شهادات ومذكرات

يمني طريف الخولي.. رائدة فلسفة العلم النسوية

محمود محمد عليشكلت النضالات التي خاضتها المرأة من أجل الحرية والمساواة جزءً من جميع الحركات الاجتماعية التي تطلع إلي التغيير والعدالة الاجتماعية علي مر التاريخ . النسوية Feminism هي مجموعة من الحركات والايديولوجيات التي تسعي إلي ايجاد حالة من المساواة في الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية للمرأة، وهذه الحركة موزعة حول العالم ويوجد بعض الاختلافات فيما بينها اعتمادا علي الثقافة والمجتمع، والبعض يطلق علي هذا المصطلح كل حركة تدافع عن حقوق المرأة عبر التاريخ ويخص الآخرون هذا المصطلح بحركات القرن العشرين.

وتعد يمني طريف الخولي إحدى رائدات الفكر النسوي في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث صدر عام.. كتابها ذائع الصيت" النسوية وفلسفة العلم" علاوة لترجمتها لكتاب " أنثوية العلم- العلم من منظور الفلسفة النسوية ضمن سلسلة عالم المعرفة " الذي يعد علامة مميزة وقلة نوعية تركت بصماتها علي الفكر المعاصر في مصرنا الحبيبة، حيث تكمن أهمية الكتاب في النظر إلي قضية المرأة نظرة فلسفية وجودية، أي أصبح المرأة إشكالية فلسفية في حاجة إلي طرح فلسفي، فاستقت يمني الخولي الرؤية الفلسفية اللازمة لهذا الطرح من أعمال كثيرين من رائدات الفكر النسوي في أوربا وعلي {راسهم سيمون دي بوفوار؛ حيث سارت علي خطاها ومفاهيمها الوجودية عند طرحها لإشكالية المرأة .

ويمني الخولي من مواليد 31 أغسطس 1955 وقد حصلت علي الليسانس الممتازة بمرتبة الشرف من قسم الفلسفة، كلية الآداب، جامعة القاهرة، عام 1977، وحصلت علي درجة الماجستير في الفلسفة عن موضوع فلسفة العلوم عند كارل بوبر: نظرية في تمييز المعرفة العلمية، تحت إشراف أ. د. أميرة مطر، جامعة القاهرة، عام 1981، وحصلت علي دكتوراه بمرتبة الشرف الأولى عن موضوع مبدأ اللاحتمية في العلم المعاصر ومشكلة الحرية إشراف أ. د. أميرة مطر، جامعة القاهرة، عام 1985.

وقد تم تعيينها معيدة بقسم الفلسفة، كلية الآداب، جامعة القاهرة، عام 1977، ثم مدرسة مساعدة الفلسفة، كلية الآداب، جامعة القاهرة، عام 1981، ثم مدرسة الفلسفة، كلية الآداب، جامعة القاهرة، عام 1985، أستاذة مساعدة اعتبارًا من 23 أكتوبر 1991، ثم أستاذة اعتبارًا من 30 يوليو 1999، هي الأن أستاذ فلسفة العلوم المتفرغ بجامعة القاهرة.

وقد أسهمت في نشر الثقافة العلمية وأصول التفكير العلمي والعقلاني بالعشرات من المقالات والبرامج التلفزيونية والمحاضرات العامة، ولها الكثير من الكتب والبحوث العلمية ونذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر :

- العلم والاغتراب والحرية: مقال في فلسفة العلم من الحتمية إلى اللاحتمية، القاهرة، عام 2000.

- فلسفة كارل بوبر: منهج العلم، منطق العلم، القاهرة، عام 1989، ط2 2003.

- مشكلة العلوم الإنسانية، 1990، ط5 2002.

- الحرية الإنسانية والعلم: مشكلة فلسفية، 1990.

- الوجودية الدينية: دراسة في فلسفة باول تيليش، القاهرة، عام 1998، ط3 2007.

- الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى الحاضر، 1995، ط2 1998.

- بحوث في تاريخ العلوم عند العرب، 1998.

- الزمان في الفلسفة والعلم، 1999.

- أمين الخولي والأبعاد الفلسفية للتجديد، القاهرة، عام 2000.

- فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول الحصاد الآفاق المستقبلية، سلسلة عالم المعرفة، 2000.

- أسطورة الإطار: في دفاع عن العلم والعقلانية، تأليف: كارل بوبر، (ترجمة)، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، عام 2003.

- أنثوية العلم: العلم من منظور الفلسفة النسوية، تأليف: ليندا جين شيفرد، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 2004.

- الثورة العلمية من منظور معرفي، القاهرة، عام 2003.

- ركائز في فلسفة السياسة، 2008.

ويمني الخولي هي عضو لجنة التاريخ وفلسفة العلوم بأكاديمية البحث العلمي، وعضو مجلس إدارة الجمعية الفلسفية المصرية، وعضو الجمعية المصرية لتاريخ العلوم، وعضو مجلس إدارة مركز أبحاث وتطوير التمريض، وعضو لجنة الفلسفة بالمجلس الأعلى للثقافة.

وقد نالت يني الخولي عدة جوائز وميداليات وشهادات علمية نذكر منها :

- جائزة الشيخ مصطفى عبد الرازق من جامعة القاهرة، عام 1981

- جائزة الدكتور زكي نجيب محمود للتفوق العلمي عن رسالتي الماجستير والدكتوراه عامي 1985,1981

- جائزة مؤسسة عبد الحميد شومان للعلماء العرب الشبان في مجال العلوم الإنسانية، عام 1990

- شهادة تقدير من رئيس الجمهورية لأفضل كتاب صدر، عام 1999

- ميدالية كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية من جامعة الإمارات العربية المتحدة، عام 2002.

لقد كان كتاب النسوية وفلسفة العلم للدكتورة يمني الخولي بمثابة نص تعريفي لما آلت إليه الفلسفة النسوية في مرحلتها التطورية الثالثة والتي امتدت في الفترة ما بين أواخر السبعينيات وأواخر التسعينات من القرن الماضي المنصرم، فاصبح الكتاب فضلا عن أنه عمل نسوي، عملاً فلسفياً أيضاً، فقد شرعت يمني الخولي في كتابها وصف حالة المرأة بوجه عام والأوضاع الي آلت إليها بعد الأساطير التي روجها الرجل من خلال علوم الكونيات والعقائد والخرفات والايديولوجيات والآداب، فقد حاولت أن تبحث عن مكمن الداء فوجدت يكمن في أن الرجل يتم النظر إليه بوصفه ذاتا Subject، في حين يُنظر للمرأة علي أنها موضوع object أو آخر The other .

وقد صدر كتاب "النسوية وفلسفة العلم" ضمن سلسلة الهيئة العامة لفصول الثقافة "إصدارات خاصة"، ويقع في 148 صفحة. ويتكون الكتاب من مدخل و 16 فصلا، وقالت الدكتورة يمنى فى مقدمة الكتاب: "في مطالع ثمانينيات القرن العشرين ظهرت الابستمولوجيا وفلسفة العلم النسوية في الفكر الغربي وسارت قدما على مدار العقدين الأخيرين حتى قبل القرن الحادي والعشرون، وقد باتت من ملامح المشهد الفكري كتيار ذي معالم مميزة يمثل اضافة حقيقية لميدان فلسفة العلوم ونظريات المعرفة العلمية "الابستمولوجيا" والمنهج العلمي "الميثودولوجيا".

علاوة علي أن هذا الميدان في نظر يمني الخولي يشهد قضايا مستجدة، من قبيل قضايا فلسفة البيئة، وأخلاقيات العلم، وقيم الممارسة العلمية، وعلاقة العلم بالأبنية الحضارية، والمؤسسات الاجتماعية الأخرى، فضلاً عن علاقة العلم بالأشكال الثقافية المختلفة، واتخاذه أداة لقهر الثقافات والشعوب الأخرى.

وفلسفة العلم النسوية بمنطلقاتها المستجدة ورؤاها المغايرة، وموقفها النقدي الرافض التسليم بالوضع القائم، النازع إلي إلقاء الضوء علي مثالبه وتصوراته وحيوداته والهادف إلي تعديله وتطويره ... هي التيار الأكثر توشجاً بتلك القضايا والنضر عطاءً لها.

كما كان العلم الحديث كما تقول يمني الخولي أكثر من سواه تجسيدا للقيم الذكورية، أحادي الجانب باقتصاره عليها واستبعاده لكل ما هو أنثوي، فانطلق بروح الهيمنة والسيطرة علي الطبيعة وتسخيرها واستغلالها مما تمخض عن الكارثة البيئية، واستغلال قوي العلم المعرفية والتكنولوجية في قهر الثقافات والشعوب الأخرى، وجاءت العولمة لتنذر بعالم يفقد تعدديته وثراء خصوبته .

وتأتي فلسفة العلم النسوية كما تؤكد يمني الخولي لترفض التفسير الذكوري الوحيد المطروح للعلم بنواتجه السلبية، وتحاول إبراز وتفعيل جوانب ومجالات وقيم مختلفة خاصة بالأنثى، جري تهميشها وإنكارها والحط من شأنها بحكم السيطرة الذكورية، في حين أنها يجب أن يُفسح لها المجال وتقوم بدور أكبر لإحداث توازن منشود في مسار الحضارة والفكر.

وتستطرد يمني الخولي حديثها فتقول :" وكبديل عن الأبستمولوجيا التي تقطع علاقتها بالميتافيزيقا وبالقيم التي تكون علمية علي الأصالة، تريد الابستمولوجيا العملية النسوية أن تكون تحريرية، تمد علاقة بين المعرفة والوجود والقيمة، بين الابستمولوجيا والميتافيزيقا، لتكشف عن الشكل العادل لوجودنا في العالم، وتري العلم علما بقدر ما هو محمل بالقيم والهداف الاجتماعية، ولا بد أن يكون ديمقراطيا يقبل التعددية الثقافية والاعتراف بالآخر . إنه الانفتاح علي الطبيعة والعالم بتصورات أنثوية تداوي أحادية الجانب، لا تنفي الميثودولوجيا العلمية السائدة أو تريد أن تحل محلها، بل فقط أن تتكامل معها من أجل التوازن المنشود، فالنسوية ضد الاستقطابية والمركزية .

وهكذا تحاول الفلسفة النسوية في نظر يمني الخولي أن تضيف إلي العلم قيماً أنكرها، فتجعله أكثر إبداعية وإنتاجاً، وتجعل فلسفة العلم ذاتها تطبيقية بالواقع الحي النابض، بحيث يمكن القول كما تقول يمني الخولي بأن فلسفة العلم التقليدية المنحصرة في منطقه ومنهجه جميعها تُبلور إيجابيات العلم وتستفيد منها، أما الفلسفة النسوية فهي تحاول أن تضيف إلي العلم ما ينقصه ويجعله أفضل.

لقد كان ظهور الابستمولوجيا وفلسفة العلم النسوية تمثل في نظر يمني الخولي تطورا ملحوظا للفلسفة النسوية عموما التي ظهرت في العقود الأخيرة، وتقوم بشكل أساسي من اجل رفض المركزية الذكورية ورفض مطابقة الخبرة الإنسانية بالخبرة الذكورية، واعتبار الرجل الصانع الوحيد للعقل والعلم والفلسفة والتاريخ والحضارة جميعاً، وتُجِد لإبراز الجانب الأخرى للوجود البشري وللتجربة الإنسانية الذي طال قمعه وكبته . وفي هذا تعمل الفلسفة النسوية بسائر فروعها علي خلخلة التصنيفات القاطعة للبشر إلي ذكورية وأنثوية بما تنطوي عليه من بنية تراتبية هرمية (هيراركية) سادت لتعني وجود الأعلى والأدنى، المركز والأطراف، السيد والخاضع . امتدت في الحضارة الغربية من الأسرة إلي الدولة إلي الإنسانية جمعاء، فكانت أعلي صورها في الأشكال الاستعمارية والإمبريالية، والظلم الذي ستراه في معالجة أرسطو للنساء والعبيد هو عينه الظلم في معالجة شعوب العالم النامي، إنه تصنيف البشر والكيل بمكيالين، وتعمل الفلسفة النسوية علي فضح كل هياكل الهيمنة وأشكال الظلم والقهر والقمع، وتفكيك النماذج والممارسات الاستبدادية، وإعادة الاعتبار للآخر المهمش والمقهور، والعمل علي صياغة الهوية وجوهرية الاختلاف، والبحث عن عملية من التطور والارتقاء المتناغم الذي يقلب ما هو مألوف ويؤدي إلي الأكثر توازناً وعدلاً، أمعنت الفلسفة النسوية في تحليلاتها النقدية للبنية الذكورية التراتبية، وتوغلت في استجواب قسمتها غير العادلة، وراحت تكسر الصمت وتخترق أجواء المسكوت عنه، حتي قيل أنها تولدت عن عملية إعطاء أسماء لمشكلات لا اسم لها وعنونة مقولات لا عناوين له، ولئن كان ظهور الفلسفة النسوية إنجازاً لافتاً للحركة النسوية، فإن امتدادها إلي مجال الابستمولوجيا وفلسفة العلم ضربة استراتيجية حقاً، أحرزت أكثر من سواها أهدافاً للحركة وللفكر النسوي، وجعلت الفلسفة النسوية استجابة واعية أكثر عمقاً للموقف الحضاري الراهن.

وبهذه النزعة النقدية المتقدة للوضع القائم في الحضارة الغربية ولمنطلقات التنوير والحداثة، تندرج الفلسفة النسوية في نظر يمني الخولي في إطار ما بعد الحداثة وما بعد الاستعمارية اللذين يستقطبان أقوي التيارات النقدية للحضارة الغربية.

وثمة أخري مهمة تؤكد عليها يمني الخولي في هذا الكتاب وهي النِّسوِيةُ قامت أصلًا كَي لا تَظلَّ المَرأةُ «آخَرَ» بالنِّسبةِ للرَّجُل، وسَارتْ قُدُمًا فِي هَذا الطَّريقِ حتَّى وصَلتْ لفَلسَفةِ العِلمِ الشَّاملةِ لأبْعادٍ حَضارِيةٍ عَمِيقةٍ مُترامِيةِ الآفَاق. باقٍ ألَّا تَظلَّ فَلسَفةُ العِلمِ النِّسوِيةُ اتِّجاهًا «آخَر»، فَتنسابَ بقِيَمِها الدَّافِئةِ الحَميمَةِ النَّبِيلةِ في قَلبِ العِلمِ وَفَلسَفتِه ومُمارَساتِه وتَوظِيفاتِه وعَلاقَاتِه عَلى السَّواء.»

وكانَتِ المَرأةُ في نظر جُزءًا أصِيلًا مِنَ المُجتمعِ مُنذُ فَجرِ الإنْسانِيَّة؛ فَقدِ اضْطلعَتْ بدَورِها فِي جَمعِ الثِّمارِ والدِّفاعِ عَن وُجُودِها، ولمْ تَتخلَّ عَن هَذا الدَّورِ حِينَما بَدأَ الإنْسانُ تَمدُّنَه، فاعتلَتِ النِّظَامَ الاجتِماعِيَّ والسِّياسِيَّ وتَولَّتْ مَسئُولِياتِ العَرشِ في عِدَّةِ حَضارَات، كمِصرَ وبِلادِ الرَّافِدَينِ والإِغرِيق. وارتَقتْ أيضًا لِما هُو أَعلَى مِن ذَلِك؛ فَكَانَت إِلهةً تُعبَدُ فِي أَكثرِ الحَضارَاتِ تَمدُّنًا. غَيرَ أنَّ هَذا التَّوازُنَ بَينَ الرَّجلِ والمَرأةِ لمْ يَستمِر؛ فَقدْ سَيطرَتِ الذُّكورِيةُ عَلى المُجتمَع، ولمْ تَعرِفِ الإنْسانِيةُ مَرحَلةً سَيطرَ عَليها الفِكرُ الذُّكورِيُّ والنِّظامُ الأَبويُّ مِثلَما عَرَفتْه قُبَيلَ القَرنِ التَّاسِعَ عَشَر؛ حَيثُ سادَ العَصرُ الذُّكورِيُّ بِتأوِيلاتِه للعِلمِ والفَلسَفةِ والكَونِ وشَتَّى مَنَاحِي الحَياة. لَكنَّ المَرأةَ انتَفضتْ بَعدَما خَضعَتْ لقُيودِ العَصرِ الأَبويِّ لتَبدأَ مَسِيرةُ العَصرِ الأُموميِّ الَّذِي خَرجَ مِن بَوتَقةِ كَونِه حَركةً اجتِماعِيةً وسِياسِيةً ليُصبحَ حَركةً فَلسفِيةً تُنادِي بِنَظرةٍ نِسوِيةٍ للعِلمِ والمَعرِفة، لتُضِيفَ بُعدًا جَديدًا تَسودُه التَّعدُّدِيةُ وقَبولُ الآخَر، كَمَا تَرتَبطُ تِلكَ النَّظرةُ النِّسوِيةُ لِفلسَفةِ العِلمِ بِالواقعِ وتَكشِفُ السِّتارَ عَنِ المَسكُوتِ عَنْه.

وفي نهاية حديثنا عن الأستاذة الدكتورة يمني طريف الخولي لا أملك إلا أن أقول تحية طيبة للأستاذة الفاضلة التي كانت وما تزال تمثل لنا نموذجا فذا للمفكر الموسوعي الذي يعرف كيف يتعامل مع العالم المحيط به ويسايره في تطوره، وهذا النموذج هو ما نفتقده بشدة في هذه الأيام التي يحاول الكثيرون فيها أن يثبتوا إخلاصهم لوطنهم بالانغلاق والتزمت وكراهية الحياة، وإغماض العين عن كل ما في العالم من تنوع وتعدد وثراء.

وتحيةً أخري لامرأة لم تستهوها السلطة، ولم يجذبها النفوذ ولكنها آثرت أن تكون صدى أميناً لضمير وطني يقظ وشعور إنساني رفيع وسوف تبقى نموذجاً لمن يريد أن يدخل التاريخ من بوابة واسعة متفرداً.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم