شهادات ومذكرات

قمبيز.. الملك الذي أراد أن يصبح فرعونًا...!!

يسري عبد الغنيلقى قورش العظيم حتفه في إحدى الحملات سنة سنة 529 ق . م، فورثه قمبيز وسميربيس، أما قمبيز فكان هدفه الأول فتح مصر، ولكن اعتلاء ملك جديد للعرش في مثل الظروف التي جاء فيها قمبيز، كان من شأنه أن يكون محفوفًا باحتمال حدوث بعض القلاقل التي تتطلب يقظة وانتباهًا، فضلاً عن حوادث الحدود التي اشتدت وطأتها بوفاة قورش، وقد انقضت أربع سنين حتى استطاع ملك الفرس أن يتحين الفرصة للتحرش بمصر ومحاربة فرعونها أحمس، الذي واتته منية بينما كان قمبيز مازال يعد عدته للهجوم على مصر .

فتح مصر:

تمتعت مصر في عهد أحمس يتقدم ورخاء عظيمين استمرا طوال مدة حكمه البالغة أربعين سنة ... ولكن أسباب ضعفها كانت قد تهيأت ونمت فعلاً، فإن الجنود الأجانب المأجورين كانوا في تلك الآونة هم الجيش المعول عليه في مصر، وكان إخلاصهم موضعًا للريبة .

كما أن ما أولاهم الملك من نعمة جعلهم محلاً لحسد رعاياه المصريين، ففر أحد قادتهم واسمه فانيس من أهل هاليكرناسوس، وعرض خدماته على قمبيز، وكان أحمس يأمل في إحراز السيادة البحرية فيما توقعه من نزاع محتوم بين مصر وفارس، وذلك بمعاونة حليفه القديم بوليكرات طاغية ساموس، ولكن الذي خلفه على عرش مصر ابسماتيك الثالث أدرك أن بوليكرات قلب له ظهر المجن، وتحول إلى جانب الفرس .

وعملاً بمشورة فانيس، استطاع قمبيز أن يحصل على الماء الكافي لجيوشه من زعماء الأقاليم التي كان عليه أن يجوبها في الصحراء الجنوبية، فلما وصل جيشه إلى القلعة الأمامي على الحدود في بيلوزيوم ، استطاع قمبيز أن يقرر مصير مصر بمعركة دموية واحدة، وإن تكن قلعتا هليوبوليس و ممفيس قاومتا مقاومة عنيفة بعض الزمن، ولكن في النهاية انتهى الأمر بأن أصبحت مصر ولاية فارسية في ربيع سنة 525 .

السياسة حيال مصر:

لما دانت مصر لقمبيز، نادى بنفسه فرعونًا كأنه من صميم المؤمنين بالإله آمون، ولم تخالج نفسه أية خشية ولا ريبة من عدم الولاء لديانته، وهو سلوك لم يكن ليجول في خاطر أي حاك من الأشوريين، وإن كانت هذه السياسة هي استتب بها الأمر لهذه الأسرة الفارسية، ولكن لم تلبث أن وقعت كوارث خيبة الآمال حينما كانت قرطاجنة هدفهم التالي بعد مصر، فأبى الملاحون الفينيقييون أن يحملوهم في سفنهم لمقاتلة بني جنسهم القرطاجنيين، وترتب على ذلك العدول عن هذا المشروع .

حملتان فاشلتان:

أراد قمبيز أن يضم إليه واحة آمون فوجه إليها حملة قوية، إلا أن هذه الحملة منيت بعواصف الصحراء التي هبت عليها فأبادتها، ثم تولى قمبيز بنفسه قيادة حملة أكبر لإخضاع مملكة مناف في بلاد النوبة المصرية، ولكن قوافل الزاد والمؤن ضلت طريقها، فاضطر أن يقفل راجعًا بجيشه الذي عضه ناب الجوع .

وكان من أثر ذلك ـ كما جاء في رواية مؤرخي اليونان عن تلك الفترة ـ أن جن جنون قمبيز، فصب غضبه على الديانة المصرية التي حاول في بادئ الأمر استرضاءها وتعظيم آلهتها، التي أصبحت في نظره شياطين بعد هذه الأحداث كلها .

وتتوالى الكوارث:

وتناهت هذه المصائب إلى الداهية، حيث وردت الأنباء من بلاد فارس بقيام ثورة أهلها أتباع الديانة الماجوسية القديمة، مناهضيين في ذلك الزرادشتية، وهي دين الإخمينين، وأنهم نادوا بسميرديس ملكًا على البلاد .

ولكن سلطان الفرس توطد في مصر، وبقى بغير منازع نحو ثلاثين سنة، ومن ثم ولي قمبيز وجهه نحو الشمال بجزء من جيشه وبعض الأشراف البارزين،ومن بينهم أحد أبناء عمه وهو دارا (داريوس) الإخميني ابن هيستاسيس للقضاء على ذلك المدعي، ووافته منيته فجأة في إحدى بلاد سوريا .

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

 

في المثقف اليوم