شهادات ومذكرات

طارق الجمال.. رائد الجراحات الميكروسكوبية

محمود محمد علييعد طارق الجمال واحدًا من ألمع أساتذة الطب في مصر والعالم العربي، الذين استطاعوا ببحوثهم ومؤلفاتهم أن ينقلوا البحث في الجراحات الميكروسكوبية من مجرد التعريف العام بها، أو الحديث الخطابي عنها – إلي مستوي دراستها دراسة موضوعية، تحليلية – مقارنة . وقد كان في هذا صارمة إلي أبعد حد: فالنص الفلسفي لديه هو مادة التحليل الأولي، ومضمونه هو أساس التقييم، والهدف منه هو الذي يحدد اتجاه صاحبه.

وقد عرفت الدكتور "طارق عبد الله مرسي الجمال"، عندما شغل الجمال منصب وكيل كلية طب أسيوط لشؤون الدراسات العليا والبحوث في أكتوبر 2010، وكانت أصعب مرحلة تمر بها جامعة أسيوط ؛ حيث تلك الجامعة العريقة دخول مصر في مستنقع حروب الجيل الرابع الذي أفرز ما يسمي بثورات الربيع العربي، فقد عشنا هنا في جامعة أسيوط وبالأخص كلية الطب والقصر العيني حيث لا توجد ميزانية تصرف علي الأجهزة والمعدات الطبية، والكهرباء تنقطع صباح مساء، والعمليات الجراحية تؤجل، ولا تجري في مواعيدها بسبب الثورات التي تحمل الفوضى المجتمعية ذات المطالب الفئوية والعصيان والتمرد ..الخ .

ومع ذلك فإن كل هذا لم يثني طارق الجمال بوصفه أحد القيادات وأصحاب الكفاءات الأكاديمية في كلية الطب في تسيير العمل عل الوجه الأكمل، فوجدناه لا يألوا جهدا في مساهمته بشكل مباشر أو غير مباشر في تقديم العلاج لأبناء الوطن، وتوافر أحدث وأدق الأجهزة الطبية، كما تم افتتاحه العديد من الوحدات الهامة مثل وحدة الجراحات الميكروسكوبية التي ساهم هو بشخصه في إيجادها منذ ديسمبر عام 1995 في القرن الماضي وعلي إثرها تولى طارق الجمال رئاسة الجمعية المصرية لجراحة اليد والجراحات الميكروسكوبية بعد أن تلقى تدريبه على الجراحات الميكروسكوبية في مستشفى تشانغ غونغ Chang Gung Memorial Hospital التذكاري في تايبيه بتايوان.

نعم لقد كنا نري في الدكتور "طارق الجمال" عندما نعم الرجل المتوحد الشامخ: سراجاً هادياً، عالياً كالمنار، وارفاً كالظل، زاخراً كالنهر، عميقاً كالبحر، رحباً كالأفق، خصيباً كالوادي، مهيأ كالعَلم، لا يرجو ولا يخشي، طاقته لا تنضب، كأن وراءها مدداً يرفدها من سر الخلود .

ولد الدكتور طارق الجمال بمحافظة أسيوط في التاسع والعشرين من يناير لسنة 1962، حيث تخرج من كلية الطب جامعة أسيوط عام 1984م، وقد عُين معيداً بقسم جراحة العظام والكسور عام 1985م، ثم حصل على درجة الماجستير في جراحة العظام عام 1988م، ثم عين مدرساً مساعداً بقسم جراحة العظام بكلية طب أسيوط عام 1989م. وفي عام 1993م حصل على درجة الدكتوراه في جراحة العظام، ليحصل في العام نفسه على درجة مدرس، ثم أستاذ مساعد عام 1998م، ثم حصل على درجة الأستاذية عام 2003م.

وقد نشر طارق الجمال العديد من الأبحاث في مجال الجراحات الميكروسكوبية، كما أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه. وحصل على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الطبية عام 2003م ؛ وجائزة محمد فكري مكاوي في الجراحات الخاصة من أكاديمية البحث العلمي 1992م، وجائزة الدكتور محمد رجائي الطحلاوي من جامعة أسيوط لأحسن بحث في مجال جراحة الأورام عام 2002م.

