شهادات ومذكرات

عواصم الدولة العباسية!!

صادق السامرائيمما يميز الدولة العباسية، ذلك القلق الذي عصف بمؤسسيها من الخلفاء، والذي جعلهم يبحثون عن عاصمة يستشعرون فيها بالأمان.

والعديد من الخلفاء بعدهم  كانوا في حالة من الوسوسة بخصوص العاصمة، وبناء المدن التي يأمَنون فيها على حياتهم، ويضمنون تجسيد تطلعاتهم، وتأكيد منطلقاتهم في الحكم.

وهذا مختصر مكثف للعواصم التي إتخذوها أو كادوا أن يعلنوها، ويمكن للمتخصصين بالتأريخ أن يوضحوا لنا الأمور الغامضة بهذا الشأن.

أولا: الكوفة

عندما أعطيت البيعة لابي العباس السفاح في أواخر أيام الدولة الأموية، إتخذ الكوفة عاصمة للخلافة الجديدة وإستمرت (132 - 134) هجرية.

ثانيا: هاشمية الأنبار

بناها أبو العباس السفاح كعاصمة ومات فيها  (134 - 136) هجرية، ولا يذكر كثيرا عنها، ولا توجد قصور فيها، وربما القبر الموجود فيها يعود لأبي العباس السفاح.

ثالثا: الكوفة

أين كان أبو جعفر المنصور قبل بناء بغداد، لا يوجد جواب واضح وقاطع، لكن أكثر المصادر تشير إلى أنه قد  إتخذ مكانا قرب الكوفة قبل بناء بغداد  (136 - 149) هجرية،  ولم توضح حقيقة ذلك المكان، ولا توجد قصور للخلافة تؤكد ذلك، ويُذكر أن له قصر فيه،  وقد وصلت الإضطرابات ذات يوم إلى باحته.

ويبدو أن أبا جعفر المصور كان مولعا بالبناء باللبن والطين، مما سهل إندثار ما شيّده بسبب الأمطار والفيضانات.

رابعا: بغداد

بناها أبو جعفر المنصور المؤسس الحقيقي للدولة العباسية (140 - 149) هجرية، إستمر بناء المدينة تسعة سنوات، وكانت دائرية الشكل، وذات موقع ستراتيجي وسطي، حول نهري دجلة والفرات، محصنة ذات أربعة أبواب.

وبقيت عاصمة منذ بنائها حتى الإنتقال إلى سامراء (149 - 222) هجرية، من ثم عادت عاصمة حتى سقوط الدولة العباسية (279 - 659) هجرية .

خامسا: الرقة

حاول هارون الرشيد أن يتخذها عاصمة، ولديه محاولات أخرى لنقل العاصمة من بغداد، وهو الذي كان يبحث عن مكان لعاصمته قرب سامراء، وقد شيد قصورا فيها، وكذلك من بعده المأمون الذي جعل من مناطق محيطة بسامراء منتجعا له وميادين صيد.

ويروى أن زبيد زوجة الرشيد قالت لمنصور النميري: قل شعرا تحبب فيه بغداد لأمير المؤمنبن فقد إختار عليها الرقة فقال: " ماذا ببغداد من طيب الأفانين...ومن منارة للدنيا وللدين، تحي الرياح بها المرضى إذا نسمت...وجوشت بين أغضان الرياحين"

سادسا: سامراء

بناها المعتصم مدينة تسر الناظرين (سر من رأى)، ولتنافس جمال مدن الأندلس التي شيّدها الأمويون. وأصبحت عاصمة للدولة العباسية (222 - 279) هجرية.

سابعا: دمشق

وفي سنة (243) هجرية، كاد المتوكل أن يتخذها عاصمة للإبتعاد عن الأتراك، وبنى فيها قصرا بداريا وعزم على سكناها،  لكن قادته أثنوه عن الأمر، ورجع بعد شهرين أو ثلاثة

وفي هذا قال يزيد بن محمد المهلبي:

"أظن الشام تشمت بالعراق...إذا عزم الإمام على انطلاق، فإن تدع العراق وساكنيه...فقد تبلى المليحة بالطلاق".

ومن الصعب تفسير هذا السلوك لدى الخلفاء العباسيين، فكأنهم في حالة من القلق وعدم الشعور بالأمان، وفي محاولات للهرب من المحيطين بهم والذين يضمرون لهم الشرور والغدر.

فالدولة العباسية أسِسَت بالقوة وبسفك دماء مروعة، فكان السيف سلطان، والأعداء كثر وإرادة السلطة لا ترحم أحدا، مما جعل القلق يعصف بالخلفاء الأقوياء، ويدفعهم للبحث عن مكان يستشعرون فيه الأمان، وهذا من أهم الأسباب التي جعلت الدولة العباسية تعتمد على الموالي أكثر من العرب، لأن العباسيين قتلوا من العرب والمسلمين أعدادا غفيرة، وإرتكبوا إبادات جماعية بحق الأمويين والعلويين، لتثبيت أركان دولتهم، فهم ربما يحسبون العرب أعداءً لوجودهم، ولهذا كان للموالي بأنواعهم سلطتهم وسطوتهم، كالبرامكة والأتراك وغيرهم.

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم