شهادات ومذكرات

عبد الناصر حمودة.. عاشق إدارة الأعمال

محمود محمد عليما زلت أومن بل ربما أكثر من أي وقت مضي بأن تخصّص إدارة الأعمال يعد واحداً من أهمّ التخصّصات الموجودة بكليات التجارة، ذلك لأنّ المؤسسات على اختلافها تعوِّل عليه تعويلاً كبيراً لأداء مهماتها، وإنجاز أهدافها،  وتخصّص إدارة الأعمال هو واحد من العلوم التي يتعلم منها الطالب أساليب توظيف كافّة الموارد المتوفّرة في المؤسسة، بشكل يحقّق المنفعة العامة في نهاية المطاف، ويجلب الأرباح الوفيرة للمؤسسة، ويحقّق الهدف من العمل. والهدف الرئيسي من إدارة الأعمال هو ربط عناصر الإنتاج الثلاثة وهي الأرض، ورأس المال، والقوى البشرية ببعضها البعض، ولإدارة الأعمال أهميّة كبيرة على العديد من المستويات، وذلك حسب قول محمد نائل دهمان في مقاله عن أهمية إدارة الأعمال.

ويُعبّر تخصّص إدارة الأعمال عن كافّة الأنشطة والمهام التي تنظّم أعمال الشركات، من حيث كلٍّ من أعمال الرّقابة والمتابعة، والتخطيط والتنظيم، والقيادة، وكذلك أعمال المراقبة والإشراف، كما أنّه يُعتبر واحداً من الحقول الواسعة التي تطرح العديد من المجالات المتعلّقة بالإدارة، حيث يقدّم هذا التخصّص للطلبة الملتحقين فيه خلفيةً عامةً عن كلّ من موضوعات التسويق، والإدارة، وإدارة الموارد البشرية، والتمويل، والمحاسبة، وكذلك التجارة الدوليّة، وغيرها .

ويعد الأستاذ الدكتور "عبدالناصر محمد علي حموده همام" (أستاذ إدارة الأعمال بكلية التجارة – جامعة أسيوط بجمهورية مصر العربية) واحداً من أهم الأساتذة المتخصصين في إدارة الأعمال؛ حيث قدّم للمكتبة العربية العديد من المؤلفات والمترجمات في إدارة الأعمال وتفرعاتها المتشابكة ما بين تأليف وتحقيق وترجمة وفي قضايا التسويق، والإدارة، وإدارة الموارد البشرية، والتمويل، والمحاسبة، وكذلك التجارة الدوليّة، وغيرها. وهو ينتمى إلى جيل السبعينات من القرن المنصرم، وصاحب الفضل فى تأسيس مدرسة وطنية أصيلة في علم إدارة الأعمال في مصر والعالم العربي، حيث كان من سماتها الصدق والموضوعية والوعي الحضاري، كما استطاع أن يجمع في شخصه وفكره ونشاطه المفكر، والمترجم، والعالم، واتسمت دراساته في أعمال الرّقابة والمتابعة، والتخطيط والتنظيم، والقيادة، وكذلك أعمال المراقبة والإشراف بالعمق واستشراف المستقبل وتجاوز الأنماط التقليدية في إدارة الأعمال، حيث شرع  في العمل علي دراسة موضوعات مبتكرة تغاير الصور النمطية لرجل الأعمال الناجح، وهو مفكر عملاق صنع فلسفته في إدارة الأعمال بنفسه، وعلمها ليعلم الآخرين.

علاوة علي أنه أحد أساتذة إدارة الأعمال الذين استطاعوا من خلال بحوثهم ومؤلفاتهم في إدارة الأعمال (القائمة علي التخطيط والتحليل والتنظيم في العديد من الأعمال التجارية)، أن ينقل البحث في دراستها من مجرد التعريف العام بها، أو الحديث الخطابي عنها – إلي مستوي دراستها دراسة موضوعية، تحليلية – مقارنة . وقد كان في هذا صارماً إلي أبعد حد: فالنص لديه هو مادة التحليل الأولي، ومضمونه هو أساس التقييم، والهدف منه هو الذي يحدد اتجاه صاحبه.

ولد عبد الناصر حمودة  بقرية البربا لأبوين كريمين في الخامس من مايو عام 1954، وتعلم بمدارسها ومدارس صدفا خلال التعليم الابتدائي  والثانوي، وفي مرحلة الجامعي تخرج من كلية التجارة"- قسم إدارة إعمال جامعة أسيوط عام1976، وفي عام 1982 حصل علي درجة الماجستير في إدارة أعمال في موضوع بعنوان: دوافع العمل لدى القائمين بالتدريس بجامعات الوجه القبلي: دراسة ميدانية مطبقة على جامعة المنيا وأسيوط وفروعها، وفي عام 1990 حصل علي درجة الدكتوراه  في إدارة أعمال في موضوع بعنوان: تحليل التحول الموقعي للمنتجين المصريين في الفترتين 1926-1960 و 1960-1976: رؤية إدارية تطبيقية؛ ورغبةً من سيادته في معرفة قوانين بلاده، وأن العلم لا يكون مقصورًا على تخصص بعينه أو بمرحلة زمنية محددة، حصل الدكتور عبد الناصر على ليسانس الحقوق عام 2009 بتقدير عام جيد جدًا مع مرتبة الشرف.

وقد شاءت الأقدار أن يباشر العمل الإدارة بالجامعة، فقد تم تعيينه معبدا بقسم إدارة الأعمال بكلية التجارة جامعة أسيوط، من عام 1976 حتى عام 1982، ثم مدرس مساعد بقسم إدارة الأعمال بكلية التجارة جامعة أسيوط، من عام 1982 حتى عام 1985، كما كان عضوا في بعثة علمية للحصول على الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية من 1985 حتى 1990، وبعد عودته إلي الجامعة مدرسا بقسم إدارة الأعمال، أُعير للتدريس بكلية العلوم الإدارية جامعة الكويت من عام 1991 حتى عام 1999، وخلال تلك المدة حصل علي درجتي أستاذ مساعد  (في عام 1996)، ثم أستاذاً  (في عام 2005)، وعقب عودته إلي جامعته الأم (جامعة أسيوط) تم تعيينه وكيلاً لكلية التجارة جامعة أسيوط لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة (في عام 2004)، ثم وكيلا لشئون التعليم والطلاب  (2006)، ثم عميدا (2013).

وحول البحوث والدراسات التي كتبها عبد الناصر حمودة فتتجاوز الأكثر من سبعين بحثاً ودراسة، ونذكر منهم علي سبيل المثال لا الحصر: حركية انتقال العمل في ظل العولمة: بحث مرجعي، تطوير نموذج العوامل المؤثرة في تحديد الفرد لاحتياجاته التدريبية: دراسة ميدانية مطبقة على المنظمة الكويتية، تحليل لبعض العوامل ذات العلاقة برغبة الموظف في التقاعد المبكر من العمل: دراسة ميدانية استطلاعية (مشترك)، حساسية المدير للعدالة وعلاقتها بترتيب الأهمية النسبية للعوائد الوظيفية: دراسة ميدانية مطبقة على عينة من المديرين الكويتيين، تحليل مسارات العلاقة بين سلوك المشرف ومترتباته على المرؤوسين: اختبار لثلاثة نماذج سببية مقترحة، أثر بعض العوامل الموقفية على تقدير المشرف للعقوبة: تحليل تجريبي لمجموعة مواقف عقابية مفترضة، طبيعة العلاقة بين الرضا والأداء في المنظمة العلمية: دراسة ميدانية مطبقة على طلاب جامعة الكويت بناء نموذج انحداري متعدد المتغيرات والمراحل للتنبؤ بالسلوك التنظيمي: دراسة ميدانية مطبقة على بعض التنظيمات المصرية.. وهلم جرا .

وأما عن الكتب المرجعية (غير الدراسية) في مجال التخصص التي تم القيام بتأليفها أو ترجمتها أو تحقيقها ؛ فنذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر: إدارة التنوع الثقافي في الموارد البشرية، إدارة وقت المدير العربي، السلوك التنظيمي: البعدان الفردي والجماعي، التسهيلات الإنتاجية: موقعها وصيانتها، تخطيط ومراقبة النظم الإنتاجية، الحاسب الآلي: المقدمة ونظام التشغيل.. وهلم جرا ..

أما عن البحوث التي شارك بها عبد الناصر حمودة  في مؤتمرات أو ندوات علمية محكمة فقط ، فكثير ؛ حيث نذكر منها مثلا: جامعة المستقبل: التحدي والاستجابة، نموذج مقترح لرفع موضوعية نظم الاختيار والتعيين بالمنظمة المصرية، حركية انتقال العمل في ظل العولمة: دراسة لحالة العلم، نحو نموذج متكامل لتتبع تأثيرات إدراك الفرد لحالة الأمان الوظيفي على اتجاهاته نحو العمل، التفاعل مع التغيرات في محيط التعليم الجامعي: مدخل فريق العمل، تطوير نموذج تحديد الفرد لاحتياجاته التدريبية، دافعية العمل: مراجعة للنظرية والأبحاث.. وهلم جرا..

وخلال تلك الأبحاث والدراسات والكتب استطاع عبد الناصر حمودة أن يبرز لنا  باستمرار كيف تتزايد باستمرار أهمية إدارة الأعمال للمجتمع مع الأخذ في الاعتبار التطور التكنولوجي وتطورت الحياة بشكل عام، لأن الإدارة تشكل عصب الحياة بسبب الحاجة الماسة لاتخاذ قرارات واعية مدروسة لتحقيق الهدف المنشود. وحيث أن الإدارة مفتاح للتقدم، فإن التركيز على خصائص النجاح للإعمال وازدهارها ينعكس إيجابياً في ترسيخ قيم وتقاليد العمل، وبذل الجهد، واحترام الوقت، وتنمية التفكير الحر، وتحمّل المسؤولية.

كما كشف لنا عبد الناصر حمودة بأن النجاح الذي تحققه مؤسسات الأعمال يعود بالأساس إلى وجود إدارات قديرة، وقوية، ومتفهمة لطبيعة مهامها وأعمالها، وواعية للبيئة المحيطة بها. لذلك، فإن المهمة الأساسية للإدارة تتمثل في جعل المؤسسة بكاملها تستهدف إلى الانجاز العالي من خلال أفضل تطويع للموارد كافة.

كما أكد أيضا بأننا جميعا نحتاج إلى الإدارة، لأنها الضمان الوحيد لإنجاز الواجبات والحصول على النتائج المطلوبة وفق عملية مُتقنة، فهي تتضمَّن القيام بدور إشرافي مرن وواسع المدى، والتركيز على الآخرين وأدائهم، وتعلّم المهارات الجديدة وتطوير المهارات القديمة، وإعطاء وتلقّى الآراء حول العمل، والتخطيط للمستقبل، وتفويض المهام، والكثير من الممارسات التى تتوسّع وتتعقّد مع ازدياد خبرتك في العمل.

وفي النهاية فإن الكلمات لا تستطيع أن توفي هذا الأستاذ الاكاديمي حقه، صحيح أن هذه الكلمات جاءت متأخرة فكثير ممن يطلقون علي أنفسهم لقب أساتذة لا يعرفون قدر هذا الأستاذ الاكاديمي، فتحية طيبة للدكتور عبد الناصر حمودة الذي كان وما زال يمثل لنا نموذجاً فذاً للمفكر المبدع الذي يعرف كيف يتعامل مع العالم المحيط به ويسايره في تطوره، وهذا النموذج هو ما نفتقده بشدة في هذه الأيام التي يحاول الكثيرون فيها أن يثبتوا إخلاصهم لوطنهم بالانغلاق والتزمت وكراهية الحياة، وإغماض العين عن كل ما في العالم من تنوع وتعدد وثراء.

رحم الله الدكتور عبد الناصر حمودة، والذي وافته المنية خلال الأيام الماضية، وفي النهاية لا أملك إلا أن أقول في حقه ما قاله أحد الشعراء .. رحلتَ بجسمِكَ ياصديقي، لكنْ ستبقى.. شديدَ الحضورِ بكلِّ البهاءِ.. وتبقى ابتسامةَ وجهٍ صَبوحٍ.. وصوتًا لحُرٍّ عديمَ الفناءِ.. وتبقى حروفُكَ نورًا ونارًا.. بوهْجِ الشّموسِ بغيرِ انطفاءِ.. فنمْ يا صديقي قريرًا فخورًا .. بما قد لقيتَ مِنَ الاحتفاء.. وداعًا مفيدُ وليتً المنايا.. تخَطتْكَ حتى يُحَمَّ قضائي.. فلو مِتُّ قبلكَ كنتُ سأزهو.. لأنّ المفيدَ يقولُ رثائي.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم