شهادات ومذكرات

عاطف العراقي.. مؤسس الاتجاه العقلي التنويري في الفلسفة العربية

محمود محمد عليعرفت الدكتور عاطف العراقي حين كان يُدرس لي بالسنة التمهيدية للماجستير سنة 1989 في مادة "مصادر الفلسفة الإسلامية" بكلية الآداب – جامعة القاهرة، وخلال المحاضرات الأولي له، أدركت بوعي أنني أمام شخصية متميزة لأستاذ أكاديمي، شخصية تختلف عن شخصيات كثيرين من الأساتذة غيره . شخصية تتوفر علي سمات ومقومات وأبعاد، تنتزع بذاتها الاحترام وتفرضه، وتستوجب التقدير وتثير الاعجاب، وتغرس في النفوس حباً تخامره رهبة، وأملاً يواكبه شعور عميق بالتفاؤل، وانتماء يصاحبه شعور بالزهو بالتلمذة علي يديه.

حتي إذا ما انتهي العام الدراسي للسنة التمهيدية، وجدت نفسي أعالج ميلاً جارفاً إلي التخصص في ” المنطق عند السهر وردي المقتول ” في الماجستير، فكشفت له عن رغبتي هذه وتحقيقها تحت إشرافه، فوافق علي الفور، وكثرت لقاءاتي به بعد ذلك في الرسالة والبحث.

وهنا اكتشفت بعداً آخر في شخصية الأستاذ، حيث اكتشفت أنه نعم الناصح والموجه والمرشد . لا يفرض توجهاً معيناً، ولا يستبد برأي، ولا يلزمك بوجهة نظر خاصة، وإنما يحاور ويناقش، ويوجه ويفتح أمامك أفاقاً جديدة، ويعرض آراءه وأفكاره ورؤاه، ويترك لك حرية الاختيار.

وإذا كنت احتفي في هذا المقال بأستاذي عاطف العرافي، فإنني أحتفي بقيمة عطائه، وثراء فكره، وعظمة مشواره، وغزارة إنتاجه، وتنوع اهتماماته، فقد كان رحمة الله ينادي بالأخذ بثقافة العصر بكل ما فيها من دعوة إلي الحرية والعقل، الحرية في العيش عيشة كريمة، والتعبير دون خوف من عوائق التفكير، ثم العقل بوصفه أساس الحضارة .

كان عاطف العراقي مفكراً من طراز ممتاز، حيث ترك لنا العديد من البصمات القوية  البارزة في مجال الفكر العربي بفروعه المختلفة واتجاهاته المتعددة، بل إننا نراه مهتما بمجالات فكرية أخري لا تقل عن اهتمامه بالفكر العربي الحديث، ومن بينها الأصالة والمعاصرة، والحداثة وما بعد الحداثة والعولمة ...الخ. وهذا إن دل علي شئ فإنما يدل علي أنه كان مفكراً موسوعياً، إذ تمكن من أن يجمع بين الأدب والفلسفة برباط وثيق، فكان مفكراً بروح أدبية، وكان أديباً من خلال روح فلسفية .

لقد درس أستاذنا الدكتور عاطف العراقي كثيراً من القضايا، وخاض المعارك الأدبية والفكرية من أجل رفعة العلم ومن أجل الدفاع عن النور والتنوير، والنظر في سخط إلي الظلام وثقافة الظلام، وهل يمكن أن ننسي معاركه حول الأفهام الخاطئة للغزو الثقافي والهجوم علي الحضارة الحديثة والخلط بين الجوانب العلمية والجوانب الإنسانية، والأصالة والمعاصرة، ومعركة العلمانية، ومعركة التطرف الديني ؟ كلا ... ثم كلا ... لقد شق عاطف العراقي طريقه وسط الأشواك الصخور، وتسلح بروح نقدية من النادر من نجدها عند آخرين . كما تسلح بروح تنويرية إذ كان يعتقد بأنه لا تنوير دون دراسة آراء الآخرين . لا تنوير إذا أغلقنا النوافذ والأبواب، بل لا بد من فتح النوافذ حتي نجد الهواء المتجدد، نجد الفكر الحر الطليق . نجد الحركة لا السكون . نجد النور لا الظلام.

كان عاطف العراقي قمة في التواضع، فرغم علمه الغزير ووقوفه علي هرم الفلسفة العربية في عصره، إلا أنه لم يزعم لنفسه أنه يعد فيلسوفاً في الوقت الذي كنا ومازلنا نسمع عن الصغار والأٌقزام ومتخلفي العقول والعياذ بالله، إنهم يعدون أنفسهم فلاسفة حين يكتبون .. إنهم يتحدثون عن مشروعات لهم وهي مشروعات لا تتصل بالفكر من قريب أو من بعيد، مشروعات وهمية زائفة خادعة . نعم .. لم يزعم عاطف العراقي لنفسه أنه يعد فيلسوفاً، بل إنه يتحدث بإكبار وإجلال واحترام عن أساتذته وزملائه .. أذكر أنه كان يتحدث أثناء لقائي به في منزله (بمدينة نصر) عن عديد من الشخصيات ويركز علي أن يبين لي أثرهم عليه، من أمثال : الأب جورج شحاته قنواتي، والدكتور أحمد فؤاد الأهواني، والدكتور زكي نجيب محمود .. الخ.

ولد عاطف العراقي في 15 نوفمبر 1935 فى محافظة الدقهلية، وحصل على ليسانس الفلسفة من كلية الآداب، جامعة القاهرة عام 1957، ثم على دبلوم كلية التربية، جامعة عين شمس، عام 1958، وبعد ذلك حصل على الماجستير في الفلسفة من كلية الآداب، جامعة القاهرة عام 1965، ثم علي الدكتوراه في الفلسفة من كلية الآداب جامعة القاهرة عام 1969.

وللدكتور عاطف العديد من المؤلفات، منها "النزعة العقلية فى فلسفة ابن رشد، وكتاب "المنهج النقدي فى فلسفة ابن رشد"، وكتاب "ابن رشد فيلسوفاً عربياً بروح غربية"، وكتاب الفلسفة الطبيعية عند ابن سينا، وكتاب مذاهب فلاسفة المشرق، وكتاب تجديد في المذاهب الفلسفية والكلامية، وكتاب ثورة العقل في الفلسفة العربية، الميتافيزيقا في الفلسفة ابن طفيل، المنهج النقدي فى فلسفة ابن رشد، وكتاب العقل التنويري في الفكر العربي المعاصر، وكتاب تحقيق كتاب الأصول والفروع لابن حزم"  وكتاب "محاضرات  في تاريخ العلوم عند العرب".

وفي الأربعاء الموافق 1/3/2012 غيب الموت المفكر العربي الدكتور عاطف العراقي أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية الآداب بجامعة القاهرة عن عمر يناهز الـ76 عامًا وقد واتته المنية خلال إلقائه محاضرة في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر بالقاهرة.

ويُذكر أن سيرة العراقي وإنجازاته فى مجال العلم والفلسفة جمعها المفكر والفيلسوف فؤاد زكريا فى كتاب بعنوان "عاطف العراقي.. فيلسوفاً عربياً ورائداً للاتجاه العقلي التنويرى"، رحم الله عالماً وفيلسوفاً نَذرَ حياته لصناعة الفكر وإثراء مكتبة العرب فى العصر الحديث بمؤلفات فكرية قيمة.

وقد تبني تبنى الدكتور عاطف العراقي طريقة محددة في قراءة المذاهب الفلسفية. وقد قدم طريقته هذه في كتابه الصادر عام 1973، بعنوان: "تجديد في المذاهب الفلسفية والكلامية"، حيث بين فيه طريقتين في تناول الأفكار والمذاهب الفلسفية: القراءة الأفقية: وهي تكتفي بالرواية والحكاية والعرض للأفكار والمذاهب الفلسفية، ثم القراءة الرأسية: وهي تعتمد النقد والتحليل وتنفذ إلى صميم الأفكار والمذاهب التي تتناولها دون أن تكتفي بعرضها، وقد دعا إلى اعتماد القراءة الرأسية، بدلاً من الأفقية. ويكتب عاطف العراقي قائلاً : "نشير إلى أن هذا النقد والتحليل نسميه فكراً رأسياً. ومن هنا كان الاقتصار على الرواية والحكاية يعد فكراً أفقياً. فإذا كان الفكر الأفقي يعد فكراً مسطحاً، فإن الفكر الرأسي يعد فكراً ينفذ إلى الصميم... ويستطرد فيقول :" غير مجد في يقيني واعتقادي هذا النوع من الدراسات التي يزعم لها أصحابها أنها دراسات فلسفية، في حين أنها تقوم على الرواية والحكاية ربما لغرض التسلية".

وفي كتابه "ثورة العقل في الفلسفة العربية"، أكد عاطف العراقي أن المقصود بالثورة هنا هي ثورة عقلية داخل الفلسفة. وهنا تترادف المصطلحات كما يلي: الثورة = العقل.. وذلك ضد اللاعقل والقول الغيبي والقول الخطابي والقول الشعري ؛ ثم الداخل = الفلسفة.. وذلك ضد الخارج أي ما هو خارج الفلسفة أي التصوف وعلم الكلام. ثم يحدد عاطف العراقي ما يسميه "الثورة من الخارج " كما يلي: " فقد نجد شكلاً من أشكالها يتبلور حول: نقد الفلسفة والهجوم على التفكير العقلاني ورفض الفلسفة اليونانية والمنطق الأرسطي". ويصف عاطف العراقي من يدعون إلى هذه الأشكال بأنهم "دخلاء على الفلسفة ولا يعتبرون فلاسفة من قريب أو بعيد". ثم يضع العراقي "المعتزلة" في حال وسط، بين الفلاسفة وبين الدخلاء على الفلسفة. فهو يصفهم بأنهم " قاموا بدوراً كبير وخلاق لأنهم لم يتخلوا عن العقل. لكن نقطة الخلاف بين عاطف العراقي وبينهم هي أن اتجاههم كان أساساً اتجاهاً كلامياً جدلياً لا يرقى إلى مستوى البرهان. فبضاعتهم هي بضاعة الجدل لا بضاعة البرهان. أما من يتفق معهم عاطف العراقي ويرى فيهم التمثيل الحقيقي للثورة من الداخل، فهم فلاسفة العرب. وأبرزهم ابن رشد، " لأن اتجاهه يقوم على البرهان واليقين، ويبتعد تماماً عن الجدل الكلامي الأشعري" . فهذا هو ما يقصده عاطف العراقي بالثورة العقلية من الداخل. وهو يصف هذا الأمر بأنه "دعوة إلى عمود الفلسفة"، وإلى إعلاء كلمة العقل فوق كل كلمة . ولذا فلا بد من عقد المقارنات والمفاضلات بين مختلف الاتجاهات الفكرية المتاحة في الثقافة العربية، ثم قياس مدى التزام كل منها بطريق العقل والبرهان.

وأما كتابه "العقل والتنوير في الفكر العربي المعاصر"، فيهتم عاطف العراقي  بدراسة كل القضايا والآراء والاتجاهات التي تدخل في إطار التنوير في الفكر العربي المعاصر، ونظرا لأنه لا يصح في دراسة الفكر العربي النظر إليه وكأنه مقطوع الصلة بدراسة الماضي، فقد بدأ عاطف العراقي  بدراسة آراء ابن رشد من خلال أهميتها في مجال التنوير في العصر الحديث، وذلك في فصل من فصول الكتاب، وبحيث أنتقل منه إلي دراسة قضايا واتجاهات التنوير في الفكر العربي المعاصر، كالثورة الفرنسية وتنوير الفكر العربي، والترجمة، والتقدم العلمي والأخلاق، وأسطورة الغزو الثقافي، والمستشرقون وحركة التنوير، والسلام بين الأديان، والنظرة الي الفنون، وقضية العلمانية، والرؤية المستقبلية للثقافة التنويرية، كل هذا من خلال منهج عقلاني دقيق تمسك به المؤلف في كل مؤلفاته وبحوثه ودراساته . وحلل عاطف العراقي من خلال منظور عقلاني نقدي آراء رفاعة الطهطاوي، والأفغاني، وعبد الرحمن الكواكبي، ومحمد عبده، ومحمد إقبال، ومصطفي عبد الرازق، وأحمد أمين، ومحمد حسين هيكل، ويوسف كرم، وأحمد لطفي السيد، وعباس العقاد، وأمين الخولي، وأحمد فؤاد الأهواني، وطه حسين، وعثمان امين، وتوفيق الحكيم، وبول غليونجي، وتوفيق الطويل، وعلي عبد الواحد وافي، ويوسف ادريس، والأب جورج قنواتي، وجمال حمدان، ومحمد عزيز الحبابي، وزكي نجيب محمود، ونجيب محفوظ . تحليل نقدي لآراء هؤلاء المفكرين سعياً وراء ثقافة النور والتنوير، ورفضا لثقافة الظلام . ودعوة إلي التمسك بالعقل، أشرف ما في الأنسان.

وقد حصل عاطف العراقي  على العديد من الجوائز والأوسمة منها "جائزة أحسن البحوث الجامعية من جامعة القاهرة عام 1972 م، وجائزة أحسن البحوث الجامعية من جامعة القاهرة عام 1973 م، وخطاب تقدير من البابا يوحنا بولس الثانى عن كتاب "يوسف كرم"، وخطاب تقدير من الرئيس زين العابدين بن على رئيس جمهورية تونس عن كتاب "ابن رشد" الكتاب التذكاري، وسام العلوم والفنون والآداب من الدرجة الأولى عام 1981م، وجائزة الدولة التشجيعية فى العلوم الاجتماعية من المجلس الأعلى للثقافة عام 1981م، وجائزة الدولة للتفوق في العلوم الاجتماعية من المجلس الأعلى للثقافة، عام 2000م".

وكان كان عاطف العراقي مولعاً بالفيلسوف العربي ابن رشد الذى قال عنه:" اهتمت أوروبا بأفكاره وطبقتها فتقدمت الي الأمام وأهمله أبناء أمتنا العربية . فرجعت الي الوراء لأنها ظلت محصورة في الفكر التقليدي ولم نكتف بهذا بل سخرنا منه حين أخذنا نتحدث عن قضايا وهمية زائفة كقضية الغزو الثقافي، والهجوم علي الحضارة الأوروبية وهو الذي فتح لنا الطريق أمام الفكر العلمي العقلاني الذي نحن في أمس الحاجة اليه الآن وبعد مضي أكثر من ثمانية قرون علي وفاته ولن نفيق من تلك الحالة إلا بدك أرض التقليد والضلال دكا لن نسلك طريق الصواب إلا إذا اعتقدنا بأن الخير كل الخير هو النظرة المنفتحة التي تقوم علي تقديس العقل بحيث نجعله معياراً وأساساً لحياتنا الفكرية والاجتماعية".

وعن نظريات ابن رشد الأساسية قال عاطف العراقي :" قدم ابن رشد العديد من الآراء والنظريات والأفكار التي مازالت صالحة حتي الآن بل نحن في أمس الحاجة اليها في يومنا هذا وما تراجع فكرنا العربي إلا بسبب ابتعاده عن أفكار ابن رشد، وفي يقيني أنها لو طبقت لتقدم العرب أكثر من أوروبا، ولكن نحن ظلمنا ابن رشد حياً وميتاً وأهملنا تلك الموسوعة المعرفية التي جمعتا الفقه والطب والفلسفة في قلب رجل واحد يقف علي قمة عصره من حيث الفكر النقدي، ولو كان العرب قد تمسكوا بهذا الفكر لأصبح الحال غير الحال، لأن الفكر النقدي، ولو كان العرب قد تمسكوا بهذا الفكر لأصبح الحال غير الحال لأن الفكر النقدي يحارب الخرافات والأفكار الخاطئة، وكان ينبغي علي العرب أن يفخروا بأن أمتهم أنجبت واحداً من أربعة فلاسفة علي مستوي العالم يقفون علي قمة عصورهم هم أرسطو في الفلسفة اليونانية وابن رشد في الأمة العربية، والقديس توما الأكويني في الفلسفة الغربية في العصور الوسطي، وأخيراً الفيلسوف الألماني "كانط" وجميعهم يعتمدون في أفكارهم علي التنوير، ومن المعروف أن النور يؤدي إلي الأمان والظلام يؤدي إلي الخوف والتراجع".

ولم يكتف عاطف العراقي، بل تبني مفهوم ابن رشد عن العقل والذي أورده في "تهافت التهافت" والذي قال فيه :" ليس العقل شيئا أكثر من إدراك الموجودات بأسبابها. فمن رفع الأسباب فقد رفع العقل. وصناعة المنطق تحدد أن هاهنا أسباباً ومسببات، وأن المعرفة بتلك المسببات لا تكون على التمام إلا بمعرفة أسبابها. ورفع هذه المسببات مبطل للعلم ورافع له، إذ يلزم ألا يكون ها هنا شيء معلوم أصلاً علماً حقيقياً، بل إن كان ثمة علم فهو علم مظنون. كما لا يكون ها هنا برهان ولا حدّ. وترتفع أصناف المحمولات الذاتية التي تأتلف منها البراهين. وبالتالي فإن من يذهب إلى عدم وجود أي علم ضروري، يلزمه أن لا يكون قوله هذا ضرورياً" .

وفي الدفاع عن السببية يكتب عاطف العراقي، في كتاب "الفيلسوف ابن رشد ومستقبل الثقافة العربية": "الواقع أن الدارس للفكر الفلسفي العربي يلاحظ أن المفكرين الذين يتجهون اتجاهاً عقلياً كابن رشد يقررون أن العلاقات بين الأسباب والمسببات تعد علاقات ضرورية، ولكن المفكرين الذين لا يعتمدون على العقل كالأشاعرة والغزالي يذهبون إلى أن العلاقات بين الأسباب والمسببات تعد علاقات غير ضرورية، بل ترجع إلى مجرد العادة. والله تعالى قادر على خرق العلاقات بين الأشياء، لأنه تعالى يؤثر في الأشياء بطريقة مباشرة، وإرادته مطلقة غير مقيدة بضروريات. فكل شيء ممكن بالنسبة له تعالى وكل حركة وكل تغيير مصدرها الله.

وانتقد عاطف العراقي في حوار سابق له مع الإعلامي أحمد المسلماني في برنامج "الطبعة الأولى" علي قناة دريم المصرية،  فيلم الفنان الراحل يوسف شاهين "المصير"، واعتبره أكبر إساءة للفيلسوف ابن رشد وتزويراً وإساءة لتاريخه، حيث صرح قائلاً:" الفيلم ليست له علاقة بابن رشد"، و" أن تجاوزاته لا حصر لها". وأضاف: "لا أريد أن أقوم بدعاية لعمل يوسف شاهين عبر مهاجمته، لكنّّني مضطرّ إلى التعبير عن وجهة نظري، كي لا أتّهم بالصمت!". كما أخذ العراقي على الفيلم، "التلاعب بالأحداث التاريخيّة، والتعميم وعدم الدقّة". فهو يذكّر مثلاً أن "حرق الكتب لم يشمل ابن رشد فقط". كما يلاحظ "أن الفيلم لم يُصوَّر في أماكنه التاريخيّة في أسبانيا. فيما خلط السيناريو بين الخليفة الأب الذي كان يؤمن بحريّة الفكر، والخليفة الابن المنصور الذي حدثت في عهده نكبة ابن رشد". ويضيف عاطف العراقي: "لم يذكر الفيلم ابن طفيل مع أن وجوده محوريّ في حياة ابن رشد. كما لم يذكر شيئاً عن العام الذي أمضاه في المنفى في بلدة اليسالة"...الخ.

رحم الله أستاذنا الدكتور عاطف العراقي كان شعلة من النشاط ؛ حيث كان لا يكل ولا يمل، لقد دخل تاريخنا الفكري والثقافي المعاصر من أوسع الأبواب وأرحبها لقد شق طريقه وسط الأشواك والصخور (كما أكد هو مراراً وتكراراً)، وترك لنا ثروة فلسفية غاية في العمق، ولن يستطيع مفكر أن يغفل أو يتغافل عن هذه الثروة التي تعد كنزاً فكرياً أبدعه عقل مفكر جبار، إبداع قلم يعلم تماماً أثر الكلمة المكتوبة وخطرها . نعم إنه يعد عظيماً من العظماء . عملاقاً، والعمالقة تبدد كلماتهم وأقوالهم ظلام الجهل سعيا إلي نور المعرفة، نور العقل، نور الضياء الذي يهدينا في حياتنا، وإذا اختلف البعض حول فكره وآرائه فإن هذا الاختلاف في حد ذاته يدلنا علي أن أفكاره تعد حية وليست أفكاراً ميتة، إن الأفكار الحية دون غيرها هي التي توجب الصراع حولها لأنها أفكار المسافة بينها وبين التقليد والمتابعة أكبر المسافة . إنه رائدنا ومفكرنا العظيم إنه عاطف العراقي الذي تعد كتاباته دعوة إلي التمسك بتيار العصر والحضارة تيار التجديد تيار العقلانية.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم