شهادات ومذكرات

حياة آيريس مردوخ

صالح الرزوقبقلم: بيتر ج. كونرادي

ترجمة وإعداد: صالح الرزوق

في عام 1998 ، ليس بعد وقت طويل من تشخيصها بمرض الزهايمر، أقلقت آيريس مردوخ الأصدقاء بطرح سؤال: "من أنا؟"، وهو السؤال الذي أجابت عليه تقريبا بنفسها قائلة: "حسنا، أنا الأيرلندية على أي حال، وهذا شيء مثبت". ورغم تراجع عقل الروائية والفيلسوفة اللامعة، كانت لا تزال متشبثة بهويتها الإيرلندية. فقد ظهرت هويتها الأيرلندية واضحة بإسهاماتها الفكرية والعاطفية طوال حياتها. ولكن قبل مرضها - تحولت من قومية رومانسية ماركسية إلى وحدوية متشددة ومدافعة عن سياسة إيان بيزلي.

ولدت آيريس في دبلن لأب من بلفاست، وكانت دائما فخورة أنها تحمل في داخلها  تقاليدها الايرلندية العديدة المختلفة، واختارت لثلاثة من أعمالها أن تكون حبكتها في أيرلندا، وهي روايتا: حصان وحيد القرن (1963) والأحمر والأخضر (1965)، وقصتها القصيرة شيء خاص (1958).

كتبت مردوخ عام 1963 تقول:"يمكن لنمط الحياة الإنجليزية أن يكون مضجرا، الأمر الذي لا يشجع على التخيل". لكن بالمقابل كانت أيرلندا فضاء رومنسيا. وحتى عام 1968 كانت موطنا للمستضعفين. وكما تقول واحدة من شخصياتها في (الأحمر والأخضر) إنكلترا دمرت إيرلندا: "ببطء وبالتدريج، دون حقد، ودون رحمة، عمليا دون تفكير، مثل شخص يدوس على حشرة، وينساها، ثم يراها ترتجف فيدوس عليها مرة ثانية ". وحافظت آيريس حتى وقت متأخر من عام 1964 على اللهجة الأيرلندية، وكان يحدوها روح مسيحية نقية". كانت لهجتها قاطعة وحادة كشفرة السكين. وحتى لو تخللتها نغمات مضللة من لهجة أكسفورد - كانت حروف العلة إيرلندية”. كان شعورها بالروح الإيرلندية أسطوريا - فقد اعتزت بصلاتها البعيدة مع النبلاء الأنجلو-إيرلنديين على الرغم من أن عائلتها أكثر تواضعاً بكثير. لكن تحديد هويتها بحد ذاته حكاية.  فعائلة والدها البروتستانتي المؤمن جاءت إلى ألستر من غالاوي في اسكتلندا وعملت بالزراعة في باليمولان هاوس، هيل هول، في مقاطعة داون لمدة ثمانية أجيال. وكانت وريثة مباشرة لتقاليد غير محافظة لثوار ألستر الذين يتصفون بالمعارضة العنيدة والراديكالية، وتطور ذلك إلى "إيمان" أكد رحلتها المستقلة بكل ما فيها من عزلة وإلحاح.

1669  مردوخوتحولت عماتها بعد الزواج لعقيدة أزواجهن: المعمدانية بالنسبة لإيلا عمة آيريس المدهشة، عندما تزوجت ويلي أردهيل. الأخوية لسارة عندما تزوجت من الهادئ والبسيط والعصامي طبيب الأسنان ويلي تشابمان، وهو أمين صندوق أخوية أبسلي هول في دونغيل باس. أما أبناء سارة وويلي تشابمان، وهم  ثلاثة أطفال من أقرب الأقارب الأحياء لآيريس بعد والديها، فقد تلقوا تربية صارمة، ومغلقة، على يد الطائفة المعروفة في الجزيرة الأم باسم الأخوة بليموث، والتي تسمى في أيرلندا الشمالية ببساطة: الأخوية. وبين الحربين قسمت آيريس ووالداها العديد من العطل الصيفية بين دبلن وأيرلندا الشمالية (برفقة أبناء العم). وكتب  ابن عم مردوخ الثاني، ماكس رايت، الذي درّس الفلسفة في جامعة كوينز، كتاباً وصف فيه رحيله عن الأخوية. كان منزل عائلته يحتوي على 37 كتابا مقدسا. ومنذ بلغ الخامسة عشرة كان يُرسل بانتظام ليلقي رسالته الإنجيلية من على شرفة سخيفة أمام منازل من الطوب الأحمر. وعندما ذهب هيوز والد مردوخ إلى لندن  في 16 حزيران 1906 للتدريب لامتحان الخدمة المدنية، كان يهرب مما كانت تسميه “تشدد” أسلافه “البروتستانت السود”. من 1910 إلى 1914 عاد إلى دبلن للعمل مع إدارة الانضباط العام (في أيرلندا)، وعاش، خارج دبلن، مع عمه الياس وابن عمه هارولد في كينغستاون (في وقت لاحق دان لاوغير)، حيث كانوا يعملون بإدارة اثنين من محلات الحديد. وسبح في ما يسمى "أربعين قدما"، وهو حمام السباحة الطبيعي "الخاص للرجال فقط" قرب برج كينغستاون مارتيلو، وخلد جويس الموقعين في “يوليسيس”. وكان ابن أحد أبناء عمومته سياسياً وحدوياً. كان إلياس وهارولد على حد سواء من الكويكرز، كما أن ابن عم آخر، هو بريان مردوخ، أصبح أستاذا للرياضيات في كلية ترينيتي، دبلن. وتزوج ابن العم سيبيل أيضا من كويكر، هي ريجي ليفينغستون. وهناك اليوم ما يقارب 1500 من الكويكرز في كل أيرلندا، ولكن الكويكرز كثيرا ما يظهرون في خيال آيريس. وقد تأثرت مردوخ بنزاهتهم وروح الهدوء والسلام التي يتحلون بها، واعتقادهم أن الجميع قادرون على الحياة في إطار من الحكمة والتفاهم.

تمثل عائلة والدة مردوخ جيلا آخر في تاريخ أيرلندا البروتستانتية التي تنتمي للطبقة المتوسطة وكانوا من كنيسة أيرلندا (الأنجليكانية) بدلاً من المشيخية، ومقرها دبلن.  وهم من بين “مشرفي مزارع” سابقين " وليسوا " فلاحين ".  وفي البداية، في القرن السابع عشر،  كان آل ريتشاردسون  من  ملاكي الأراضي، ثم  أصبحوا في القرن الثامن عشر من صغار النبلاء، وعندما تم منع الكاثوليك من المشاركة في البرلمان وحيازة المناصب الحكومية، فضلاً عن المعاناة من العديد من القيود الطفيفة، كان البروتستانت يحتكرون السلطة والامتياز. وبعد ذلك، تراجع وضع الأسرة تراجعا حادا. في حين أن رينيه والدة آيريس وصفت والدها، إفنغهام ريتشاردسون، في شهادة زواجها بأنه "محام (متوفى)" ، لم تدرجي الجمعية القانونية اسمه في سجلاتها. وربما كان يعمل في مكتب أحد المحامين ككاتب. وعمل خال آيريس توماس بيل بصفة ميكانيكي سيارات في والتون، وهي صالة عرض سيارات فورد في شارع تالبوت، في حين عمل ثلاثة من أبنائه الأربعة في كادبوري في دبلن بصفة سائق شاحنة لمسافات طويلة وعامل صيانة وحارس مخزن. وتزوج اثنان من أبناء عائلة بيل من كاثوليكيتين. ومع ذلك كان يهم آيريس مردوخ أنها تنتسب بشكل مباشر لألكسندر ريتشاردسون "الصامد في إيرلندا منذ عام 1616، والذي تأقلم مع الطبع الإيرلندي المتعصب " كما قالت. لقد عاش في كراي هالوك  منذ عام 1619 (وهي "غراي هالوك " التي ظهرت في روايتها  “وردة غير رسمية” عام 1962). ويعود اهتمام إيريس بنسبها إلى آب عام 1934، عندما اكتشفت، في عطلة في دوون لاوغير، أن عائلة ريتشاردسون كان لها حكمة تؤمن بها، وهي: Virtuti paret robus - "خصلتها الجيدة!" كما كتبت إلى صديقة من صديقات المدرسة - وهذا يعني " أن الفضيلة تغلب القوة". وذكرت ذلك بافتخار في رواية “الفارس الأخضر” بعد 60 عاما.

وورد على غلاف نسخة مبكرة  أنه "على الرغم من أن معظم حياتها قد مر في انكلترا، لا تزال تسمي نفسها كاتبة ايرلندية". وبعد وفاة والدها في عام 1958، تغير ذلك بشكل دائم وأصبحت تقول "انها تنتسب لأبوين من الشجرة الأنجلو- أيرلندية"،  وهذا كلام يدعو للشك لو أنه يعني أنها تشير لخلفيات  من الفرسان ملاك الأراضي الصاعدين. لقد اختارت آيريس للراوي في “رأس مقطوعة” (1961) أن يكون أنجلو إيرلنديا. والإصرار على أن الأسرة لا تزال من "السادة"، مهما كانت فقيرة، يعكس خصلة قبلية بروتستانتية. حتى أولئك البروتستانت الأيرلنديين في الدولة الأيرلندية الحرة المبكرة الذين جاءوا من أصول متواضعة يحملون شعورا واضحا أنهم ينتمون، على الأق،ل لـ “جماعة النخبة  corps d'élite".

كان لوالدي مردوخ لكنة إيرلندية. وكان لرينيه لهجة دبلن “واضحة” ولا سيما عادة أهل دبلن في لفظ   "th" كأنه "t"، وخاصة في بداية الكلمة.  وكان لهيوز لكنة ألستر خفيفة جدا وتعابير جاهزة وشائعة مثل: "انتظر حينما أكلمك!". وكانت الشابة آيريس قد كسبت من والديها لهجة خاصة. لفترة جيدة من مراهقتها كانت آيريس  تنطق في بعض الأحيان "I think " دون "h " -- تقول "I tink". أما عائلتها، وهي أيرلندية من كلا الجانبين لمدة 300 سنة، وعلى الرغم من أنهم كانوا يعيشون في لندن منذ عام 1921، لم تندمج في الحياة الإنجليزية، واحتفظ أفرادها بحياة صغيرة مغلقة، ولم يكسبوا الكثير من الأصدقاء الإنجليز - إن هناك أصدقاء.

وعندما توفي هيوز في عام 1958، أحزن رينيه أنه لم يحضر الجنازة غير ستة: آيريس وزوجها جون بايلي، ورينيه ابن عم مكتسب بالزواج، ومحامي هيوز وجار واحد خلوق. وكان هيوز قد عاش لمدة 43 عاما من أصل 68 في إنكلترا وتقاعد قبل ثماني سنوات. وكان أول إجراء تتخذه آيريس في ذلك العام الحزين هو مرافقة رينيه وجون إلى دبلن للعثور على منزل مناسب لرينيه لتعيش فيه. وفي العام التالي رافقت رينيه آيريس لرؤية مزرعة درام (في بعض الأحيان تلفظها Drumm)، المعروفة أيضا باسم مزرعة آل ريتشاردسون، في مقاطعة تيرون. كان هناك بوابة متهالكة، وعقار منهار وكئيب.  هكذا أصبحت الأم المحترمة وابنتها المعتدة بنفسها.

ويمكن القول إن استعداد مردوخ لأسطرة أصولها الخاصة، ورثاء الحيثيات المفقودة منذ فترة طويلة، علامات تقربها من ييتس. إن إلحاق اسم "بتلر" باسم عائلة ييتس ليس شيئا خياليا لو وضعت في الحسبان أنه يتبع اسم الدوقات الأنغلو إيرلنديين في أورموند. وتعتز آيريس كثيرا بخلفياتها الاجتماعية. وكما أثبت المؤرخ روي فوستير، طقس البيت المفقود في إيرلندا هو مكون مركزي وأساسي في تركيبة “السحر البروتستانتي”. ويشترك به كل من ييتس والروائية إليزابيث بوين، وهي صديقة مقربة من آيريس:  وبروتستانتية آيريس، كما يذكر فوستير، حتى لو هي ليست شبيهة بما هو معروف في ألستر، هوية ثقافية واجتماعية بالإضافة إلى أنها دينية.

ويمكن أن تجد عند آيريس وبوين وييتس بعض العناصر المشتركة مثل: الاهتمام بالأخلاق العالية، ودراما الحب والعواطف الملتهبة أحيانا، والنظرة المتشائمة نحو الطقوس والسحر، وعدم القدرة على النمو، والهوس بالتاريخ وتداخل مشاعر حب إيرلندا مع بغضها بنفس الوقت. إن إيرلندية بوين البروتستانتية، بتعبير فوستر، ساعدت على “خلق إنسانة مقسومة بشكل طبيعي”، وهذا هو حال مردوخ أيضا. كان ييتس من ” طبقة متوسطة غير مأمونة وله ذاكرة عرقية ونخبوية”، وقد غزا سكان البيوتات الكبيرة مثل كول بارك وذلك بواسطة ما حبي به من تفرد و“سحر وقوة اجتماعية ساهم الفن بتأسيسها كما وجدت آيريس لاحقا في إحدى زياراتها إلى كلاند بوي، وهو واحد من بيوتات أسلاف غينيس، وكذلك في زيارتها لبيت آل بوين. لقد رفع كل من و. ب. ييتس وآيريس مردوخ نفسيهما اجتماعيا” بواسطة الجهود الأخلاقية وكرم التاريخ معهما”. كان كل منها، بشكل مختلف، حكاء جريئا في الحياة والفن. في عام 1938، وهو أول عام لها في أكسفورد، نشرت مردوخ مقالة في شيرويل بعنوان “الإيرلنديون، هل هم بشر؟” أشارت للأنغلو إيرلنديين على أنهم “سلالة خاصة”. وفي عامها الثاني، أعلن الجيش الجمهوري الإيرلندي الحرب على بريطانيا بتاريخ 1939، متسببا بـ 300 انفجار وسبع وفيات و96 إصابة. ومع بداية ما يسمى في إيرلندا “الطوارئ” كانت أمينة صندوق في أحد النوادي الأيرلندية، وتستمع إلى فرانك باكينهام (لاحقا اللورد لونغفورد) وهو يتكلم عن “الحوار مع دي فاليرا” وهناك ألقت بنفسها ورقة بحث عن جيمس كونولي، بطل ثورة 1916، وهو ماركسي أثنى عليه لينين بسبب دمجه، خلال الصراع الاجتماعي المرير، الكفاح الطبقي والقومية الثورية. وكتبت لصديقة عام 1941 عن إيرلندا تقول إنه:” بلد ضربته الفوضى المرعبة المثيرة للشفقة”، وهذا يشبه وضعها “بما ينطوي عليه من خداع وظروف - لكن إيرلندا على الأقل لديها ما تتعمد به من الدم والنار”. وحينها كانت قادرة على تصوير دبلن كما تود. ربما بعد نزهة على الأقدام في غلينغاريف في عام 1954، كتبت قصتها القصيرة “شيء خاص”، عن الشابة إيفونا جيري التي تعيش في حانوت قرطاسية لأمها البروتستانتية التي تنتمي للطبقة العاملة وكان مكانه في دون لوغيري  في شارع جورج الفوقاني. كانت إيفونا تشبه إيفا، وأصول الوالدين لكليهما كانت غامضة. والعنوان “شيء خاص” ربما يشير إلى خيال إيفونا عن الهرب من الجوع. شاهدت مردوخ أيرلندا في الخمسينات وكأنها "بلاد أحلام حيث كل شيء له طعم مختلف وخاص". وجرت أحداث المسودة الأولى من “رأس مقطوعة” (1961) في غرب أيرلندا، وهي المنطقة التي اختارها جويس لغابرييل كونروي، في “المرحوم”، النادم على عدم زيارتها، حيث الشاب ييتس لعب ألعابه السحرية، وحيث الجو البدائي لسينج كان يخيم على  جزر آران. وألهمتها مقاطعة كلير رواية “حصان وحيد القرن” (1963). أما [سكارن] في تلك الرواية، بنباتاتها المتوحشة المفترسة، تقابل [بورين]، والمنحدرات العظيمة تعكس مثيلتها من منطقة [موهر]. أما نبلاؤها فربما يدينون  بحفلات الويسكي  لعالم إليزابيث بوين في كورك،  حتى أن أسماءهم مستعارة من عائلة (آيريس). لقد استعار إيفنغهام كوبر أسماءه من جد آيريس ووالد جده. واسم عائلة دينيس نولان هو لقب جدة آيريس. تتابع رواية (حصان وحيد القرن) موضوع  مردوخ المفضل: أن  الحياة هي -- أو ينبغي أن تكون -- مسعى روحيا أو رحلة حج. والقول بأن أيرلندا تبدو هنا “وطنها الروحي” المختار  ليس استعارة خاملة. وسرعان ما بدأت تخطط لرواية (الأحمر والأخضر)، وتعلمت أيضا بعض اللغة الغيلية. كانت الحبكة تجري في أسبوع واحد من نيسان 1916  قبيل ثورة عيد الفصح. وقد اخترعت آيريس أبناء عمومة أنجلو أيرلنديين، مع تفرعات على جانبي البحر الإيرلندي، وكان أبناء العمومة على حد سواء من الأنجليكانيين والكاثوليك، ومن عائلة حولت نفسها إلى دراما من المحن التاريخية، مما جعل الشخصيات مباشرة وبينها علاقات شخصية. وفي حين أن مردوخ كانت معادية للقومية في عام 1916، فإن بعض آل ريتشاردسون البروتستانت، خاصة بعد أن أعدم البريطانيون 16 من المتمردين، أيدوا الاستقلال. في الفصل الثاني، وهو حلقة دراسية عن التاريخ الأيرلندي، تنظر إلى  قانون الاتحاد الصادر في شهر كانون الثاني 1801 على أنه كارثة كبرى في التاريخ الأيرلندي، فقد أضعف معنويات الطبقة الحاكمة في أيرلندا. تقول إحدى الشخصيات: "في إيرلندا الماضي الحقيقي هو “الصعود" وهذا يذكرنا بأن العديد من الوطنيين الإيرلنديين الكبار كانوا من البروتستانت. مما لا شك فيه أن مردوخ تؤسطر عائلتها، وتسير على أثر ييتس وبوين، في تبني الأفكار المثالية التي أتى بها المؤرخ و. ي. هـ. ليكي والتي تضفي قيمة استثنائية على "أولئك الأرستقراطيين [الأنجلو-أيرلنديين] الذين يعتقدون أنهم متفوقون على حد سواء على الإنجليز والإيرلنديين ". وتؤكد أن الكتاب الأنجلو-إيرلنديين كتبوا دائماً بإنجليزية راقية". واسم عائلة (بارني درام) هو اسم بيت آل ريتشاردسون الأصلي ووالدة (بارني) كانت بالفعل من آل (ريتشاردسون).  تضع مردوخ  الأسرة المتمردة "الممثلة" للكاثوليكية ": كاثلين وبارني درام وأبناء بارني بالتبني: بات وكوثال دوماي، ضمن سادة بيت شارع بليسينغتون حيث ولدت مردوخ نفسها عام  1919، وهو شارع سيداهمه بعد ثلاث سنوات بلاك وتانس.

لكن في غضون أربع سنوات من تاريخ نشر الكتاب في عام 1965، عادت الاضطرابات إلى الشمال، وتأرجحت ولاءات مردوخ بعنف. وكثيراً ما أجرى زوج ابن عمها سيبيل، ريجي ليفينغستون، المتخصص في جراحة الأوعية الدموية في مستشفى فيكتوريا الملكي في بلفاست، عمليات جراحية، وساعد في إنقاذ ضحايا الإرهاب. وألقيت الحجارة على سيارته، وأطلقت القوات العسكرية النار على صالة العمليات. أصبحت (الأحمر والأخضر) رواية ملتبسة في ذهن مردوخ. فقد شعرت أنها تركت مسحة رومنسية على العنف، وجعلت القضية القومية الكاثوليكية حلما مثاليا، واستثمرت تلك الأساطير المتجددة والدامية التي تغذى عليها الجيش الجمهوري الإيرلندي وهي أساطير التضحية والدم التي غذاها الجيش الجمهوري الإيرلندي. كانت الاضطرابات هي الموضوع الذي يمكن أن يفجر دموع الغضب والضيق لديها. وقد كتبت تقول:"قلب المرء مكسور بسبب أيرلندا”. وقد أوردت في أكتوبر 1979، في مذكراتها، رسالة من الكاتب أونور تريسي، الذي، على الرغم من كاثوليكيته، كتب يقول: "هذه الشراسة الشبيهة بالعصر الحجري والتي تميز بها الكاثوليك في شمال إيرلندا هي التي تسببت بهذه الأعمال الشنيعة  ... ومقدار الأزيز المثار يأخذ بالأنفاس، وكذلك عندما تفكر في الأرواح المفقودة والشلل والعمى. ولكن كلنا نعرف ذلك". كانت مردوخ جاهزة من الآن فصاعدا لأن تفقد أعصابها بخصوص أيرلندا. بعد الجدل حول أيرلندا في عام 1983، كتبت إلى صديقة قديمة، هي الفيلسوفة ماري ميدغلي، للدفاع عن بيزلي، التي، كما قالت مردوخ "يدين العنف بصدق ولم يكن ينوي تحريض الإرهابيين البروتستانت. وليس من المستغرب أن يكون عاطفيا وغاضبا، بعد  15 - 12 عاما من النشاط الإجرامي في الجيش الجمهوري الايرلندي. وعلى ما أخشى كل هذا موجود بطبقات عميقة في روحي ”.  وقالت إنها الآن تشعر بعقلية تسبح حول رأسها من النوع الذي يتميز به بروتستانت ألستر.  لكنها تشعر أنه يخلو من تلك الروح المحاذية بعكس كاثوليك إيرلندا الشمالية.  ولا يمكننا أن نلاحظ أنها، في أي مناسبة، رأت حزنا مشروعا وخاصا يتخلل تقاليد الأقلية الكاثوليكية في شمال إيرلندا في أزمة عام 1968. لقد أصبحت أيرلندا شيئا "لا يمكن تصوره". وبالتأكيد غير قابلة للكتابة. حاولت في المسودات الأولى من “الكتاب والأخوة”  (1987) أن تواجه في داخلها كاثوليك إيرلندا وبروتستانت إيرلندا. لكن الحبكة أقلعت في اتجاه مختلف. كانت سياسة حزب العمال بشأن أيرلندا الشمالية سبباً رئيسياً في تصويتها للمحافظين في الثمانينيات. وفي عام 1982 لاحظت "إنه شيء فظيع أن تكون إيرلنديا." وفي رواية “ البحر ، البحر” (1978) قال الإيرلندي الشمالي بيريغرين أربيلو، قبل وفاته على يد قناص مجهول الهوية، أن "تكون إيرلنديا شيء فظيع جدا، والأفضل أن تكون اسكوتلانديا”. في تموز عام  1985، بعد الحصول على دكتوراة فخرية في الأدب من  كلية ترينيتي بدبلن، كتبت مردوخ تقول "أنا دائما منزعجة من زيارة أيرلندا - إنها جزيرة شيطانية، ساحرة جدا ومجنونة جدا". ومع ذلك، على الرغم من أنها عاشت في إنكلترا معظم حياتها، كانت ترى نفسها كجزء من التقاليد الأدبية والفكرية التي أنتجت كونغريف وشيريدان ووايلد وجولد سميث وييتس وبوين -- وجميعهم، كما يقول فوستر، يطبّعون أساليب التعبير الإيرلندي  مع أنهم يعيشون في إنكلترا و“يأسفون لإيرلندا”.

في عام 1978 قالت مردوخ: "إيرلنديتي هي أنجلو ايرلندية بالمعنى الصارم جدا... الناس يقولون لي أحيانا بوقاحة، 'أوه! أنت لست إيرلنديةً على الإطلاق! لكن بالطبع أنا إيرلندية، أنا أيرلندية بعمق وكنت واعية لهذا طوال حياتي، ومزاجي إيرلندي من النوع الذي قدم لنا الكثير من المفكرين والكتاب المتميزين جداً".

 

....................

*مقتطفات من كتاب “آيريس مردوخ: رحلة حياة” من تأليف بيتر ج. كونرادي. منشورات دار “هاربير كولينز”.

 

 

 

في المثقف اليوم