شهادات ومذكرات

عبد العال الحمامصى رائد الأدب الروائي والقصة القصيرة (2)

محمود محمد علينعود ونكمل حديثنا عن انجازات عبد العال الحمامصي في مجال الأدب الروائي والقصة القصيرة، وهنا نقول بأن هذا الرجل كان من طراز خاص، ذلك لأنه مارس الرواية مقترنة بالقصة في كل أعماله الأدبية، وهذا إن دل علي شئ فإنما يدل دلالة قوية علي مدي سعة تفكيره، واتساع أفقه النظري والتطبيقي، فأنظر كيف يجمع الرجل ما بين الأدب، والقصة، والشعر، والمسرح، وما بين الفكر والتجريد، وبهذا الاعتبار قلما نجد في بعض نصوصه ومكتوباته حديث العاطفة والوجدان، وهو في جوف مواكبة الواقع مستجداته .

ومن هنا يبرز لنا الثابت الثاني الذي يكشف لنا بجلاء البعد الأدبي والإبداعي في شخصية عبد العال الحمامصي، والمتجسد في علاقته بالآخرين؛ حيث قال عنه الكاتب مصطفى عبد الله :" إن الأديب الراحل عبد العال الحمامصي كان قد تقلب فى عدة وظائف وكتب فى الصحافة كهاو، إلى أن كلف الرئيس الراحل أنور السادات الكاتب أنيس منصور بإنشاء مجلة "أكتوبر"، فكان عبد العال الحمامصى مشرفاً فنياً على صفحتها الثقافية، وكان من الشهرة فى بلده أخميم بالقدر الذي تقام له احتفالية سنوية باسمه تحت رعاية محافظة سوهاج للاحتفاء به كابن من أبناء الصعيد المتميزين.. وكان الراحل من الشهرة في بلده أخميم بالقدر الذي تقام له احتفالية سنوية باسمه تحت رعاية محافظة سوهاج للاحتفاء به كابن من أبناء الصعيد المتميزين."

وقال عنه الشاعر أوفي عبد الله (سكرتير اتحاد كتاب مصر - فرع الجنوب)، بأن عبد العال الحمامصي يمثل قيمة كبري من تلك القيم التي نحتفي بها.. فالحديث عنه متنوع ؛ خاصة أنه رجل عصامي استطاع أن يعلم نفسه بنفسه، معتمداً علي ذكاء فطرته، ومعتمداً علي ثقافته الخاصة، وهو الذي احتمي بالكتاب قراءةً ووعياً وتثقيفاً .

ثم يستطرد فيقول :" نشأ عبد العال الحمامصي نشأة عادية في أخميم، وله فيها ذكريات كثيرة، فهو ذلك الذي استطاع أن يقدم للمكتبة العربية العديد والعديد من الكتب الأدبية، منها الروائي ومنها النقدي ومنها ما يمكن أن نسميه بالسيرة الذاتية .. عبد العال الحمامصي الذي علم نفسه بنفسه استطاع أن يحفر بنفسه اسماً كبيراً في مجال الإبداع، واستطاع أن يتبوأ مناصب كثيرة في مصر ثقافياً .. وهذه المناصب الذي تبوأها حقق فيها نجاحات شهد له فيها الجميع .. هو ابن أخميم، ولقد فاز بجائزة الدولة التشجيعية في أوائل تسعينيات القرن الماضي، فاحتفت به سوهاج، وكان هذا الاحتفاء ليس باسمه ولا لشخصه، ولكن احتفاءً للقيمة الأدبية، ولذلك جاء احتفاءه، وقد امتلأت الأماكن وامتلأت الأسماء في سوهاج احتفالاً فزارها عدد كبير من رموز الحركة الأدبية في مصر، واستقبل أبناء سوهاج ابنها استقبالاً حافلاً ما زالت ذاكرته قوية وما زالت ذاكرته تطل بعيونه علينا .. عبد العال الحمامصي الأديب والمبدع حينما نتحدث عنه من خلال ما كتب نجد أنه رسخ مجموعة من القيم الاجتماعية التي نشأ عليها فهو يتبني دائماً الوحدة الوطنية ليس هذا المبدأ الذي يتبناه بين المسلمين والمسيحيين ليس إنشائياً، وليس لمجرد أن يقول شعارات فترضي عنه الدولة، وإنما كان من خلال إطارا إبداعي سردي قصصي يُحسب له، وهو الذي رأي قدره بلغة انسيابية رائعة لا تميل إلي تلك اللغة التراثية التي تحتاج إلي معاجم لكي نفهم دلالاتها ولا تنحط إلي درجة العامية فنشكو منها .. عبد العال الحمامصي بلغته البسيطة استطاع أن يصور الإنسان الصعيدي وصراعه مع العمل، ومع الحياة ومع تلك الأرض القاسة التي تقسو عليه .. ثم هذا هو عبد العال الحمامصي الذي يقدم مجموعته القصصية الشهيرة : هذا الصوت وآخرون والتي كُتب لها أن تنال الكثير والكثير من الاهتمام .. هذا الرجل كتب في هذا الصوت وآخرون، التي كتب لها أن تنال الكثير والكثير من الاهتمام .. هذا الرجل كتب رؤية نقدية للمجتمع المصري ولم يكتبها إلا بأسلوب يجمع بين المباشرة وبين الفنية، فلا هو سيطرة عليه المباشرة في الرؤية التي تجعلنا نمل القراءة ولا هي موغلة في دلالاتها أيضا .. وعلي سبيل المثال هو حذرنا من الإرهاب والتطرف الفكري في أعماله الأدبية .. حذرنا من التفرقة بين المسلمين والمسيحيين .. حذرنا من التلوث السمعي من خلال استماع الأغاني الهابطة التي لا قيمة لها ولا معني .. إذن أنت أمام قيمة كبري ..