وعندما أُختير طارق الجمال في فبراير 2015 عميداً لكلية طب جامعة أسيوط، خلفًا للدكتور أحمد مخلوف، بعد عدة أشهر من فراغ المنصب، ثم نائبًا لرئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث في أبريل 2016 سعي برغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الجماعة آنذاك إلي إنشاء وحدة الجراحات الميكروسكوبية بجامعة أسيوط، وهي وحدة جراحية تابعة لقسم جراحة العظام بكلية طب جامعة أسيوط. وتختص تلك الوحدة بالجراحات المجهرية المتعلقة بإعادة زرع الأطراف وإعادة ترميمها بعد استئصال أورام العظام والأنسجة الرخوة وإصلاح الأعصاب الطرفية وعلاج إصابات الضفيرة العضدية.

وقد تمكن طارق الجمال بأن ينشئ بالوحدة عدة غرف تضم عمليات ووحدة عناية فائقة سعتها 22 سريراً ومكتبة ومكتباً لمتابعة الحالات ومعملاً للتدريب على المهارات الجراحية (يضم مجهراً جراحياً بخمسة مقاعد وغرفة عمليات رئيسة ودائرة تلفزيونية مغلقة لأغراض التدريب الأساسي). كما تستغل الوحدة بيت الحيوان التابع للكلية في التدريب الجراحي. ويعمل بالوحدة ثمانية جراحين، كما تضطلع الوحدة بتدريب الأطباء الزائرين من الجامعات الأخرى (طبيب واحد سنوياً)، حيث استقبلت الوحدة أطباء متدربين من جامعات جنوب الوادي وسوهاج والإسكندرية والزقازيق ومعهد دمنهور الطبي وكذلك من كينيا، ويعمل بالوحدة حاليًا ثلاثة أطباء زائرين (زملاء).

وظل طارق الجمال يمارس عمله كعميد لكلية الطب (بجانب عمله نائباً لرئاسة جامعة أسيوط للدراسات العليا والبحوث) حتى نوفمبر 2017. وفي مطلع أغسطس 2018، كُلف بالقيام بأعمال رئيس الجامعة بعد انتهاء مدة الأستاذ الدكتور أحمد عبده جعيص لبلوغه سن التقاعد، قبل أن يصدر قرار جمهوري بتعيينه رسميًا رئيسًا للجامعة في 19 أغسطس 2018.

ولا ننسي الجهد الذي بذله طارق الجمال من خلال عمله كنائب لرئاسة الجامعة للدراسات العليا، حيث ساهم بشكل مباشر (في ظل إدارة الدكتور أحمد جعيص رئيس الجامعة آنذاك) في افتتاح العديد من الأفرع الجديدة؛ مثل مستشفى صحة المرأة ومستشفى القلب وغيرها، في محاولة لتقديم أفضل الخدمات الطبية. كما قدم لـ" معهد دراسات وبحوث تكنولوجيا صناعة السكر" خدمات صناعية وتنموية ملحوظة من خلال معامله وأساتذته. هذا إلى جانب الخدمات التي قدمها لكلية الزراعة في ميدان الدراسات العليا لدعم البحوث والخدمات الزراعية، وتنمية الثروة الحيوانية، وتقديم الخدمات العلاجية للثروة الحيوانية من خلال الطب البيطري للحفاظ علي الثروة الحيوانية والداجنة. كما قدم لكلية الحاسبات والمعلومات المساعدة في تطوير برامج الدراسات العليا من دعم وإنشاء خطوط اتصال وميكنة الهيكل الإداري، لا سيما شئون الدراسات العليا حتى يضمن الطالب الباحثين الحصول على خدمة سريعة ومميزة ودقيقة بأقل جهد..

كذلك أسهم الرجل من خلال علاقاته الطيبة بزملائه من أساتذة كلية الطب في تقديم العلاج لأبناء الوطن؛ بل وتقديمه لبعض العرب والأجانب، ودلالة ذلك المهارة العلمية والعملية لأبناء طب أسيوط وتوافر أحدث وأدق الأجهزة. كما تم في عهده افتتاح العديد من الوحدات الهامة، مثل وحدة الجراحات الميكروسكوبية التي ساهم الدكتور طارق الجمال رئيس الجامعة الحالي. هذا إلى جانب افتتاحه (مع الإدارات السابقة) للعديد من الأفرع الجديدة، مثل مستشفى صحة المرأة، ومستشفى القلب وغيرها، في محاولة لتقديم أفضل الخدمات الطبية.

كما قدم طارق الجمال لـ" معهد دراسات وبحوث تكنولوجيا صناعة السكر" خدمات صناعية وتنموية ملحوظة من خلال تطوير معامله ودعم أساتذته. هذا إلى جانب الخدمات التي قدمها لكلية الزراعة في تدعيم ميدان البحوث والخدمات الزراعية، وتنمية الثروة الحيوانية، وتقديم الخدمات العلاجية للثروة الحيوانية من خلال الطب البيطري للحفاظ علي الثروة الحيوانية والداجنة.  كما ساهم الجمال في دعم وإنشاء خطوط اتصال وميكنة الهيكل الإداري بكلية الحاسبات والمعلومات، لا سيما شئون الدراسات العليا حتى يضمن الطالب الحصول على خدمة سريعة ومميزة ودقيقة بأقل جهد. وفي ميدان العلوم الطبيعية والرياضية والإنسانية ساهم طارق الجمال في تطوير برامج الدراسات العليا بكليات العلوم والآداب، والتربية، والحقوق، والتجارة، والخدمة الاجتماعية، ورياض الأطفال، والفنون الجميلة بصورة ملفته ويطول بنا المقال إذا ما سردنا ذلك.

كما كان طارق الجمال شخصية هادئة وأريحية تحرص على تنمية ثقافة الحوار وقبول الأخر، ونبذ التطرف والعنف، والوقوف على حقوق الإنسان، وتنمية مهارات الاتصال، والوقوف على ثقافة العولمة والحداثة وما بعد الحداثة، ودراسة الفكر المغاير للفكر العربي، للوقوف على الكيفية التي يمكن لنا من خلالها التحاور مع الغرب صاحب الثقافة المغايرة، كما تهتم بدراسة السياسة والاقتصاد والفكر الحر كإحدى أهم متطلبات التنوير.

لقد طارق الجمال مؤمناً بأن جامعة أسيوط تمثل بجناحيها العملي والنظري دفعة قوية في سبيل تحقيق التنمية والتنوير، فالجناح الأول يهتم بهيكلة الجسد وبناءه، والثاني يسري الروح في هذا الجسد، فتدب الحياة، كمهندس يُشيد، وطبيب يُعالج، وفيلسوف يُفكر ويُنظر للبناء، ويسعى نحو خلق حالة من السلام والوفاق. فلا تنمية ولا تنوير إذا تخلت الجامعات عن رسالتها.

وفي 19 أغسطس 2018 أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، قرارًا جمهوريًا، بتعيين الدكتور طارق عبدالله مرسى الجمال، القائم بأعمال رئيس جامعة أسيوط، رئيسًا رسميًا للجامعة. كان الدكتور خالد عبد الغفار، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، قد أصدر قرارًا بتكليف الدكتور طارق عبد الله مرسي الجمال، نائب رئيس جامعة أسيوط لشئون الدراسات العليا والبحوث، في مطلع أغسطس الجاري، للقيام بأعمال رئيس جامعة أسيوط، وذلك عقب انتهاء فترة رئاسة الدكتور أحمد عبده جعيص للجامعة لبلوغه السن القانونية للمعاش.

وقال الجمال - في بيان صحفي اليوم الأحد - إنه سوف يعمل في الفترة المقبلة على متابعة سير العمل داخل قطاعات الجامعة واستكمال ما يتم داخلها من مشروعات وتهيئة الكليات والمنشآت لاستقبال الطلاب الجدد استعدادًا لبدء العام الدراسي الجديد والتنسيق في ذلك مع الإدارات المختصة مع تكاتف الجهود وتكثيفها لضمان سير العمل على النحو الأكمل والأيسر، خاصةً في ظل قيامه كذلك بالإشراف على قطاعي التعليم والطلاب وخدمة المجتمع وتنمية البيئة بعد انتهاء فترة عمل الدكتور محمد عبد اللطيف كنائب لرئيس الجامعة لبلوغه سن المعاش.

وكان طارق الجمال من أشد المؤمنين بأن التعليم يمثل قدرة ونمو، ويرتبط بحاجات المتعلم وطاقته علي الممارسة ؛ حيث إنه في نظره بالتعليم يتسع وعي المتعلم ويتعمق، ويساهم في دعم الإرادة وتهذيب الذوق والرقي به، والتعلم في جوهره بهجة لأنه لقاء المتعلم بالحياة، ونمو دائم ليحقق إنسانيته. كما يؤمن الدكتور طارق الجمال بأن تقدم الأمة ومستقبلها أصبح مرهونا بإعمال العقل وبكفاءة وقدرة أبنائها علي التعلم، وما يحققه التعليم في الوقت نفسه من بهجة . وتقاس حيوية الأمم في نظر طارق الجمال علي قابلية أطفالها للتعلم أي قابليتهم للنمو وتقبل كل جديد وهي مرونة في مواجهة الحياة، واستعداد دائم للتعديل والتغيير كلما تطلب واقع الحياة ذلك، إن التعلم في اعتقاد طارق الجمال استكشاف للذات، وشوق وحب للحياة وسمو بها، وتزداد القابلية للتعلم بازدياد الشعور بفرحة التعلم وبهجته .

