شهادات ومذكرات

علي مصطفي مشرفة.. رائد فلسفة العلم (1)

محمود محمد علي"الأسس والمقدمات"

علي مصطفي مشرفة باشا (22 صفر 1316هـ/ 11 يوليو 1898-15 يناير 1950م) عالم فيزياء نظرية مصري، ولد في دمياط، يلقب بآينشتين العرب، لأن أبحاثه كانت في نفس المجال ونفس الموضوعات التي أبحاث ألبرت آينشين تدور حولها، تخرج في مدرسة المعلمين العليا 1917، وحصل علي دكتوراه فلسفة العلوم PH.D من جامعة لندن 1923، ثم كان أول مصري يحصل علي دكتوراه العلوم D.Sc من إنجلترا من جامعة لندن 1924 . عُين أستاذ للرياضيات في مدرسة المعلمين العليا ثم للرياضيات التطبيقية  في كلية العلوم سنة 1926م، منح لقب أستاذ من جامعة القاهرة وهو دون الثلاثين من عمره  . انتخب في عام 1936 عميدا لكلية العلوم، فأصبح بذلك أول عميد مصري لها . حصل علي لقب البشاوية من الملك  فاروق . تتلمذ علي يده مجموعة من أشهر علماء مصر، ومن بينهم سميرة موسي .

وقد قال عنه أينشتين :" كان الدكتور علي مصطفي مشرفة موسوعة بشرية، حوت الكثير من النبوغ الذي قل مشابهته في العالم بأسره .. كما قال عنه في حديث آخر كان عقل مشرفة يحوي كثيراً من أسرار الذرة،ولكن القدر شاء ألا يبوح بها .

ولد علي مصطفي مشرفة في 11 يوليو 1898 في مدينة دمياط بمصر، وكان الأبن الأكبر لمصطفي مشرفة أحد وجهاء تلك المدينة وأثريائها، ومن المتمكنين في علوم الدين المتأثرين بأفكار جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده . تلقي دروسه الأولي علي يد والدته ثم في مدرسة " أحمد الكتبي"، وكان مشرفة دائماً من الأوائل في الدراسة، ولكن طفولته خلت من كل مباهجها ؛ حيث يقول عن ذلك :" لقد كنت أفني وأنا طفل لكي أكون في المقدمة، فخلت طفولتي من كل بهيج، ولقد تعلمت في تلك السن أن اللعب مضيعة للوقت – كما كانت تقول والدتي -، تعلمت الوقار والسكون في سن اللهو والمرح، حتي الجري كنت أعتبره خروجاً عن الوقار.

توفي والده في 8 يناير 1910 بعد أن فقد ثروته في مضاربات القطن عام 1907 وخسر أرضه وماله وحتي منزله. وبموت الأب صار الابن علي – الذي لم يكن قد تجاوز الثانية عشرة من عمره – عميداً لأسرته المكونة من أمه وإخوته نفيسة ومصطفي وعطية وحسن، وانتقلت الأسرة إلي القاهرة مع جدتهم لأمهم، حيث استأجروا شقة في حي محيي بك بعابدين.

بينما التحق علي بمدرسة العباسية الثانوية بالإسكندرية التي أمضي فيها سنة في القسم الداخلي المجاني انتقل بعدها إلي المدرسة السعيدية في القاهرة وبالمجان أيضاً لتفوقه الدراسي، فحصل منها علي القسم الأول من الشهادة الثانوية ( الكفاءة) عام  1912، وعلي القسم الثاني ( البكالوريا) عام 1914، وكان ترتيبه الثاني علي القطر المصري كله وله من العمر 16 سنة، وهو حدث فريد في عالم التربية والتعليم في مصر يومئذ . وأهله هذا التفوق – لاسيما في المواد العلمية – للالتحاق بأي مدرسة عليا يختارها مثل الطب أو الهندسة، لكنه فضل الانتساب لدار المعلمين العليا، حيث تخرج منها بعد ثلاث سنوات بالمرتبة الأولي، فاختارته وزارة المعارف العمومية إلي بعثة علمية إلي بريطانيا علي نفقتها .

وهنا بدأت مرحلة جديدة من مسيرته العملية بانتسابه في خريف 1917 إلي جامعة نوتنجهام الإنجليزية التي حصل منها علي شهادة  البكالوريوس في الرياضيات خلال ثلاث سنوات بدلاً من أربع . واثناء اشتغال ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول، كتب علي مشرفة إلي صديقه محمود فهمي النقراشي – أحد زعماء الثورة – يخبره فيها برغبته الرجوع إلي مصر للمشاركة في الثورة، وكان جواب النقراشي له " نحن نحتاج إليك عالماً أكثر مما نحتاج إليك ثائرا، أكمل دراستك ويمكنك أن تخدم مصر في جامعات إنجلترا أكثر مما تخدمها في شوارع مصر ". وقد  لفتت نتيجته  نظر أساتذته الذين  اقترحوا علي وزارة المعارف المصرية أن يتابع مشرفة دراسته للعلوم في جامعة لندن، فاستجيب لطلبهم، والتحق عام 1920 بالكلية الملكية بلندن، وحصل منها عام 1923 علي الدكتوراه في فلسفة العلوم بإشراف العالم الفيزيائي تشارلز توماس ويلسون الحاصل علي جائزة نوبل للفيزياء عام 1927 -، ثم حصل علي مشرفة عام 1924 علي دكتوراه العلوم  من جامعة لندن وهي أعلي درجة علمية في العالم لم يتمكن من الحصول عليها سوي 11 عالماً في ذلك الوقت.

وبعد ذلك عاد علي مشرفة إلي مصر بأمر من وزارة المعارف وعُين مدرساً للرياضيات في كلية المعلمين العليا، ثم عندما حصل علي الدكتوراه في العلوم من إنجلترا – كان أول مصري يحصل عليها -، وحين تم افتتاح جامعة القاهرة عام 1925 عمل بها أستاذاً مشاركاً في الرياضيات التطبيقية في كلية العلوم لأنه كان تحت سن الثلاثين – وهو الحد الأدنى للسن المطلوب لتحقيق وظيفية أستاذ-، ثم منح درجة " أستاذ" عام 1926 رغم اعتراض قانون الجامعة علي منحه اللقب لمن دون الثلاثين.

وحول أعماله العملية وبالذات بحوثه، فنجد أن تلك البحوث لم تأخذ مكانتها في الدوريات العلمية وكان لم يتجاوز 25 عاما، حيث تم نشر أول بحثين  له في عام 1922 وهما البحثان اللذان نال عليهما درجة دكتوره فلسفة العلوم وفي عام 1923 قدم علي مشرفة 7 أبحاث حول تطبيق فروض وقواعد ميكانيكا الكم علي تأثير زيمان وتأثير شتارك، ومن خلال تلك الأبحاث حصل علي درجة دكتوراه العلوم.

وحول مؤلفاته، فقد كان علي مشرفة من المؤمنين بأهمية دور العلم في تقدم الأمم، وذلك بانتشاره بين جميع طوائف الشعب حتي وإن لم يتخصصوا به، لذلك كان اهتمامه منصباً علي وضع كتب تلخص وتشرح مبادئ تلك العلوم المعقدة للمواطن العادي البسيط، كي يتمكن من فمهمها والتحاور فيها مثل أي من المواضيع الأخرى، وكان يذكر ذلك باستمرار في مقدمات كتبه، والتي كانت تشرح  الألغاز العملية المعقدة ببساطة  ووضح حتي يفهمها جميع الناس حتي من غير المتخصصين . وكان  من أهم كتبه الآتي: الميكانيكا العلمية والنظرية 1937، والهندسة الوصفية 1937، والهندسة المستوية والفراغية 1944، وحساب المثلثات المستوية 1944، والذرة والقنابل الذرية 1945، والعلم والحياة 1936، والهندسة وحساب المثلثات 1947، ونحن والعلم 1945، والنظرية النسبية الخاصة 1943.

وقد تتلمذ علي يديه الكثير من الباحثين والدراسين من أمثال: فهمي إبراهيم ميخائيل، ومحمد مرسي أحمد، وعطية عاشور، وعفاف صبري، وسميرة موسي، ومحمود الشربيني.

وتوفي علي مشرفة في 15 يناير 1950  إثر أزمة قلبية، وهناك شك في كيفية وفاته فيعتقد أنه مات  مسموماً، أو أن أحد مندوبي الملك فاروق كان خلف وفاته، ويعتقد أيضا أنها إحدى عمليات جهاز الموساد الإسرائيلي .. وتكريما له أنشأت حكومة المملكة المتحدة منحة تعليمية لدراسة الدكتوراه تحت اسم " منحة نيوتن- مشرفة للدكتوراه في المملكة المتحدة .

وقد كرمت مصر الدكتور مشرفة بإطلاق اسمه علي أحد مدرجات كلية العلوم بجامعة القاهرة، وعلي أحد معامل الفيزياء، كما أطلقت اسمه علي العديد من الشوارع في المدن المصرية، ومنها العاصمة (القاهرة).

وفي عام 1998م منحت كلية العلوم بجامعة القاهرة، اسم المرحوم الدكتور علي مصطفي مشرفة وسام الكلية لمناسبة مرور مائة عام علي ميلاده . وقد حضر هذا الاحتفال الدكتور عادل مشرفة وهو ابن أخ للدكتور علي مصطفي مشرفة، ويعمل أستاذاً بكلية العلوم بجماعة القاهرة، كما حضره العديد من أفراد أسر العالم الكبير الدكتور مشرفة.

لقد كان طموح الدكتور مشرفة تكوين مدرسة بحثية مصرية في حقل الرياضيات الفيزيائية، تهتم بإدخال الحسابات الرياضية النظرية في مجال الظواهر الطبيعية، كما كان يحترم التعاون الدولي والمزج الحضاري في مجال العلوم، وكان يقول :" إن البشرية لن تحقق طموحاتها العلمية إلا من خلال التعاون الدولي العلمي غير الحذر ".

ومن أقواله أيضاً : :" يجب علي الدول المتقدمة أن توقن أن الدول النامية لديها الاستعداد النفسي للتعاون الجاد في حقل العلم والتقنية، لكنها تفتقد الرؤية الصحيحة لتحقيق ذلك، ومن ثم فعلي الدول المتقدمة أن تأخذ بيدها نحو ذلك". كان الدكتور مشرفة يعشق البحث العلمي والفكر، وكان يقول :" لا أتصور أمة لها وجود بدون فكر.

لقد كان الدكتور مشرفة يؤمن بضرورة بناء الأجيال والأثر المهم لذلك في استمرار الشعوب، ويظهر ذلك من قوله :" لقد شهدت البشرية نشأة حضارات عديدة وازدهارها علي سطح الأرض، لكن قليلاً من تلك الحضارات هي التي استمرت وبقيت، ومن ثم لا بد من أن نسأل أنفسنا عن سبب ذلك . لقد فكرت في ذلك كثيراً ووجدت  أن نبوغ مجموعة كبيرة من مواطني مجتمع ما كفيل بقيام حضارة مع وجود العوامل الأخرى المساعدة في قيام الحضارة، لكن اهتمام هذه المجموعة ببناء جيل يكمل بعدها المسيرة كفيل باستمرار حضارة تلك الشعوب، لكن  إن لم  تهتم هذه المجموعة ببناء جيل جديد، سوف تنتهي تلك الحضارة، وسوف تندثر وتزول بمرور الأيام .. اعتقد أنني الآن أجبت عن سؤال يدور في عقل الكثيرين  : لماذا   بقيت  الحضارة المصرية شامخة حتي الآن؟  واندثرت غيرها من الحضارات؟ "... وللحديث بقية ..

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط.

........................

المراجع

1- منى عبد الستار: نماذج من بلادنا : على مصطفى مشرفة، مجلة الاقتصاد والمحاسبة، نادي التجارة، العدد 671، 2019.

2- عبد الباسط الجمل : من تاريخنا العلمي الحديث : العالم الذي مات ومعه الكثير من أسرار الذرَّة : الدكتور علي مصطفي مشرفة، الإعجاز العلمي، الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، العدد 30، 2008.

 

في المثقف اليوم