وقال عنه الناقد الأدبي: عبد الحافظ بخيت (أمين عام مؤتمر أدباء مصر) .. في الحديث حول المرحوم عبد العال الحمامصي، أو أن أشير إلي أن عبد العال الحمامصي اختط لنفسه لغة فريدة في كتابة القصة ومنهجاً لم يسبقه إليه أحد في مجموعته كتاكيت بلا أجنحة كان لعبد العال الحمامصي رؤية تجمع بين الصعيد وبين الكون؛ بمعني أنه ينطلق من بيئته المحلية راسماً أطراً فنية في الإبداع القصصي حول اختزال الكون، وصنع مفارقة عجيبة بهذه المجموعة، وهو أن التراث عنده كان يصطدم بالحوائط الأسمنتية .. لذا قدم عبد العال الحمامصي رؤية فنية داخل ابداعه القصصي .. تطور فن الإبداع القصصي عند عبد العال الحمامصي منذ "كتاكيت بلا أجنحة" إلي "بئر الأحباش"، فكانت بئر الأحباش تقدم رؤية فلسفية مع التغير الديناميكي، إذا جاز التعبير للواقع والمجتمع، وهذا يعني أن عبد العال الحمامصي كان أديب يقرأ الواقع والمجتمع، وهذا يعني أنه أديب كان يقرأ الواقع قبل أن يكتب عنه وهو رصن جيد لهذا الواقع وتحولاته، وهذا هو الدور الحقيقي للإبداع فالإبداع إذا لم يكن راصداً للواقع وتحولاته يقدم عملاً مجانيا، وهذا يشير إلي وعي الحمامصي في كتابة القصة، فضلاً عن دوره الإداري إذا جاز التعبير فهو واحداً من الذين نظروا الحركة الثقافية في مصر كلها، وهو واحداً من الذين تبوأوا مجالس إدارات المؤسسات المختلفة والمختصة فكان عضو مجلي إدارة القصة، وعضو مجلس إدارة اتحاد الكتاب، وكان عضواً غير عادي، فكان عضواً فاعلاً في تطوير آليات العمل الثقافي من خلال العمل النقابي، وكان أيضاً ممتنياً بكل ما يملك لصعيد مصر وللجنوب، لأنه كان يؤمن بأن الصعيد قد وقع عليه غبناً فكان عبد العال الحمامصي يعوض هذا الغبن من خلال اكتشاف المواهب، ومن خلال كسر هذا الحاجز بين الجنوب والشمال؛ حيث يكون للجنوب وجود من خلال المؤتمرات الأدبية والمؤسسات النقابية .. لذا يظل عبد العال الحمامصي مرتبطاً بسوهاج في أنه كان بؤرة كانت تشع تقديم الأدباء من سوهاج ومن الجنوب،وأيضاً للانتقال بالحركة الأدبية إلي مصر كلها ..

أما الشاعر جميل عبد الرحمن (رئيس نادي الأدب المركزي بسوهاج)، فقد قال عنه : الأستاذ عبد العال الحمامصي شاعراً من الجوقة العازفة من شعراء محافظة سوهاج .. أتحدث عن قيمة وقامة تتمثل في الأديب الكبير الراحل الأستاذ عبد العال الحمامصي، هذا الرجل الإخميمي الأصيل الذي ولد في أخميم عام 1932م، ثم في بواكر صباه إرتحل إلي القاهرة بحثاً عن متنفساً لإبداعاته، فقد كان يشعر أن الجو بقيم المكان، تضيق بهذه الطموحات التي تتفجر من خلال قصص، ومن خلال هذا الفن الذي راوده عن نفسه، فاستسلم إليه وألقي بعمره الأخضر كله في أتونه .. عبد العال الحمامصي كان من الفرسان المُفوهين وكان في فن القصة القصيرة يشار له بالبنان .. مجموعته الأولي أثارت انتباه المفكرين والأدباء، ونال عنها كأس القباني في الشعر، ثم نال بعد ذلك جائزة الدولة التشجيعية عام 1974م وكانت قد ألحقت بمجموع هذا الصوت وآخرون، ثم تفجر الإبداع القصصي أكثر رغم أن عبد العال الحمامصي أضاع كثيراً من وقته لكنه لم يضيعه هدراً، وإنما كان يمر علي المحافظات ليكتشف المواهب ويقدمها هدية إلي مصر وهدية إلي الأدب والشعر .. وأنا واحداً ممن شملهم عبد العال الحمامصي بحبه وفرح عندما تقدمت بديواني الأول وكتب علي مقدمتها "الآن تجد سوهاج شاعرها " .. عبد العال الحمامصي كان سنداً لأدباء الصعيد الذين ضُربت علي أوجههم ستائر النسيان والتجاهل وأُحيطوا بغبار من النسيان، لكن عبد العال الحمامصي ظل مقاتلاً سواء في اتحاد الكتاب أو في نادي القصة أو في أي مجالاً  تواجد فيه ظل مقاتلاً يبحث تحت راية اكتشاف المواهب وتقديم رفق ودماً جديداً لمصر وللحركة الأدبية والإبداعية وقدم وجوهاً كثيرة سواء في القصة أو الرواية أو الشعر .. كان عبد العال الحمامصي يطوف المحافظات غير مبالاً بأنه في تركه لمكتبه لا يستطيع أن يتأمل أو يمسك بتلابيب الفن القصصي، ولكن عندما جلس علي مكتبه كتب رائعته " بئر الأحباش" وهي مجموعة قصصية تشتم فيها عبق أخمي .. عبق التاريخ.. عبق الآثار الفرعونية .. عبق الآثار الإسلامية .. عبق ذو النون الإخميمي المصري .. عبق تاريخ سوهاج الماجد الذي تعتبر وردة الشمس الأبدية .. كلها تتجسد في بئر الأحباش وتجسد أيضاً ذلك التراث الحديث لأخميم في قته " قاتل بلا أتعاب " .. عبد العال الحمامصي لم يكتف بهذا بل قدم قبل أن يموت " فرحة الأجراس "، وهي المجموعة الرابعة له، ثم توالت ابداعاته .. قدم عبد العال الحمامصي لأنه حفيد ذو النون الأخميمي المصري قدم " أحاديث حول الأدب والسياسة" و " القرآن معجزة كل العصور"، " البوصيري المادح الأعظم للرسول صلي الله عليه وسلم .. هؤلاء قالوا لي "، "وهؤلاء يقولون في السياسة والأدب  .. راحلون في وجدان ثم أفكار لأمته..

وقال عنه محمد جبريل :  ظل عبدالعال الحمامصي قاسماً مشتركاً في الساحة الثقافية؛ خلال ما يقرب من الخمسين عاماً. أسهم - محرراً وكاتباً - في العديد من الصحف والدوريات، وأذكر ان أول لقاءاتي بالحمامصي - بداية الستينيات - في مجلة اسمها "العالم العربي". كان يكتب معظم موادها. باسمه أحياناً . وبأسماء مخترعة في معظم الأحيان. وإذا كانت سلسلة "إشراقات أدبية" وبابه الأسبوعي "شيء من الأدب" في الزميلة أكتوبر هما الإسهام الأحدث للحمامصي. فإن اسهاماته تواصلت خلال العقود الخمسة - وربما الستة - الماضية. مابين إبداعات شخصية ومشاركات فاعلة في واقعنا الثقافي. فقد توالي انتخاب الحمامصي في عضوية مجلس إدارة اتحاد الكتاب. منذ تأسيس الاتحاد إلي عام الانتخاب الأخير. الأمر نفسه في أمانة مؤتمر أدباء مصر في الأقاليم. وفي جمعية الأدباء. ونادي القصة الذي يرأس الآن مجلس إدارته. وتنقل الحمامصي بين القري والكفور والنجوع. يشارك في المؤتمرات والمهرجانات. ويسلط الضوء علي الطاقات المبدعة. وكانت هذه الانشطة عاملاً مهماً في توثيق صلة عبدالعال بالمبدعين. والمثقفين بعامة. علي المستويين الشخصي والجمعي. ويعترف الكثير من الأدباء - في امتداد الأقاليم المصرية - بمساندة الحمامصي لخطواتهم الأولي، وحرصه علي تقديم المواهب الحقيقية، من خلال مقالاته وتحقيقاته في "الزهور" ثم في "أكتوبر" ومازالت أذكر مهرجان محافظة سوهاج السنوي لتكريم ابن أخميم عبدالعال الحمامصي. وهو المهرجان الذي شارك فيه - بالإضافة إلي أدباء المحافظة - عدد هائل من كبار المثقفين المصريين. أما القيمة الإبداعية لعبدالعال الحمامصي. فلعل أبرز ما يميزها هذه السمة التي تبين عن المكونات الأهم للشخصية المصرية في المعتقدات والعادات والتقاليد. وهو ما أفدت منه شخصيا في قراءتي للإبداعات المصرية المعاصرة. عبدالعال الحمامصي يواجه الآن محنة مرضية قاسية. تحتاج - لإسكات آلامها - إلي آلاف الجنيهات. ظني أن أبسط حقوقه علي حياتنا الثقافية. التي مثل فيها - علي مدي السنين - ملمحاً أساسياً. ان توفر له وزارة الثقافة. ممثلة في وزير الثقاقي " فاروق حسني"؛ إمكانات العلاج، تعبيراً عن الوعي والفهم والتقدير. وأن خدمة الغز ليست علقة دائماً؛ وانما قد تكون تعاطفاً ومساندة في الأوقات الصعبة، لا أعرف موقف اتحاد الكتاب من المحنة التي يعاني عبدالعال الحمامصي تأثيراتها - وكان الرجل عضواً في مجلس إدارته. وتولي فيه مناصب مهمة؛ منها السكرتير العام. ونائب الرئيس - لكن توالي الأيام أسرع من محاولة السؤال والمحاسبة. ما يحتاج إليه عبدالعال في ظروفه القاسية الحالية، أن يعالج علي نفقة الدولة، باعتباره مبدعاً. له قيمته بين كتاب القصة القصيرة، ومسئولا ثقافياً. قد نختلف معه. لكن من الصعب أن ننكر إسهاماته الإيجابية في العديد من الإصدارات، وفي الدفع بعشرات المواهب لتحصل علي المكانة التي تستحقها في الساحة الإبداعية.

ويطول بنا الحديث وفي النهاية لا نملك إلا أن نقول بأننا لسنا نستطيع في مقال كهذا، أن نزعم بأننا قادرون علي تقديم رؤية ضافية شملة ومستوعبة لكل اسهامات عبد العال الحمامصي الذي كان  يمثل لنا نموذجاً فذاً للروائي والأديب المبدع الذي يعرف كيف يتعامل مع العالم المحيط به ويسايره في تطوره، وهذا النموذج هو ما نفتقده بشدة في هذه الأيام التي يحاول الكثيرون فيها أن يثبتوا إخلاصهم لوطنهم بالانغلاق والتزمت وكراهية الحياة، وإغماض العين عن كل ما في العالم من تنوع وتعدد وثراء.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم