شهادات ومذكرات

محمود محمد علي: أحمد عبد المعطي حجازي .. رائد حركة التجديد في الشعر العربي (1)

محمود محمد عليفي هذه الأيام تحتفل الأوساط الأدبية بذكرى ميلاد الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي، الرائد في مجال وتطوير الشعر الحديث منذ منتصف القرن الماضي وحتى الآن، فقد أسهم حجازي بالعديد من المؤتمرات الأدبية في كثير من العواصم العربية، وأثرى حياة الشعر مع زملاء جيله من الشعراء مثل صلاح عبد الصبور وغيره، وتعرض في مسيرته لانتقادات شديدة، وواجه خصومات كبيرة، وعمل بالصحافة لسنوات عديدة، ومن ثم سافر خارج البلاد ليكمل دراسته في العلوم والأدب، وحصد جوائز كثيرة، وتم الاستعانة به للتدريس في جامعات خارج مصر، ويعد أحد أهم رواد حركة التجديد الحديث للشعر العربي على مدار سنوات طويلة.

والشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي، هو أحد عصافير الشرق، تعلم كيف يولد كل يوم من كلماته، صوته كان شعراً، وشعره كان رقياً، تجمعت في صوره الفنية ثقافة عربية أصيلة بأجنحة الفكر الحر الغربي، تسبع بثقافة فولتير، وغيره والتقي أعلامهم وتحدث عن سارتر .. لم تكن قصائده شباك علي الحرية ن بل كان ميدانا وحديقة لها، أختار عبد المعطي حجازي مسيرة التميز الأدبي بلغة تعانق في بهائها أجمل الحدائق .. عبد المعطي حجازي .. صوت لا يهاب الإرهاب ولا أصحابه وقلم أوجده صاحبه للمواجهات الفكرية .. عمر عايش حلم الثورة وانتكاساتها ..

يعد أحمد عبد المعطي حجازي في طليعة شعراء المدرسة الحديثة في الشعر العربي، ومن الرواد في حمل لوائها، وله تجربة شعرية طويلة واكبت مختلف التحولات التي عرفتها القصيدة العربية الحديثة، فتطورت من بنية ورؤية واقعة ملتزمة إلى بنية تتنامى وتتعمق فيها القيمة الجمالية واستبطان التجربة الذاتية، مما أضفى عليها خصوصية مميزة دون أن يحد ذلك من القدرة على التوصيل.

كما يُعد أحمد عبدالمعطي حجازي أحد رواد حركة التجديد الشعري في مصر والعالم العربي والتي برزت في النصف الثاني من القرن العشرين، إضافة لكونه صاحب صوت شعري متفرد، وله بصمات واضحة ومؤثرة في الحياة الثقافية المصرية والعربية.

قال عنه الأستاذ شوقي بريع – الناقد المصري المعروف :" إذا كان القلق والتوتر هما السمتين البارزتين اللتين تلازمان الشعراء والفنانين في علاقتهم باللغة والحياة، فأكاد أذهب جازماً إلى القول بأن هاتين السمتين لا تنطبقان على شاعر من الشعراء كما هو الحال مع أحمد عبد المعطي حجازي. فوراء الهدوء الظاهري الذي يشي به سلوك الشاعر، ودماثته وابتساماته الودية، ثمة مزيج من الحزن والقلق الغاضب الذي يتبدى في النظرات الحادة، كما في خطوط الوجه وملامحه الحيرى. وإذا كان الشعر من جهته قد تكفل بتفريغ بعض ما تحمله شخصية حجازي من شحنات عصبية عالية، وتحويلها إلى قصائد نابضة بالتوتر والاندفاع العاطفي، فإن البعض الآخر من تلك الشحنات كان يتم تفريغه عن طريق المواقف السياسية الحاسمة، أو الكتابات النقدية الجريئة، بحيث تحوّل صاحب "مرثية العمر الجميل" إلى طرف شبه دائم في معظم المعارك السياسية والفكرية والأدبية التي شهدتها بلاد الكنانة عبر ستة عقود من الزمن. وما يلفت في هذا السياق هو أن الشاعر الذي يحتفل الآن بالذكرى الرابعة والثمانين لميلاده ما يزال رغم تراجع إصداراته الشعرية حاضراً بقوة في المشهد الثقافي المصري والعربي، حيث ما يزال يخوض حروباً وسجالات بلا هوادة، دفاعاً عن قناعاته المتعلقة بقضايا الأدب والشعر من جهة، وبقضايا الحرية والتنوير، وبناء الدولة المدنية، ومواجهة قوى التكفير الظلامي، من جهة أخرى" (1).

وعبد المعطي حجازي شاعر وناقد مصري، ولد عام1935 بمحافظة المنوفية بمصر، وقد كتب حجازي الشعر فى سن الـ15، وأول قصيدة نشرها عام 1955بعنوان «بكاء الأبد». قرأها الأب ولم يتحمس لها خشية أن يسرقه الشعر من الدراسة، رغم أن مكتبة هذا الأب كان لها دور كبير فى تكوين شاعرنا، حيث قرأ فيها مبكرا ديوان حافظ ابراهيم، وأعمال عبدالله بن المقفع، كما كان رجلا متسامحا يملك نسخة من الإنجيل بجانب القرآن، مما كان له الأثر فى اتساع أفق شاعرنا وتكوينه الفكري بعد أن حفظ القرآن وعمره تسع سنوات.

كان حجازي بدأ رحلته العملية في مجلة صباح الخير فى نفس العام والتقى هناك صلاح عبدالصبور تحت رئاسة أحمد بهاء الدين. ورغم أن اللقاء الأول بينهما كان فاترا فإنهما امتزجا فنيا وإنسانيا ليقودا معا حركة تجديد الشعر العرب، يقول حجازي عن علاقته بعبدالصبور: كنا زميلين متكاملين كثيرا ومتنافسين أحيانا، وقد تعلمت منه شيئا نافعا هو أن حاجتنا للحلم لا تحمينا دائما من وقوع الكابوس.

في العام 1956 كان أحمد عبدالمعطي حجازي على موعد مع صاحبة الجلالة، التي التحق ببلاطها محررًا في مجلة "صباح الخير"، بمؤسسة "روز اليوسف"، قبل أن يُسافر لسوريا بعد قيام الجمهورية العربية المتحدة عام 1959 للمشاركة في إحياء ذكرى "عدنان المالكي"، أحد الضباط السوريين المؤيدين للوحدة العربية بين مصر وسوريا، وألقى حينها قصيدة "في ملعب دمشق البلدي".

عمل حجازي في جريدة "الجماهير" السورية منذ أبريل 1959 إلى أن توقفت الجريدة عن الصدور في سبتمبر من ذات العام، ليعود بعدها مباشرة لمصر ويواصل عمله في كمدير تحرير لمجلة "روز اليوسف"؛ لينضم لكُتاب الأهرام في العام 1990، كما شغل في العام ذاته منصب رئيس تحرير مجلة "إبداع" الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، واستمر رئيسًا لتحريرها حتى العام 2014؛ إضافة إلى انضمامه لعضوية المجلس الأعلى للثقافة، ورئاسة لجنة الشعر بالمجلس.

كما أسهم في العديد من المؤتمرات الأدبية في كثير من العواصم العربية، ويعد من رواد حركة التجديد في الشعر العربي المعاصر. ترجمت مختارات من قصائده إلى الفرنسية والإنجليزية والروسية والإسبانية والإيطالية والألمانية. حصل على جائزة كفافيس اليونانية المصرية عام 1989، جائزة الشعر الأفريقي، عام 1996 وجائزة الدولة التقديرية في الآداب من المجلس الأعلى للثقافة، عام 1997.

عمل مدير تحرير مجلة صباح الخير. سافر إلى فرنسا حيث عمل أستاذاً للشعر العربي بالجامعات الفرنسية. عاد إلى القاهرة ليعمل بتحرير جريدة الأهرام. ويرأس تحرير مجلة إبداع التي تصدر عن الهيئة المصرية للكتاب. عضو نقابة الصحفيين المصرية ولجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، والمنظمة العربية لحقوق الإنسان. دعي لإلقاء شعره في كثير من المهرجانات الأدبية.

وقد خاض الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي معارك كثيرة منذ بداية مشواره الأدبي ولا ننسى بالطبع أولى معاركه وأشدها، حين اصطدم بقامة أدبية كبيرة مثل عباس العقاد في ذلك الوقت حيث لم يتجاوز عمره حينها الـ 20 عامًا، فدافع عن الشعر الحديث؛ إيمانًا منه بقيمة هذا النوع من الشعر، والذي كان يقدمه الشاعران الشباب صلاح عبدالصبور وحجازي (2).

ولم تنته معارك عبد المعطي حجازي برحيل العقاد عن الحياة بل أخذت المعارك مسارات أخرى وكأن التاريخ يعيد نفسه، كأن الماضي الذي شهد الخلاف الشديد بين العقاد وحجازي يعيد نفسه من جديد ويشهد خلاف مشابه له، فنفس المنصب الذي كان يشغله العقاد شغله عبد المعطي حجازي مقررًا للجنة الشعر بعد سنوات طويلة، ولكن كانت معركة عبد المعطي حجازي هذه المرة مع شعراء القصيدة النثرية أشد وأسوأ على حد قول الكثيرين، عن سابقتها مع العقاد، وكان رد حجازي حينها: "أن الصراع بين الجديد والمحافظ سمة كل عصر، ولكن الفرق بيني وبين العقاد أنّه استخدم سلطة الدولة لمواجهة النص الذي كنّا نكتبه، ولكنني أظن بأنَّني لم أستخدم سلطة الدولة لفرض تصوراتي (3).

من مؤلفات أحمد عبد المعطي حجازي: محمد وهؤلاء؛ وإبراهيم ناجي، وخليل مطران، وحديث الثلاثاء، والشعر رفيقي، ومدن الآخرين، وعروبة مصر، وأحفاد شوقي.. الخ.. ومن دواوين احمد عبد المعطي حجازي: مدينة بلا قلب 1959، أوراس 1959،  لم يبق إلا الاعتراف 1965،  مرثية العمر الجميل 1972..

وفي تلك المؤلفات والدواوين يحرص عبد المعطي حجازي كل الحرص على المواءمة بين مقتضيات الجمال التعبيري وقدرة المعنى على التحقق، دون أن يطمسه تعسف الهندسة أو زخرف الأشكال. ولا بد من الإشارة إلى أن اهتمام الشاعر بالفن التشكيلي أسهم إلى حد بعيد في تحويل صوره إلى مشاهد محسوسة قابلة للتمرئي على شاشة المخيلة، وإلى أن اهتمامه بالمسرح أبعد نصوصه عن التنميط ورتابة الصوت الواحد، وحولها إلى محاورات درامية بين الشاعر وذاته، أو بينه وبين العالم، وإلى أن اهتمامه بالموسيقى ساعده على كبح جماح الرخاوة الغنائية في قصائده، وعلى رفد أوزانه بعناصر الغنى الإيقاعي والتناظر الداخلي، وعلى التحكم الماهر بقوافيه، الساكنة بغالبيتها، التي يبرع في استخدامها ووضعها في المكان الملائم. وهذه التقنيات العالية للقصيدة "الحجازية" قد أثرت في كثير من التجارب المصرية والعربية اللاحقة، ومن بينها أمل دنقل الذي أعلن غير مرة عن تأثره بحجازي (4).. وللحديث بقية..

 

أ. د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

................

1- بيمن خليل: معارك عبد المعطي حجازي.. من العقاد إلى شعراء القصيدة النثرية.. 8-6-2021 | 19:05

2- المرجع نفسه.

3- شوقي بزيع: أحمد عبد المعطي حجازي شاعر اللغة المتوترة والمكابدات "الليلية"، مقال منشور بجريدة الشرق الأوسط، بتاريخ الأربعاء - 8 شوال 1440 هـ - 12 يونيو 2019 مـ رقم العدد( 14806).

4-المرجع نفسه.

 

 

في المثقف اليوم