وفي رأي طارق الجمال أن هناك محددات للانتقال بالتعليم المصري إلي المنافسة العالمية ؛ إذ إنه من أجل الخروج من هذا النفق الذي يحاصر عملية التعلم الجامعي، فهناك عدد من التحولات في نظره يجب أن تتسم بها مسيرة تطوير التعليم المصري (في مرحلة الجامعة) من أجل وضعه في إطار العالمية، وذلك علي النحو التالي :

أولا: التحول من الجمود إلي المرونة من خلال تبني فكرة التطوير المستمر في سياق منظور استراتيجي واضح، فالمرونة في النظام التعليمي الجامعي أساس لمواجهة التغير المستمر في معطيات الحياة داخليا وخارجيا، وأساس الإدراك المتنوع وتقبل الاختلاف.

ثانيا: التحول من التجانس إلي التنوع فيما يقدمه التعلم للطلاب من خبرات، والأخذ بالتمييز بين الطلاب علي أساس الفروق الفردية والتخلي عن فكرة الطالب المتوسط هو النموذج رغم تنوع القدرات وتنوع البيئات ؛ خاصة وأن تبني خاصية التجانس في التعليم أنتجت نسخا متكررة من المتعلمين يتم تشكيلهم في أنماط جامدة .

ثالثا: التحول من ثقافة الحد الأدنى إلي ثقافة الإتقان والجودة، حيث إن تعليمنا الراهن في نظر الجمال يكتفي في التدريس والامتحان بتوافر 50% من المعرفة والمهارة، وهو شرط النجاح في كل مادة دراسية في التعليم الجامعي . وثقافة الحد الأدنى هذه تشير إلي أننا نؤمن بأنصاف المتعلمين، وهذا ما يرفضه طارق الجمال في عصر سريع التغير والتعقد.

رابعا: التحول من ثقافة الاجترار إلي ثقافة الابتكار ؛ حيث يعتقد الجمال أن التعليم الجامعي الآن يركز علي المستويات المعرفية الدنيا والتي لا تتجاوز استرجاع المعرفة والتي تأخذ بالحفظ الالي أو الحفظ الأصم في التدريس والامتحان علي حد سواء .

خامسا: التحول من ثقافة التسليم إلي ثقافة التقويم، ذلك أن التعليم الجامعي الراهن في نظر الجمال يكتفي بما يقدمه الكتاب الجامعي أو الأستاذ الملقن من حقائق ويعتبرهما المصدر للمعرفة، وهكذا يفتقد الطالب والأستاذ والجامعة (في نظر الجمال) العقلية الناقدة الفاحصة وثقافة التقويم التي يجب أن تسود جميع عناصر العملية التعليمية لمعرفة ما يتحقق من أهداف وتوفير المعرفة التي تبني علي سياسة التخطيط والتنفيذ، ولذلك يساهم التقويم في رأي الجمال في التصحيح الذاتي وتصويب المسار.

سادسا: التحول من السلوك الاستجابي إلي السلوك الإيجابي حيث يعد ذلك النمط في نظر الجمال من السلوك السائد في مؤسسات التعليم الجامعي وتراث لعصور التخلف ويتمثل في التواكل والاستسلام وضعف إرادة التغيير والنظرة غير العلمية في تفسير الظواهر والأحداث، ومن نتائجه الإرهاب والتطرف وبناء عليه فإن التعليم في نظر الجمال صار بحاجة ملحة إلي السلوك الإيجابي حيث يكون المتعلم إيجابيا فعالاً نشطاً مشاركاً في كل مواقف الحياة .

سابعاً: التحول من الاعتماد علي الآخر إلي الاعتماد علي الذات حيث يعتمد التعليم الجامعي في مصر في نظر الجمال علي التلقين واعتبار الكتاب المدرسي هو كل مصادر المعرفة والمكتبات أصبحت مجرد ديكور تربوي، وبالتالي فالتعليم في جامعة أسيوط بحاجة إلي أستاذ معلم يساهم في تيسير وتسهيل المعرفة ويساعد علي امتلاك مفاتيح المعرفة ومهارات الحصول عليها ويدرب علي التعليم الذاتي والتقويم الذاتي الذي يدفع المتعلم إلي المزيد من التعلم مدي الحياة وعليه يجب كما يقول الجمال أن يتم إثراء الكتاب المدرسي من خلال الإشارات والتكليفات إلي القراءة خارج المقرر وعبر بنك المعرفة الذي يوفر التعدد والتنوع.

ثامنا: التحول من التعليم محدود الأمد إلي التعليم مدي الحياة، حيث إن التعليم في نظر الجمال من أجل الحياة يعد أحد مفاتيح القرن الحالي الواحد والعشرين، ويتطلب ذلك التدريب المستمر وتحديث المعلومات مدي الحياة استجابة لحاجات ومطالب المجتمع المتجددة دائما وحاجات سوق العمل المتغيرة دائما.

تاسعا: التحول من ثقافة القهر إلي ثقافة المشاركة، حيث إن ثقافة القهر أدت إل تخلف التعليم حتي صارت سائدة في أمور من أهمها كما يقول الجمال الرأي الواحد والفكر الواحد وعدم تقبل الرأي الآخر والتعليم للامتحانات وليس للحياة وهذا ما يتعارض مع التوجه الديمقراطي وتشجيع التعددية في السياسة الوطنية وثقافة المشاركة واللامركزية، حيث إن مطالب القرن الحالي تفرض الأخذ بالمبادرة والإبداع والحرية الفردية والديمقراطية السياسة وحقوق الإنسان .

عاشرا: التحول من ثقافة التحصيل إلي ثقافة التفكير الناقد وذلك يتطلب تنمية مهارات التفكير الناقد، وتدريسها كمهارات عامة يجب تعلمها في الجامعة واعتبارها محور بناء البرامج التعليمة، وهو أمر تفرضه طبيعة الحياة المعاصرة التي تزدحم بالتغيرات السريعة والمعقدة.

ولم يقف الجمال عند حد وضع وصياغة استراتيجيات تطوير التعليم الجامعي، وإنما أخذ ينفذ هذه الأمور، من خلال إلغاء الكتاب الجامعي الورقي، واللجوء إلي الكتاب الالكتروني كسابقة تأخذ بها جامعة أسيوط لتنفذها خلال الفصل الدراسي القادم 2019/2020، وهذا كله لا  يغير من الأمر شئ في نظر الجمال إلا إذا تم تطوير قابليات الأستاذ التدريسية وتحسين مستواه العلمي وتحفيزه على متابعة التطورات العلمية وتعميق معرفته العامة بموضوع اختصاصه، وعلى ترجمة الأفكار الأكاديمية إلى ممارسات عملية، وإشعال روح الاهتمام والتتبع والحماس للبحث العلمي العميق. والبحث العلمي، بمعرفتنا الشخصية، رغبة وأمل كل أكاديمي مصري، وعلى حد قول الشاعر حافظ إبراهيم: البحر في أحشائه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاته.

تحيةً للدكتور طارق الجمال، ذلك الرجل الذي يمثل بالفعل قيمة علمية ووطنية وشخصية موسوعية، ما جعل زملاءه وتلاميذه من المفكرين والكتاب والأساتذة الجامعيين يعترفون له بريادته في تنوير العقول ومكافحة الجمود والتعصب.. فقالت عنه الأستاذة ليلي شلبي (في مقال لها بعنوان" طارق عبدالله الجمال" بجريدة الشروق) :" بقى أن نعرف أن الدكتور طارق الجمال يصل ما انقطع حتى إذا لم يتعد طوله مليمترات قليلة. أنه يعيد زراعة اليد إذا ما تعرضت للبتر فى حادث، إنه أيضا يعيد زراعة العضلات إذا ما  تعرضت للتدخل الجراحي في حالات السرطانات أو غيرها بنقل عضلات من مكان آخر فى جسم الإنسان. إنه يعيد بناء العضلات والعظام برؤية فنان يدرك عظمة معجزة خلق الإنسان.

وتحيةً مني لرجل آثر أن يكون صدى أميناً لضمير وطني يقظ وشعور إنساني رفيع وسوف يبقى نموذجاً لمن يريد أن يدخل التاريخ من بوابة واسعة متفرداً . بارك الله لنا في طارق الجمال قيمة جميلة وسامية في زمن سيطر عليه السفهاء، وأمد الله لنا في عمره قلماً يكتب عن أوجاعنا، وأوجاع وطننا، بهدف الكشف عن مثالب الواقع، والبحث عن غداً أفضل، وأبقاه الله لنا إنساناً نلقي عليه ما لا تحمله قلوبنا وصدورنا، ونستفهم منه عن ما عجزت عقولنا عن فهمه.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل - جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم