الإستغراق الشيعي في مشاكله الخاصة وفي همومه البسيطة حال دون اطلاع قادتهم على ما يجري. بينما كان قادة الكتل السنية على دراية كافية بهذا المخطط الدقيق، وقد شعروا بالامتنان من الإدارة الأميركية التي تعهدت لهم بتحقيق كيان على الأرض يخدمهم ويخدم الأكراد ويخدم الحكومات الإقليمية، ولا ننسى المحصلة النهائية وهي حصول إسرائيل على المكسب التاريخي الذي تنتظره في تفكيك المحور الشيعي (إيران ـ العراق ـ سوريا ـ حزب الله).

...

كان السيد مسعود البارزاني هو الوحيد من بين القادة السياسيين على إطلاع تام بما تريده الولايات المتحدة، وذلك بحكم علاقاته المفتوحة مع المسؤولين الأميركان، والأهم من ذلك علاقاته الخاصة مع إسرائيل، من خلال الزيارات المتبادلة والرسائل المستمرة بين أربيل وتل أبيب.

وقد حاول البارزاني استعجال الخطوات، والاعلان عن انفصال كردستان في دولة مستقلة، وهو ما عبّر عنه بالمفاجأة السارة الى الشعب الكردي بمناسبة التحضير لأعياد النوروز في آذار 2014، لكن الولايات المتحدة منعته من الإعلان عن خطوته، لعدم استكمال بعض الخطوات الضرورية، وكان أبرزها وأهمها إسقاط عدة محافظات بيد تنظيم داعش في عملية عسكرية واسعة تمتد على كل المناطق السنية من الحدود الإيرانية وحتى الحدود السورية، بمعنى أنها ستشمل احتلال محافظات ديالى ونينوى وصلاح الدين والانبار.

وفي تلك الأيام وتحديداً في 29 آذار 2014، زار الرئيس الأميركي السعودية وعقد سلسلة اجتماعات مع الملك عبد الله وكبار المسؤولين السعوديين، وقد رشح عن الزيارة أنها كانت الأهم وانها حددت مستقبل المنطقة فيما عُرف بـ (الحلف القوي)، وقد ظلت هذه التسمية موضع استفهام عدد من الخبراء، فقد رآها البعض انها تعني التحالف القوي بين السعودية والولايات المتحدة، فيما فسرها بعضهم الآخر على أنها تعني إشارة الى تغييرات مقبلة ستشهدها المنطقة، وان (الحلف القوي) هو العنوان المرن لمنظومة إقليمية تشترك في مخطط صادم ستشهده المنطقة.

...

تشددت تركيا في تلك الأيام في مطلبها بإقامة منطقة عازلة شمال سوريا، وكانت تريد بذلك اقتطاع شمال سوريا والتحكم فيها عسكريا، لتدعيم موقفها في التحول الجديد الذي سيشهده العراق. فقد كانت تركيا على معرفة تامة، بل وعلى تنسيق مباشر مع الولايات المتحدة حول المخطط القادم. حيث كانت المهمة التركية محددة في فتح المزيد من الحدود أمام عناصر تنظيم داعش، كما تم تكليف القنصل التركي في الموصل بالتنسيق مع الأكراد ومع محافظ نينوى (أثيل النجيفي) لتصعيد الأجواء الشعبية ضد القوات العراقية الموجودة في الموصل، وتهيئة الأجواء لاستقبال المدينة لمقاتلي داعش.

(إن هذه المعلومة التي أذكرها هنا هي مما ورد في لجنة التحقيق بسقوط الموصل، لكن تم التعتيم عليها بصفقة سياسية قوية بين رئيس اللجنة حاكم الزاملي ومجلس القضاء ورئيس إقليم كردستان وعدد من القيادات السنية).

...

كان المالكي في تلك الأيام أي آذار 2014، قد حصل على معلومات بهذا المخطط، ورصدت أجهزته الاستخبارية وصول مسلحي داعش وانتشارهم في مناطق من محافظة ديالى، فعقد اجتماعاً مع السيد هادي العامري رئيس منظمة بدر لمناقشة التطورات المتسارعة، وتم الاتفاق على تشكيل قوات شعبية (الحشد الشعبي) تتولى مهمة الدفاع عن محافظة ديالى من السقوط بيد داعش، وبالفعل استطاع العامري من تحشيد قوات الحشد الشعبي الى جانب مقاتلي منظمة بدر، وخوض معارك متفرقة في مناطق وقرى ديالى.

وفي نفس الوقت بعث المالكي بقوات إضافية لحماية سامراء من السقوط، وكانت مدعومة ايضاً بقوات الحشد الشعبي.

من الضروري الإشارة هنا، ان تسمية هذه القوات (الحشد الشعبي) لم تأخذ سمعتها في وسائل الإعلام، لكونها كانت تحت قيادة العامري مما جعلها تبدو وكأنها قوات بدر، كما كان قسماً منها تحت قيادة الشيخ الخزعلي فبدت وكأنها من قوات عصائب أهل الحق. ولم تأخذ هذه التسمية سمعتها وصفتها الرسمية إلا بعد صدور فتوى المرجعية في حزيران 2014.

...

وقع المالكي في خطأ كبير عندما أهمل الجانب الإعلامي، وأبقى الكثير من هذه التطورات طي الكتمان، وربما لجأ الى ذلك تحت ضغط المعركة الانتخابية التي جرت في نيسان 2014. ثم وقع في خطأ أكثر فداحة عندما أبقى الأمر بعد الانتخابات مخفياً عن المرجعية الدينية، وكان عليه أن يُطلعها على التفاصيل بحكم موقعها الديني ورعايتها العامة للأمة. فقد أهمل هذا الجانب متأثراً بأزمة العلاقة بينه وبين مكتب السيد السيستاني. وقد كان بإمكان المالكي أن يخرج على الشعب العراقي بخطاب يشرح فيه هذه التفاصيل ويصارح الشعب العراقي بما يجري.

...

في التاسع من حزيران كانت مجموعات من داعش قد دخلت الموصل، ودارت اشتباكات محدودة، وقد استطلع المالكي الأوضاع باتصالات هاتفية مع القيادات العسكرية، فكان الجواب يأتيه بأن الوضع مسيطر عليه، وكان للفريق الركن مهدي الغراوي قائد عمليات الموصل دوره في تضليل المالكي، فقد وعده بأن المعركة لو اندلعت فانها ستكون مقبرة داعش.

(وقد سبق أن أشرت في حلقة سابقة من هذه السلسلة، أن السفارة الأميركية لها علاقات خاصة مع كبار الضباط في الجيش العراقي، وانها تعهدت لهم بمنحهم إقامة دائمة في الولايات المتحدة، بعد انتهاء خدمتهم أو في حال تعرضهم لأي ظرف طارئ، بمعنى أن ولاءهم الحقيقي للقيادات والاوامر الأميركية)

كان المالكي قد بعث قائد القوات البرية الفريق أول ركن علي غيدان ونائب رئيس اركان الجيش الفريق أول ركن عبود كنبر لقيادة العمليات، وقد واجها الارباك في القطعات العسكرية، كما أنهما لم يتصرفا بالمسؤولية المطلوبة في مثل هذه الظروف.

...

في منتصف ليلة 9/10 حزيران 2014، وصلت الأوامر الصارمة من قبل مسعود البارزاني الى قائدي الفرقتين الثالثة والرابعة بالانسحاب من الموصل وصلاح الدين، وكانت الأوامر صارمة بحيث جرى تهديد قائديهما الكرديين (هدايت عبد الرحيم ونذير عاصم) بالقتل في حال تأخرهما بالانسحاب. وكان ذلك يعني تمهيد الطريق لدخول تنظيمات داعش، وإحداث إرباك شامل في القطعات العسكرية في الموصل وصلاح الدين.

وفي نفس الليلة أجرت القيادات الكردية اتصالاً مع بغداد تعرض على المالكي تدخل قوات البيشمركة لحماية الموصل، لكنه رفض ذلك.

اتصل الفريق أول ركن علي غيدان بالمالكي يسأله عن موقفه من عرض القيادة الكردية، فأجابه المالكي: كيف تثق بمسعود البارزاني، إنه يريد اقتطاع الموصل وضمها الى كردستان.

بعد سقوط الموصل بيومين، صرح رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني بأن قضية (كركوك) قد أصبحت من التاريخ وهي الآن جزء من كردستان.

...

تمت بذلك المرحلة الأولى من المشروع الأميركي في إقامة الدولة السنية، وبدأت المرحلة الثانية، بالبحث عن خليفة للمالكي، شريطة أن يكون ضعيفاً.

في الحلقة القادمة: العبادي أداة المشروع الأميركي في تفتيت العراق

 

د. سليم الحسني

...................

للاطلاع على جميع مقالات: إسلاميو السلطة للدكتور سليم الحسني

http://almothaqaf.com/index.php/special/895570.html

 

في المثقف اليوم