شهادات ومذكرات

في ذكرى جلال الماشطة (2-4)

ميثم الجنابيهو المَوتُ، فاخْتَرْ ما عَلا لكَ ذِكْرُهُ

فلم يَمُتِ الإنسانُ ما حَيِيَ الذِّكْرُ

جلال الماشطة والصحافة السياسية:

لقد تبلورت الشخصية الصحفية لجلال الماشطة في مجرى عقود من الزمن. ولازمها على الدوام اهتمامه السياسي بالتاريخ والمشاكل والقضايا الحية والحيوية. فهو من بين الرعيل العراقي لخمسينيات وستينيات القرن العشرين، أي مرحلة ما قبل وما بعد ثورة الرابع عشر من تموز العراقية عام 1958. ومن ثم تأثر بالضرورة بقوتها ووهجها الفعال والمتنوع في بلورة نفسية وذهنية الحرية والثورة. بمعنى انه كان نتاج الصعود العقلي والعقلاني والفكري التحرري، والكفاح ضد الرجعية والامبريالية والدعوة للاشتراكية والشيوعية، أي كل تلك الحالة الثورية والرومانسية والواقعية التي كانت تهز العالم في مختلف قاراته وبقاعه. تماما كما نرى مضادها في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين حتى نهايته بأثر انهيار أو فشل التجارب السياسية الوطنية والقومية والحداثة، بمعنى صعود مختلف التيارات والأحزاب والعقائد السلفية الدينية وما لازمها بالضرورة من انحطاط عقلي وهيمنة لا عقلانية وافتقاد شبه تام لمعاناة الهموم الاجتماعية والوطنية والقومية. وأفضلها لم يخرج عن اطار الدعوات الهائمة في سماء الالعاب اللاهوتية والعوم في أوهامها وأسقامها.

غير ان ذلك لا يعني، أن هذا الرعيل الذي ينتمي اليه جلال الماشطة قد تأثروا بمجريات الأحداث الثورية والفكرة الجمهورية لخمسينيات القرن العشرين فقط، بل وتمثلوا بتجاربهم الشخصية قيم البدائل الوطنية والقومية العربية. فإذا اخذنا بنظر الاعتبار ولادته عام 1944 في مدينة الحلة (بابل)، فإن رؤيته للأحداث السياسية ونوعيتها الاولية جرت وهو في الرابعة عشر من العمر، أي عندما كان صبيا. غير ان صبيان تلك المرحلة وما بعدها بقليل كانوا نتاج التاريخ الواقعي. لقد كان الكومبيوتر الوحيد عندهم آنذاك هو الحكايات والذكريات والكتب والمجلات والجرائد. وهذه كلها كانت موجودة في حياته العائلية. فجلال الماشطة، هو بمعنى ما وريث عمه الشهير الشيخ عبد الكريم بن عبد الرضا الماشطة (1881-1959)، الذي كان من علماء المسلمين الشيعة المجتهدين المتنورين، الذين جرى اتهامه بالشيوعية! وقد كان له اسهامات كبيرة وشهيرة في ميادين الفكر والثقافة والسياسية العراقية. وقد كان يوقع كتاباته باسم الشيخ عبد الكريم الحلي. اما لقب الماشطة فقد جرى اشتقاقه من اسلوبه في تدريس طلبة العلم. وهي تقاليد اسلامية ثقافية بحتة عندما يلصق بالشخصيات المؤثرة لقب من الالقاب. ولقب الماشطة اطلق عليه لأنه كما يقولون كان يمشط العقول وينورها ويحررها من الخرافات. ومن كتبه التي لعبت دورا حاسما فيما يبدو بانتماء جلال الماشطة نفسه للحركة الشيوعية هو كتاب (الشيوعية لا تتصادم مع الدين ولا مع القومية العربية). (طبع في الناصرية عام 1959 ، أي بعد الثورة). وقد واجه الشيخ الماشطة معارضة شديدة من رجال الدين المتحجرين وبالاخص على كتابه المذكور. كما اننا نرى فيه نقيضا لكثير من مرجعيات الدين الشيعة، وبالاخص عائلة محسن الحكيم، الذي كانت همومه بهذا الصدد تقوم في محاربة الشيوعيين انذاك والجمهورية الفتية والثورة.

وقد اورد جلال الماشطة نادرة عن عمه عندما كان معتقلاً في السراي ببغداد، حيث أفردت له غرفة فيها مروحة، وخصص له شرطي لمرافقته ومراقبته، وبعد أيام اقتحم مدير المركز الغرفة معاتباً الشيخ: تريد تجعل من شرطتنا شيوعيين؟ المقصود من وراء ذلك، هو ان للعائلة وتراثها وتقاليدها دورا جوهريا في بلورة الشخصية الباطنية والظاهرية للأفراد.

فقد اشار جلال الماشطة في احدى مداخلاته بمناسبة الاحتفاء بشخصية عمه الشيخ عبد الكريم الماشطة، الى انه كان يزور مدينة الحلة بعد انتقالهم الى بغداد، حيث كان يقضي العطلة الصيفية فيها، وكيف انه كان يقضي اياما في بيت عمه الشيخ عبد الكريم، وكيف كان يعامله، وكيف كان يختار له ما ينبغي قراءته من مجلات وكتب تناسب مداركه آنذاك. لاسيما وأن من آراء الشيخ ومواقفه هو ايمانه بأن النخب الفكرية والسياسية ينبغي أن تؤثر في المجتمع عبر التداخل والتفاعل معه.

انني لا اسعى من وراء ذلك للقول، بأن جلال الماشطة هو نسخة عن عمه، لكنه استمرار لها بمعايير أخرى استمدها من تجاربه الحياتية والثقافية والسياسية والعلمية (الدراسة) والعملية في ميدان الترجمة والعمل الصحفي بشكل خاص.

فالشخصية الأصيلة هي التي تتمثل تجارب وتاريخ الأسلاف الكبار. وهي الصفة التي جسدها جلال الماشطة في ابداعه الصحفي المتنوع، مع الاحتفاظ الباطني العميق بالانتماء للفكرة المدنية واليسارية والنزعة الانسانية. ونعثر على ذلك في النماذج التي اقدمها للقارئ، ممن لم تتوفر له فرصة الاطلاع على ما كتبه بهذا الصدد، بمعنى رؤية مواقفه من خلال تحليل الاشكاليات السياسية التي كان يتناولها عل مثال الواقع والأحداث الروسية.

***

ميثم الجنابي

....................

الطيف السياسي في روسيا المعاصرة

بقلم جلال الماشطة

المادة السادسة من الدستور السوفيتي التي تثبت الدور "القيادي" للحزب الشيوعي كانت رمزا وتجسيدا لحقبة دامت زهاء سبعة عقود وابتدأت عمليا بانهيار أول حكومة ائتلافية قامت بعد ثورة أكتوبر، وحل الجمعية التأسيسية (البرلمان) التي لم يكن للبلاشفة أغلبية فيها. و من عام 1918 لم يعرف الاتحاد السوفيتي تعددية حزبية بالمعنى المألوف، ولذا غدا إلغاء المادة السادسة في مؤتمر نواب الشعب عام 1990 إضفاء للشرعية على التنظيمات الحزبية والاجتماعية.

إلا أن حزب العمال الاشتراكي الديموقراطي الروسي الذي انفرد بالسلطة غير بمرور السنين اسمه وهيكليته وعناصر كثيرة من مقومات أيديولوجيته، ولم يعد حزبا بالمفهوم المتعارف عليه، بل غدا أداة سلطوية وهيكلا بيروقراطيا بل وسلما يعتمده الوصوليون للوثوب إلى الكراسي.

هذا لا يعني حكما بالإلغاء على التنظيم كله أو شطب تاريخه، بل أن هناك منطقا يحتم التحولات التي تطرأ على أي قوة منظمة أبان خروجها من شرنقة التنظيمات السرية إلى دهاليز السلطة، ابتداء من الثورة الفرنسية التي "أكلت أبناءها" وانتهاء بتنظيمات حزبية عربية لم يبق لها بعد توليها الحكم سوى الشعارات التي رفعتها في مرحلة التكوين أو أبان صراعها مع القوى الأخرى.

ورغم التمسك الشكلي بمقولات النظرية الماركسية فان الأيديولوجيا الشيوعية لم تكن المحرك الوحيد لسياسة الاتحاد السوفيتي دوليا أو لنشاطه الداخلي. فعلى الصعيد العالمي غالبا ما كانت موسكو "تتجاهل" مبادئ أساسية، كالتضامن الاممي، وتتحالف مع أنظمة معادية للشيوعية من اجل تحقيق مصالح الدولة. والخوض في هذه الإشكالية المعقدة يقتضي عودة إليها في أعداد قادمة من "رمال" إلا أن الإشارة إليها ضرورية لفهم طبيعة الكيانات الحزبية القائمة اليوم. فهي بمعنى ما إفراز وامتداد لـ "منابر" نشأت داخل الحزب الشيوعي وظهرت عبر صراعات في قمة هرم السلطة وكان الخاسر فيها يتهم دائما بأنه "منحرف" أو "منشق" أو "مرتد" بل إن تهمة "الخيانة" ألصقت بكثيرين من مؤسسي وقادة الحزب الذين جرت تصفيتهم في مراحل معينة.

وبعد تنحية نيكيتا خروشوف عن زعامة الحزب والدولة جرت أول محاولة جدية لخلق "قيادة جماعية" تكون مظلة لمنابر مختلفة تقدم طروحات متباينة في شأن الخروج من الدائرة المغلقة للاقتصاد المبرمج واعتماد عناصر الحفز المادي التي كانت تعد من المحرمات الرأسمالية. وكانت برامج الإصلاح الاقتصادي التي عرضها رئيس الوزراء اليكسي كوسيغين تسعى فعليا لإحداث ثغرة في الجدار، إلا أنها أخفقت بسبب تصادمها مع البيروقراطية الحزبية التي التمت حول الأمين الأول، آنذاك، ليونيد بريجنيف، وطمرت لاحقا بذور التجديد وعادت إلى فردية الشخص ووحدانية الحزب الخالي من التعدد المنبري. وأدى الانفتاح على العالم الخارجي، وخاصة توقيع ميثاق هلسنكي عام 1975 إلى هبوب رياح التغيير مجددا، والتسليم بإمكان تصارع آراء مختلفة داخل التنظيم الواحد ومن دون الخروج عن أطر محددة سلفا.

ومن المفارقات أن يوري اندروبوف الذي قاد لجنة أمن الدولة (كي.جي. بي) قبل توليه زعامة الحزب أطلق مبادرات هدفت إلى إحداث إصلاحات حقيقية تذكر في بعض مقوماتها بالتجربة الصينية، ومحورها الأساسي تغيير الاقتصاد كبداية وتمهيد لتحولات أيديولوجية وسياسية. إلا أن التجربة القصيرة أحبطت بوفاة اندروبوف بعد حكم دام سنة ونصف السنة، وتولى أثره السلطة قسطنطين تشيرنينكو الذي استفحلت في عهده الصراعات الداخلية في المكتب السياسي وهيأت وفاته تربة لبروز ميخائيل غورباتشوف الذي عمد إلى وضع أفكار اندروبوف رأسا على عقب فقرر الشروع بالتغيير السياسي من دون المساس بالهيكل الاقتصادي، مرتكبا بذلك الخطأ القاتل الذي أدى إلى تعطيل الإصلاح على المحورين وتدمير آليات الحكم والإدارة، بل أطاح لاحقا بغورباتشوف ذاته.

وفي النصف الثاني من الثمانينات بدأت المنابر تطفو من أعماق التنظيم الحزبي إلى السطح أخذت الصراعات تتفاقم داخل المكتب السياسي بين الجناح "المتشدد" بزعامة يغور ليغاتشوف والمجموعة الليبرالية التي قادها الكسندر ياكوفليف. ولم يفلح غورباتشوف في إمساك العصا من الوسط بل كان مترددا بين مراكز القوى يميل إلى واحدة تارة ويمايل الأخرى تارة ثانية.

بيد أن موافقته على إلغاء المادة السادسة، رغم المقاومة الضارية داخل المكتب السياسي واللجنة المركزية، أطلقت العنان لاستقطابات داخل الحزب وخارجه أسفرت عن قيام هياكل تنظيمية جديدة اتخذت في البداية شكل تجمعات داخل مؤتمر نواب الشعب، وكان أهمها "المجموعة الإقليمية" التي قادها ليبراليون يتزعمهم الأكاديمي اندريه ساخروف وانضم إليهم بوريس يلتسين الذي أمسى رمزا لحركة التمرد داخل الحزب الشيوعي. وبالضد من هؤلاء قاد ايفان بولوزكوف السكرتير الأول للحزب الشيوعي في روسيا الاتحادية آنذاك حركة مناوئة لليبراليين ولغورباتشوف على حد سواء، إلا أنها لم تتمكن من حشد قوى تجديدية بل استقطبت عناصر بيروقراطية كانت تخشى فقدان مواقعها واستغلت شعارات مقاومة الفوضى التي أحدثها الانفتاح كذريعة للتمسك بالكراسي وليس لوقف الانهيار فعلا.

وبأحداث صيف 1991 حسمت المعركة لصالح الفريق الأول ولكن الصدع اخذ يدب في صفوفه بعد الانتصار وانقسمت "المجموعة الإقليمية" إلى حركات وأحزاب متعددة اصطرعت على السلطة واقتسام الغنائم.

وبفعل عملية الخصخصة ظهرت بسرعة فئات من المالكين أخذت تشكل تنظيمات وأحزابا وشللا للدفاع عن مصالحها. إلا أن نظام الملكية الخاصة لم يمر بمراحل التكوين الطبيعية بل نشأ بفعل ارادوي قسري وجرى توزيع الثروات، أو بالأحرى نهبها، وفق قواعد شللية ـ نفعية ألغت احتمالات فرز الأحزاب وفقا لموقفها من الملكية أو بموجب عقائد ومبادئ واضحة. والى ذلك فان التغيرات السريعة كانت ترفع المعدمين إلى مصاف أصحاب الملايين تارة، وتسقط ذوي الدخل المتوسط إلى درك الإفلاس تارة أخرى، ما أدى إلى غياب الاستقرار في الهيكلية الحزبية وانتقال أفراد وفئات من تنظيم إلى آخر بدوافع الكسب أو الانتقام وليس بحافز المبادئ أو التضامن الاجتماعي ـ الطبقي.

أين كان الحزب الشيوعي من ذلك؟

حينما انهارت محاولة "لجنة الدولة لشؤون الطوارئ" الرامية إلى إقصاء غورباتشوف كان في الحزب الشيوعي 16 مليون عضو. وعندما داهم متظاهرون مناوئون لـ "لجنة الطوارئ" مبنى اللجنة المركزية يوم 21 آب (أغسطس) واضطر العاملون فيها إلى الهرب من أبواب خلفية، لم يتصد حتى عشرة أشخاص للدفاع عن مقر حزبهم. وكان ذلك برهانا آخر على أن الانتماء إلى التنظيم كان في حالات كثيرة لا يعني اعتناق أيديولوجيا محددة والسعي إلى تحقيق مبادئ، بل مسايرة للحزب الحاكم أو مناورة للوثوب إلى منصب أو التمتع بأفضلية ما.

إلى ذلك فان عامل الإحباط والحيرة إزاء التغيرات العاصفة أدى إلى انكفاء شرائح واسعة من أعضاء الحزب على أنفسهم إما بفعل البلبلة أو بهدف التريث انتظارا لما سيسفر عنه الصراع في القيادات إذ أن القواعد لم تكن مهيأة للتحرك بوازع داخلي، بعد أن قتلت لديها روح المبادرة.

ولم يفق شتات الحزب الشيوعي من الصدمة إلا بعد مضي فترة طويلة تمكن خلالها المنتصرون من تثبيت أقدامهم والسيطرة على جميع مواقع السلطة والإعلام، ومن ثم المال عبر عملية الخصخصة التي كانت في واقع الحال "توزيعا" للثروات على فئات محددة ومحددة سلفا.

بيد أن المهيمنين على مقاليد الحكم لم يفلحوا في تكوين تنظيم يلمهم بل أن حركة "روسيا الديموقراطية" التي صار لكثيرين من مؤسسيها دور فاعل في السلطة، أخذت تتصدع وتفرز عددا من الكتل والمحاور المتصارعة فيما بينها لكنها الموحدة في مواجهة العدو الذي لم يفق من سباته بعد.

التكوين الأولي

أدى انهيار الاتحاد السوفياتي والشروع في هدم هياكل الدولة داخل روسيا أواخر عام 1991، ومن ثم اتباع سياسة "العلاج بالصدمة" مطلع عام 1992 إلى تحولات بنيوية كبرى في المجتمع الروسي، تزامنت معها وترتبت عليها محاولات إنشاء تنظيمات سياسية واجتماعية تمثل مصالح الفئات المتكونة حديثا أو الشرائح التي تغير موقعها الاجتماعي. وبسبب التبدل في علاقات الملكية والموقف من الخصخصة غدت المحاور والتنظيمات أشبه بكثبان رملية سريعة الحركة والانهيار في آن. وعلى الجانب الآخر سعت القوى المناوئة لعملية الهدم إلى لملمة صفوفها على أسس جديدة، أو بالاعتماد على ركائز قديمة.

ولا تصلح المعايير المألوفة لتوصيف الاستقطابات الفكرية ـ التنظيمية في روسيا المعاصرة التي شهدت خلطا غريبا للمفاهيم والمصطلحات. فلا يمكن ، مثلا، أن ينطبق مفهوم "اليسار" على أحزاب تدعو إلى التمسك بالتقاليد المتوارثة ومن ضمنها القومية والدينية وإن كانت "تعجنها" بشعارات ذات توجه اجتماعي، كما تفعل تنظيمات كثيرة لها صفة شيوعية في روسيا. وعلى الجناح الآخر فان "اليمين" وخاصة جناحه الراديكالي يدعو إلى ويعمل على هز الركائز وإجراء تغييرات سريعة متميزا بذلك عن اليمين الأوروبي المحافظ في الغالب. ولغياب التقسيم الطبقي الواضح لم تعد تصلح المعايير الماركسية التقليدية لفهم طبيعة الهيكلية الحزبية في روسيا.

ولذا فان التسميات المعتمدة في هذا المقال تبقى اصطلاحية مستندة إلى الشائع المألوف لدى القارئ العربي. وليس من اليسير الحديث عن زهاء 100 ألف تنظيم مسجل لدى وزارة العدل الروسية منها قرابة خمسة آلاف حزب، إلا أن الغالبية الساحقة منها ظلت هياكل "ورقية" إما لأن بعضها أنشئ لأغراض عبثية على موجة الانفتاح والليبرالية، أو لان البعض الآخر يقام لأهداف تكتيكية محددة ويزول بزوالها، أو لكون تنظيمات معينة شكلت كستار لتغطية عمليات مالية مشبوهة. والحاصل إن الهياكل التنظيمية الفاعلة في الحياة السياسية لا تتجاوز العشرات ولتيسير التعرف عليها سوف نصطلح على فرزها في مجموعات كبرى وإن كانت الحدود فيما بينها عائمة وثمة حركة مكوكية بين الواحدة والأخرى. وبالتأكيد لن نتطرق إلى هياكل مثل "حزب عموم روسيا لسلامة الأسنان" أو "حزب حماة قوس قزح" رغم أن تنظيما مثل "حزب هواة البيرة" شارك في الانتخابات البرلمانية وحصل على مئات الآلاف من الأصوات وإن لم يعبر حاجز الخمسة في المئة المطلوب للتأهيل إلى الدوما.

اليسار

الخلاف على ارث الحزب الشيوعي بدأ بعد فترة قصيرة من حظر نشاط الحزب رسميا واستمر طوال 18 شهرا نظرت خلالها المحكمة الدستورية في شرعية القرار الذي أصدره الرئيس بوريس يلتسن بتعطيل الحزب ومصادرة مقراته. وبعدما قضت المحكمة بان الحزب الشيوعي في روسيا الاتحادية يحق له ممارسة نشاطه استكملت عملية التفرق والتوحيد داخل الحزب والتمت الغالبية حول المجموعة التي قادها غينادي زيوغانوف. وبعد المؤتمر الاستثنائي الذي انعقد في شباط (فبراير) عام 1993 تحت راية "الإحياء والتوحيد" غدا الحزب (وما برح حتى الآن) اكبر تنظيم في روسيا ويضم حاليا ما يربو على 550 ألف عضو وله فروع في 88 جمهورية ومقاطعة (لا يوجد له تنظيم في الشيشان). ورغم الحصار المالي والإعلامي والقانوني تبوأ الشيوعيون المركز الثاني في الانتخابات البرلمانية أواخر عام 1993 وصار لهم 45 نائبا في مجلس الدوما، وارتفع العدد إلى 157 في برلمان 1995.

إلا أن حزب زيوغانوف لم يفلح في احتواء جميع التنظيمات الشيوعية التي طعن بعضها في "شرعية" الحزب الشيوعي الروسي واتهمه بالتراجع عن مبادئ أساسية في النظرية الماركسية اللينينية والتخلي عن فكرة الثورة ودكتاتورية البروليتاريا ونظام الحزب الواحد.

واكبر التنظيمات المنافسة هو حزب العمال الشيوعي الروسي الذي قاده في البداية فيكتور انبيلوف لكنه ما لبث أن تعرض إلى انقسامات داخلية وتولدت عنه تنظيمات جديدة أبرزها في سانت بطرسبورغ بقيادة فيكتور تيولكين. ويقدر عدد أعضاء الحزب الأخير بـ 20 ألف عضو ومن أهم شعاراته العودة إلى التخطيط الاشتراكي وإلغاء الخصخصة وتعزيز نظام الكولخوزات والسوفخوزات واعادة بناء الدولة الموحدة.

وثمة تنظيمات شيوعية أخرى يمكن اعتبارها هامشية مثل اتحاد الأحزاب الشيوعية ـ الحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي بقيادة اوليغ شينين والذي يضم 22 تنظيما شيوعيا من الجمهوريات السوفياتية السابقة. والى ذلك نشأت هياكل زاوجت بين القومية والشيوعية مثل "الحزب البلشفي القومي" الذي أسسه الكاتب المعروف إدوارد ليمونوف. وينفي قادة الحزب اتهامات بالنازية مؤكدين إن تعبير "القومي" ينطبق على كل من يقر بانتمائه إلى تاريخ روسيا وثقافتها ولغتها، وإن لم يكن روسيا، ويشير في صورة خاصة إلى أن الروس والمسلمين "يجب أن يواجهوا الغرب سوية".

وثمة تنظيمات شيوعية برزت في المراحل الأولى ثم توارت مثل "الحزب الشيوعي السوفياتي البلشفي" بقيادة نينا اندرييفا التي كانت مقالتها "لا أريد التخلي عن المبادئ" قد اعتبرت في أواخر الثمانينات إشارة الانطلاق للقوى المناوئة لغورباتشوف.

ويقترب من الشيوعيين في طروحاتهم الاجتماعية الحزب الزراعي، وهو ثاني اكبر تنظيم في روسيا حاليا ويضم 300 ألف عضو ولكنه لم يتمكن من عبور حاجز الخمسة في المئة إثناء انتخابات 1995، واضطر إلى "استعارة" نواب من الحزب الشيوعي لتشكيل كتلة برلمانية.

ومن ابرز المعارك التي خاضها الحزب الزراعي مقاومته لقانون إطلاق بيع وشراء الأراضي الزراعية خوفا من "عودة الإقطاع" إلى روسيا في صورة جديدة. واصطف الزراعيون إلى جانب حلفائهم الشيوعيين في معالجة أهم ملفات الحياة السياسية بدءا من تشكيل الحكومات وانتهاء بالدعوة إلى حجب الثقة عن رئيس الدولة.

والى جوار هؤلاء تقف كتلة "سلطة الشعب" التي يقودها رئيس الوزراء السوفياتي السابق نيكولاي ريجكوف والتي لجأت إلى تقليد "الاستعارة" من الشيوعيين لتشكيل كتلة برلمانية هي الثالثة من الكتل اليسارية في مجلس الدوما. وبفعل غياب التجانس الكامل داخل الكتلة فإنها تتخذ موافق متمايزة أحيانا عن حلفائها، فهي اقل تشددا فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية والأيديولوجية "الطبقية" لكنها اكثر صرامة في مواقفها من إعادة بناء الدولة الموحدة واعتراضها على توقيع معاهدات تكرس الوضع القائم بعد تفكيك الاتحاد السوفياتي.

لئن كانت المجاميع الثلاث الآنفة الذكر ذات طابع تقليدي فان حركة "التراث الروحي" اعتمدت منطلقات جديدة تراعي الواقع الروسي الراهن. ويؤكد زعيم الحركة اليكسي بودبيريوزكين إن "قدرة الأمة تنبع من تراثها التاريخي" ولذا يدعو إلى خلق "أيديولوجيا وطنية تستند إلى القيم التاريخية والروحية والذهنية لروسيا والى المنجزات الثقافية والعلمية المعاصرة "وتفيد من القدرة المعنوية" للاشتراكية من دون أن يدعو إلى الاشتراكية ذاتها.

ويجدر التوقف قليلا عند هذه الحركة غير المعروفة على نطاق واسع إلا إنها تستمد أهميتها من كون زعيمها يعد واحدا من ابرز المستشارين لدى زيوغانوف ولعل الأخير يستخدم بودبيريوزكين كـ "بالون اختبار" لعملية تجديد الحزب الشيوعي وتغيير أيديولوجيته. فقائد "التراث الروحي" طرح نظرية "معارضة في النظام" بدلا من "معارضة النظام" مستندا إلى أن المجموعة الحاكمة لن تسلم السلطة عبر انتخابات ديموقراطية ولن تسمح لليسار بكسبها، ولذا فان المعارضة أمام خيارين: إما اللجوء إلى القوة وبالتالي زج البلد في حرب أهلية، أو "قضم" النظام تدريجيا من الداخل وليس إسقاطه، من دون استخدام أي شكل من أشكال العنف والقسر.

وفي واقع الحال صار "التراث الروحي" مختبرا لصنع منظومة فكرية جديدة نلمس الكثير من ملامحها في مؤلفات زيوغانوف التي أعلن فيها عمليا التخلي عن بنود تعد أساسية في الماركسية اللينينية مثل الصراع الطبقي والأممية البروليتارية ما قد يمهد لتحولات قادمة في الحركة الشيوعية ويهيئ لقيام تنظيم أو ائتلاف اشتراكي ـ ديموقراطي ذي توجه قومي ـ وطني.

بل إن هذا الائتلاف آخذ في التجسد عمليا عبر تشكيل "الاتحاد الشعبي الوطني" الذي يضم الكتل البرلمانية اليسارية الثلاث الممثلة في البرلمان والعديد من الأحزاب والتنظيمات اليسارية والقومية ويدعو إلى "سلطة الشعب وبناء دولة ديموقراطية قوية تسودها العدالة الاجتماعية".

القوميون

من المستبعد أن يحتوي "الاتحاد الشعبي" الأحزاب القومية المتعصبة مثل "المجمع القومي" الذي يقوده جنرال المخابرات السابق الكسندر ستيرليغوف. وهذا التنظيم شبه السري محدود العدد ولا يقدم بسهولة على عقد تحالفات بل انه يتهم أحزاب المعارضة بالضلوع في "تواطؤ" مع النظام. ورغم وجود تماثل في عدد من طروحاته مع أفكار اليسار وخاصة إعادة بناء الدولة السوفياتية، فان الشيوعيين لا يمكن أن يتحالفوا مع سياسي يرى إن ثورة أكتوبر كانت جزءا من "مؤامرة صهيونية ـ ماسونية" ضد روسيا.

والى يمين ستيرليغوف نشاهد تنظيمات مثل "باميات" (الذاكرة") السلافية الأرثوذكسية المناوئة لليهود والمطالبة بالعودة إلى الأصول القومية والدينية. وكانت هذه الحركة قد برزت في السنوات الأولى التي أعقبت البيريسترويكا، بيد أن انقسامات كثيرة أدت إلى تفككها وانسلاخ كتل وأفراد شكلوا تنظيمات متطرفة مثل "الوحدة القومية الروسية" التي يدعو زعيمها الكسندر باركاشوف إلى أن تكون "روسيا للروس" ويعتمد طروحات ورموزا تذكر في كثير من مقوماتها بعناصر الحركتين النازية والفاشية في ألمانيا وإيطاليا. ويدعي باركاشوف إن حركته تضم زهاء 200 ألف عضو إلا أن المحللين يعتبرون الرقم مبالغا فيه، ورغم ذلك فان تردي الأوضاع الاقتصادية وتفشي الإجرام وغياب السلطة وعوامل أخرى تشكل تربة خصبة لنمو "الوحدة" التي صارت بعبعا لتخويف رجل الشارع ومنعت تنظيماتها في موسكو. ومن خلال حركة "الوحدة القومية الروسية" يمكن أن نشخص اقتراب القوميين من مواقع اليمين وتداخلهم معه.

اليمين

تجسد هذا التداخل في الحزب الديموقراطي الليبرالي المعروف باسم حزب فلاديمير جيرينوفسكي وهو شخصية تثير تساؤلات وشكوكا سواء في طروحاته الفكرية أو سلوكه السياسي. فهو من جهة يدعو إلى إحياء الإمبراطورية الروسية ـ السوفياتية وامتدادها شرقا وجنوبا لكي تكون حدودها متاخمة للعراق والهند ويخوض "نزالات" كلامية ضد الإمبريالية إلا انه من جهة أخرى غدا حليفا لليمين الراديكالي في اللحظات الحاسمة من تاريخ روسيا المعاصر، ولعبت كتلته البرلمانية دورا مهما في إحباط عملية حجب الثقة عن بوريس يلتسن. وقد تمكن جيرينوفسكي من توظيف صورته كسياسي "شرس" إلى حد الصلافة ليستقطب القوى الرثة والهامشية مستفيدا في الوقت ذاته من دعم السلطة و"المكافآت" التي يحصل عليها لقاء مساندة مواقفها في البرلمان.

ولم يصبح جيرينوفسكي بعد جزءا من النخبة السلطوية التي استحوذت على مقاليد الحكم منذ بداية التسعينات وجسدت اليمين المهيمن على الدولة دون أن تكون له ركائز واسعة في المجتمع. ورغم أن يلتسن رمز لهذا التيار إلا انه لم يشكل حزبا ولم ينتم إلى تنظيم بعد انسحابه من الحزب الشيوعي بل كان يعقد تحالفات تكتيكية لعل أولها ائتلافه مع "روسيا الديموقراطية" التي جمعت فلول المنشقين في العهد السوفياتي وجعلت من العداء للشيوعية عنوانا أساسيا لها إلا إنها لم تفلح في صياغة شعارات للمرحلة الجديدة.

وعلى أكتافها ظهر "الخيار الديموقراطي لروسيا" الذي شكله يغور غايدار بعد إقصائه من رئاسة الحكومة وسعى إلى تحقيق الثورة عبر مواقع السلطة وطرح أفكارا تستند إلى التجربة الأميركية في بناء المجتمع والاقتصاد. وهذا التيار الذي قاد عملية "العلاج بالصدمة" تجاوز حتى مدرسة شيكاغو الليبرالية وطبق سياسة "مونيتارية" كانت السبب الأساسي لانهيار الاقتصاد.

وتكفي الإشارة إلى أن برنامج الخصخصة الذي أعده اناتولي تشوبايس أحد عرابي "الخيار الديموقراطي" كان ينص على أن يسيطر القطاع الخاص على 93 في المئة من اقتصاد روسيا، بينما لا تزيد النسبة في غالبية البلدان الرأسمالية على 65 ـ 70 في المئة.

ويعتمد عدد من الكتاب مصطلح "كومبرادورية" في حديثه على هذا التيار. ولكن ربما كانت الكلمة الادق هي "المؤقتون" وهذا تعبير شاع في روسيا في القرن الثامن عشر كناية عن الفئات التي كان القيصر الضعيف "يقتطع" لها ولايات وتستثمر الجاه والسلطة لإغراض النهب والانتفاع دون الالتفات إلى مصالح الدولة.

فمن الأهداف التي وضعها قادة "الخيار الديموقراطي" وطبقوا جزءا منها حينما تولوا السلطة عام 1992 إغلاق المؤسسات "غير الريعية" ما أدى إلى تعطيل مرافق حيوية تنفق عليها الدولة في كل مكان، ومنها الزراعة حيث أدى حجب الدعم الحكومي أو تقليصه إلى فقدان روسيا أمنها الغذائي بعد أن صارت تستورد اكثر من 50 في المئة من احتياجاتها الغذائية. ولو تسنى لـ "الخيار" تحقيق هدفه في إطلاق حرية بيع وشراء الأراضي الزراعية لأصبحت روسيا مكبلة بأغلال الاستيراد و"مستعمرة غذائية" تستهلك ما يفيض عن الإنتاج  في دول أخرى أو توفر هناك فرص عمل على حساب مواطنيها في الداخل.

وقد آثرنا أن نتوقف قليلا عند هذا التنظيم لأنه واحد من ابرز رموز اليمين ومنه تفرعت هياكل عديدة وخاصة بعد أن استبعد، جزئيا، عن السلطة وانهارت آماله في الهيمنة على البرلمان. ورغم التعبئة المالية الهائلة والدعم الإعلامي غير المشروط لم يتمكن "الخيار" من عبور حاجز الخمسة في المئة عام 1995 وكانت تلك هزيمة مريرة لليمين وادعى أقطابه إن سببها هو تشرذم القوى "الإصلاحية" ما دفعهم إلى تشكيل كتلة جديدة باسم "برافويه ديلو" التي يمكن أن تترجم إلى "قضية الحق" و"قضية اليمين" في آن. إلا أن التلاعب بالألفاظ لا يخفي إن اليمين الراديكالي في روسيا تراجع ليفسح مجالا لتكتلات اكثر اعتدالا.

يمين الوسط والوسط

تاريخ روسيا كان صراعا بين الأحزاب والكتل المتطرفة أو المغالية، يمينا ويسارا، فيما ظل الوسط مهمشا وغائبا في فترات كثيرة. وقد حاول غورباتشوف أن يملأ الفراغ، إلا أن عزله أجهض التجربة، وبدأت المجموعات غير اليسارية بعده مساعي للابتعاد عن التزمت اليميني المتمثل في "الخيار" تمهيدا لإنشاء كتل وسطية من أهمها "يابلوكو" التي رفعت شعارا هلاميا هو "الكرامة والنزاهة والعدل" ودعت إلى إنشاء "دولة قانون تعتمد اقتصاد السوق من دون فساد أو إجرام".

ويحظي زعيم الكتلة غريغوري يافلينسكي بمساندة شرائح من المثقفين وبدعم الفئات المتوسطة ولكن مشكلته الكبرى تتمثل في أن "الإصلاحات " الكارثية قسمت المجتمع عمليا إلى فقراء وأغنياء وغيبت الطبقة المتوسطة التي قدر عدد ممثليها بستة في المئة من مجموع السكان، لكنها عادت فانكمشت بعد الأزمة المالية الكبرى صيف عام 1998.

وتزعم محافظ موسكو يوري لوجكوف كتلة "الوطن" التي أراد لها أن تجمع فلول الأحزاب الاشتراكية الديموقراطية من جهة، والقوى النافرة عن اليمين الراديكالي من جهة أخرى. ولكن من الواضح إن هذا التجمع يهدف إلى تحقيق أغراض تكتيكية عشية الانتخابات البرلمانية والرئاسية ولن يتحول إلى حزب منظم ما لم يعتمد أيديولوجية واضحة المعالم.

التنظيمات المهنية

النقابات التي اعتبرها فلاديمير لينين "مدرسة للشيوعية" تحولت في العهد السوفياتي إلى هيكل بيروقراطي خامل الهدف منه احتواء أي محاولة للتململ ضد النظام القائم. وظلت هذه الصفة لصيقة بالنقابات  بعد انهيار الدولة السوفياتية، إذ أنها انتقلت بسرعة إلى خدمة النظام الجديد، ولم تصبح قوة فاعلة بذاتها، كما إن التنظيمات اليسارية فشلت في تجسير علاقات وثيقة مع النقابات.

وكانت الحركات العفوية التي قام بها عمال المناجم وقطاعات أخرى ناقوس خطر حذر القادة النقابيين التقليديين من أن سلطتهم آيلة إلى الانتهاء، فبدأ بعضهم الجمع بين العمل النقابي والسياسي، أسس اندريه ايسايف "اتحاد العمل" المتحالف مع كتلة "الوطن" إلا انه لم يتمكن من صوغ مواقف نقابية مهنية واضحة، والأرجح إن العمل النقابي ما برح أرضا بكرا تنتظر من يحرثها.

قد تلعب التنظيمات ذات الطابع "العسكري" دورا مهما في الحياة السياسية رغم أن القيمين عليها يعلنون أن دوافعهم مهنية. وكان من أوائل التنظيمات الكبرى "اخوة المقاتلين" التي أسسها قائد القوات السوفيتية في أفغانستان سابقا بوريس غروموف وضم إليها المشاركين في الحروب الإقليمية والنزاعات العسكرية المحلية ويقدر عدد المنتسبين إلى "الإخوة" بـ 70 ـ 100 ألف شخص. وبوسع هذا التنظيم أن يغدو قوة مؤثرة إلا أن غروموف حرص على إبعاده عن السياسة، وإن كان يعد "احتياطيا" للوجكوف.

وشكل اليسار تنظيما ذا أهداف سياسية واضحة هو "حركة دعم الجيش والصناعات الحربية والعلم العسكري" وإثر مقتل مؤسسها ورئيسها الأول الجنرال ليف روخلين ترأس "الحركة" النائبان الشيوعيان فيكتور ايليوخين والبرت ماكاشوف اللذان يصنفان على الجناح المتطرف في المعارضة اليسارية. ورفعت "الحركة" شعار "استنهاض الشعب للاحتجاج" وتعزيز القوات المسلحة وبناء دولة قوية، مما يجعلها وثيقة الصلة باليسار، إلا أن قادة الحزب الشيوعي يتخوفون من "راديكالية" هذا التنظيم ومن احتمال استغلاله  "كبعبع" لتخويف الناخب.

* * *

مؤسسات الأبحاث المختصة بإعداد قوائم بالأحزاب والتنظيمات العاملة في روسيا تضطر إلى إصدار طبعات جديدة مرة كل شهر. وبداهة إننا اقتصرنا على فرز "عينات" لاطلاع القارئ على صورة بانورامية للحركة السياسية المتجددة بسرعة. وقد نفترض أن عددا من الأحزاب والحركات المشار إليها سيؤول إلى الضمور وحتى التواري، وتظهر تنظيمات جديدة كإفراز لغياب الاستقرار عن روسيا.

***  

 

في المثقف اليوم