شهادات ومذكرات

زبيده الغاده التي أطاحت بعقل مينود

يسري عبد الغنيهى واحدة من اجمل فتيات رشيد فهى زبيدة ابنه محمد البواب أحد أعيان رشيد التى استمدت شهرتها الحقيقية عندما اجتاحت الحملة الفرنسية مصر فى عام 1798 واستمرت بها حتى عام 1801.

نجحت زبيده فى لفت الأنظار اليها، بعد زواجها من احد قادة الحملة الجنرال مينو، الذى كان يحلم بتكوين مجد شخصى له فى رشيد ، فحرص على احترام الإسلام والاحتفال مع المسلمين بأعيادهم ومناسباتهم حتى فى صوم رمضان. ومالبث ان أشهر إسلامه وسمى نفسه عبد الله.

سأل مينو عن أجمل نساء رشيد فأخبروه عن ابنة الشيخ الجارم إمام مسجد المحلى، وزبيدة ابنة محمد البواب تاجر الأرز المعروف، وعندما علم الشيخ الجارم بنوايا مينو، أسرع بتزويج ابنته من أحد تلاميذه، الذين يأخذون عنه علم الحديث.

لم يبق أمام مينو إلا زبيدة التى تصغره بنحو 30 عاما والتى وصفها فى احد رسائله بقوله:

“زوجتى طويلة القامة، مبسوطة الجسم، حسنة الصورة من جميع الوجوه، لها عينان رائعتان، ولون بشرتها هو اللون المصرى المألوف، وشعرها طويل فاحم، وهى لطيفة الطبع، وجدتها تتقبل كثيرا من العادات الفرنسية بنفور أقل مما توقعت .

وأقامت السيدة زبيدة برشيد،مع زوجها مينو ووليدها الصغير (سليمان مراد جاك مينو ) الى ان تولى مينو القيادة العامة للجيش الفرنسية فانتقل للقاهرة، تاركا زوجته وولده فى رشيد التى احتلها كل من الاتراك والانجليز بعد ان فش ل فى تحقيق أى انتصار عليهم، وليتواصل زحفهم حتى رشيد

خشيت زبيده على ولدها فقررت الهروب مع رضيعها خارج المدينة، بعد ان اجبر والأسطول الإنجليزي الفرنسيين علي الرحيل ولتتنقل من مكان الى آخر حتى وصلت القاهرة في صحبة أخيها لأمها السيد علي الحمامي لتختبىء في بيت الألفي في الأزبكية، قبل أن تصعد إلي القلعة لتختبيء فيها.

فى القاهرة اقنعها أحد أعوان زوجها مينو، بالرحيل هى وطفلها إلى فرنسا مع القوات المنسحبة فى التاسع من أغسطس عام 1801، بعد ان أذن قائد الجيش الانجليزي لها بالسفر إلي الإسكندرية لتلحق بزوجها هناك لتسافر معه لفرنسا .

‏تضاربت الأقوال حول مصير زبيده فى فرنسا فيقول الدكتور أحمد حسين الصاوى أستاذ الصحافة فى الجامعة الأمريكية‏:‏

“إن زبيدة سافرت إلى فرنسا مع ابنها سليمان مراد وهناك أهمل مينو أمرها‏، ومات طفلها ثم عادت إلى مصر بعد أن عانت كثيرا من المتاعب‏”!

ويقول الرافعي إنه يؤخذ من الوثائق والمراجع الصحيحة، أن »مينو« قد أساء معاملة زوجته المصرية، وتنكر لها، وهجرها في تورينو بإيطاليا، وأبدل بها بعض الراقصات، واتخذهن خليلاته، وتركها تعاني غصة العيش، وغضاضة الهجر، إلي أن توفيت بها.

أما رائد التنوير رفاعة رافع الطهطاوى فقد ذكر في كتابه “تخليص الإبريز في تلخيص باريز” أن مينو عندما عاد إلي بلاده عاد إلي النصرانية، وأبدل العمامة بالبرنيطة، ومكث مع زوجته وأنجبت له ولدا أخر ,ثم وتركها ووليدها الثاني في عزلة تامة .

وغير معروف مصير أبناء زبيدة حتي الآن، فمنهم من قال إنهم ماتوا صغارًا، بينما يؤكدالبعض الأخر ، ان مينو أوكل بالطفل الأول سليمان إلي أحد الأسر الفرنسية لكي تحسن تربيته، وانه سلك مسلك أبوه وتدرج حتي أصبح جنرالا .

الختان و الخمر"

أعود بك لنقول..بعد هزيمة بونابرت في حصار عكا عاد إلى القاهرة وسعى إلى استصدار فتوى دينية "تأمر الشعب بأن يؤدي له قسم الولاء"، وهو طلب أحرج الشيوخ وكان بمثابة اختبار منه لمدى ولائهم له، لكن سرعان ما وجد العلماء مخرجا وبادروه يسألونه لماذا لا يعلن إسلامه وجيشه طالما يقر بإعجابه بنبي الإسلام، ويعزي نجاحاته إلى حماية الله له؟

يقول الجنرال برتران إن بونابرت قرر المخادعة وقال "هناك افتراضان يعترضان إمكانية اعتناقه هو وجيشه الإسلام وهما :الختان وتحريم شرب الخمر. والأهم من ذلك أنه قبل أن يصل إلى عملية الاعتناق هذه، يجب أن تُمنح فرق الجيش الوقت الكافي للتعرف على عقائد الإسلام وممارساته وأنهم بحاجة إلى عامين لتحقيق ذلك".

ويذهب المؤرخ الفرنسي هنري لورانس في دراسته "بونابرت والإسلام" إلى إن بونابرت أفضى إلى الكونت لاس كاسي في "مذكرات سانت هيلين" في المنفى، المعروفة باسم "الميموريال"، أنه كان عازما "في حالة استسلام عكا على أن أُلبس جنودي الزي الشرقي وأن يتبعوا، في الظاهر على الأقل، ديانة البلد، الأمر الذي سيروق للجنود كثيرا".

استمرت حماسة بونابرت "الإسلامية" حتى هزيمته في عكا، ويرصد المؤرخون إدراك بونابرت أن مغامرته الشرقية قد انتهت تحت أسوارها، وأن أوروبا هي قدره وليس مصر، فبدأ اهتمامه بالإسلام يخبوا على نحو ملحوظ، وفي منفاه في سانت هيلين يصرح للجنرال برتران في مذكراته أن بياناته إلى المسلمين لم تكن غير احتيال:

"كان هذا احتيال، لكنه احتيال من أعلى طراز، ومن جهة أخرى فإن ذلك لم يكن إلا لأجل ترجمته إلى أبيات عربية جميلة... وقال بونابرت إن الفرنسيين الذين كانوا معي لم يجدوا في ذلك غير مادة للضحك، وكانت استعداداتهم في هذا الصدد فاترة".

 

د. يسري عبد الغني

 

 

في المثقف اليوم