شهادات ومذكرات

محمود محمد علي: نبوية موسى رائدة التعليم والثقافة في مصر

محمود محمد عليالحركات النسائية والتحدث عن تأثير دور المرأة في المجتمع ليس شيئا حديثا على التاريخ المصري الذي يزخم بالعديد من أسماء النساء اللاتي استطعن أن يُنيرن الطريق أمام الكثير من السيدات بعدهن. ومن هذه الأسماء إحدى رائدات التعليم في مصر وهى "نبوية موسى محمد بدوية"  (1886-1951) والتي تعد أول فتاة مصرية تحصل على شهادة البكالوريا وأول ناظرة مصرية لمدرسة ابتدائية.

كما تعد نبوية موسى كاتبة ومفكرة وأديبة مصرية، وهي إحدى رائدات التعليم والعمل الاجتماعي خلال النصف الأول من القرن العشرين، وهي أول ناظرة مصرية، وكانت من رعاة الدكتورة سميرة موسى عالمة الذرة المصرية، وكانت من رائدات العمل الوطني وتحرير المرأة والحركات النسائية المصرية القرن الماضي.

كانت المساواة شعار نبوية موسى؛ فلم تقبل أن تأخذ المرأة نصف راتب الرجل، فقررت دخول معركة البكالوريا -الشهادة الجامعية- لتتساوى مع خريجى المعلمين العليا، ولذلك أنشأت الحكومة لجنة خاصة لامتحانها ونجحت في النهاية.

ولدت نبوية موسى محمد بدوية في 17 ديسمبر 1886 بقرية كفر الحكما بندر الزقازيق، محافظة الشرقية. كان والدها ضابطًا بالجيش المصري برتبة يوزباشي، يمتلك في بلدته بمديرية القليوبية منزلًا ريفيًا كبيرًا وبضعة فدادين يؤجرها حين يعود لمقر عمله. ويشار إلى سفر والد نبوية إلى السودان قبل ميلادها بشهرين؛ فنشأت يتيمة الأب ولم تره كما تقول إلا في المنام. عاشت هي ووالدتها وشقيقها محمد موسى، الذي يكبرها بعشر سنوات، في القاهرة؛ لوجود أخيها بالمدرسة، واعتمدت الأسرة على معاش الأب وما تركه من أطيان. وفي طفولتها ساعدها شقيقها على تعلم القراءة والكتابة في المنزل، فتعلمت نبوية مبادئ القراءة والكتابة، وعلمت نفسها مبادئ الحساب، وعلمها أخوها اللغة الإنجليزية. ويشار إلى تعلمها الكتابة عن طريق محاكاة النصوص المكتوبة. ولما بلغت نبوية الثالثة عشرة من عمرها تطلعت لاستكمال تعليمها، غير أنها لم تجد أي مساندة من عائلتها عند اتخاذها هذا القرار، وجاء بعض من ردود كبار العائلة لنبوية صادمة ومنها: «عيب، مش أصول بنات العائلات، سفور وقلة حياء». وقال لها عمها "البنت للغزل مش للخط" كما ذكرت في كتابها  "حياتي بقلمي" الذي يحوي سيرتها الذاتية.

تقول نبوية موسى في تقديمها لسيرتها الذاتية، التي جاءت تحت عنوان «تاريخي بقلمي»: «أنشأت مجلة "الفتاة" في أكتوبر سنة 1937، وأخذت أكتب فيها بعض ذكرياتي، فأقبل الناس عليها، وطلب مني كثيرون أن أدونها في كتاب، وتلبية لهذا الطلب قمت بسرد ذكرياتي حسب تاريخ حدوثها في حياتي، فكتبت تاريخاً مفصلاً لما تكبدته من مشاق، وما شعرت به أحيانا من اغتباط، إن كان في ذلك التاريخ معنى للاغتباط، وهو تحليل نفسي لفتاة قضت عمرها في جهاد مستمر وهي نفسها لا تعرف إلى الآن أكان سبب هذا الجهاد والنضال المستمر خطأ صدر منها أو هو خطأ المقادير، لهذا أروي تاريخي بالتفصيل وأترك للقارئ الكريم بعد هذا الحكم لي أو علي، وسأتحرى الصدق فيما أكتبه ليبني القارئ رأيه على حقيقة واضحة لديه".

تقص نبوية موسى في مذكراتها رحلتها مع التعليم، وتذكر الكيفية التي تعلمت بها مبادئ القراءة والكتابة في البيت مثلها في ذلك مثل بنات جنسها وطبقتها الوسطى، وتصف كيف تعلمت القراءة من خلال تذوقها الشعر العربي، فكانت تحفظ القصائد العربية التي يرددها شقيقها، وكان يكبرها بعشرة أعوام ثم من خلال التدريب على قراءتها علمت نفسها القراءة، أما الكتابة فقد تعلمتها عن طريق محاكاة النصوص المكتوبة، وهو ما تصفه بقولها: ولما كنت قد حفظت «أي القصيدة» عن ظهر قلب قبل أن أقرأها، فقد كنت أتعلم منها القراءة، ثم ملت بعد هذا إلى الكتابة محاكية ما قرأته".

ولم تكتف نبوية موسى بهذا القدر من العلم، وإنما أصرت على الالتحاق بالتعليم المدرسي، وهو ما لم يكن مقبولاً أو مستساغاً اجتماعياً في بدايات القرن العشرين، فكان عليها بالتالي مواجهة قوتين معارضتين لها وهي الأسرة والمجتمع بشكل عام، وكانت قد قررت الالتحاق بالسنة الثالثة في المدرسة السنية، وهو ما يتطلب معرفتها بمبادئ الحساب، ولما رفضت والدتها تعيين معلم لها استعانت نبوية بأخيها ليأتيها بكتاب الحساب المقرر على السنة الثانية، وأخذت تعلم نفسها مبادئ الحساب، كما لجأت إلى أخيها ليعلمها كما تقول ألف باء اللغة الإنجليزية، مستعينة بالوقت القليل الذي تختلسه من أخيها متحملة تمنعه وسخريته مني.

وتشير نبوية موسى إلى رد فعل والدتها حيال سعيها الالتحاق بالمدرسة السنية، وهو ما اعتبرته والدتها «خروجاً على قواعد الأدب والحياء ومروقاً من التربية والدين»، وهو ما يعكس رؤية المجتمع آنذاك لخروج الفتاة إلى المدارس طلبا للعلم.

تقدمت في مادة اللغة العربية على محمود فهمي النقراشي (باشا)، وعباس محمود العقاد، حيث كانا بين زملائها في الدفعة، ونجحت في هذا العام من بين أربع فتيات فقط، ثم التحقت نبوية بالسنة الأولى في مدرسة معلمات السنية، وفي عام 1906 حصلت على دبلوم المعلمات ثم عينت مدرسة لغة عربية في مدرسة عباس الأول الأميرية بمرتب أربعة جنيهات مصرية، لترفع إلى ستة جنيهات بعد اجتياز مرحلة التمرين، في الوقت الذي يعين فيه خريج المعلمين العليا من الرجال بمرتب اثني عشر جنيهًا، ضعف هذا المرتب تقريبًا.

ولأن المساواة كانت شعارها تقدمت باحتجاج إلى وزارة المعارف تدين فيه هذه التفرقة فجاءها الرد بأن السبب هو حصولهم على البكالوريا، فعقدت العزم على  دخول المعركة لتتساوى معهم، وقد امتحنتها الحكومة في لجنة خاصة بسبب عدم وجود مدارس ثانوية للبنات بمصر آنذاك.

نجحت نبوية في الامتحان وحصلت على شهادة البكالوريا عام 1907 فكان لنجاحها ضجة كبرى، ثم حصلت على دبلوم المعلمات عام 1908.

إلى جانب إدارتها للمدارس قامت نبوية موسى بإنشاء مطبعة ومجلة أسبوعية نسائية باسم الفتاة، كما شاركت في كثير من المؤتمرات التربوية، ولها بعض المؤلفات الدراسية التي قررتها وزارة المعارف، وكان لنبوية موسى نشاط اجتماعي كبير من خلال الجمعيات والمؤتمرات النسائية على المستويين المحلي والعالمي. وأيضًا قامت بتأليف رواية تاريخية باسم "توب حتب" أو "الفضيلة المضطهدة"، ونشرت أيضًا في هذه الفترة ديوانها الشعري، وعرضت حياتها كاملة في كتاب "تاريخي بقلمي".

ومن ضمن الأسباب التي تجعل كتاب "تاريخي بقلمي" جديرًا بالقراءة أيضًا هو أن ملتقى المرأة والذاكرة– الذي قام بنشر هذا الكتاب- واجه صعوبات كثيرة في تقديمه للناس، فهو لم يتوفر في المكتبات الأكاديمية اللهم إلا "متحف التعليم في معهد البحوث والدراسات التربوية"، شاركت موسى في تأسيس الاتحاد النسائي المصري والعديد من الجمعيات النسوية.

بدأت تكتب المقالات الصحفية وتنشرها في بعض الصحف المصرية مثل "مصر الفتاة" و"الجريدة"، تناولت خلالها قضايا تعليمية واجتماعية وأدبية، كما ألفت كتابًا مدرسيًا بعنوان "ثمرة الحياة في تعليم الفتاة"، الذي قررته نظارة المعارف للمطالعة العربية في مدارسها.

وفي عام 1909، تولت نبوية نظارة المدرسة المحمدية الابتدائية للبنات بالفيوم، وبذلك أصبحت أول ناظرة مصرية لمدرسة ابتدائية، نجحت من خلالها في نشر تعليم البنات بالفيوم.

وبعد ثمانية أشهر من العمل تعرضت خلالها لمتاعب ممن ينظرون إلى المرأة المتعلمة نظرة متدنية، رشحها أحمد لطفي السيد ناظرة لمدرسة معلمات المنصورة، وهناك نهضت نبوية بالمدرسة نهضة كبيرة حتى حازت المركز الأول في امتحان كفاءة المعلمات الأولية.

أنشأت مطبعة ومجلة أسبوعية نسائية باسم "الفتاة" صدر العدد الأول في 20 أكتوبر 1937م، واستمرت المجلة تصدر لمدة خمس سنوات، ولكن توجهها السياسي  تسبب في عداء شديد مع حزب الوفد الذي أغلق مدارسها ومجلتها عقب توليه الحكم في فبراير 1942م.

استمر خصوم نبوية موسى في مؤامراتهم ضدها، واستطاعوا أن يقنعوا الإنجليز أن نبوية من الوطنيات المشتغلات بالسياسة فتم نقلها إلى القاهرة وأعيد تعيينها في المعارف بوظيفة وكيلة معلمات بولاق ثم تم ترقيتها في 1916م ناظرة لمدرسة معلمات الورديان بالإسكندرية، التي ظلت بها حتى عام 1920.

في الوقت الذي لم يكن لنبوية موسى عمل فعلي في الوزارة، أخذت تكتب في الصحف وتنشر مقالاتها في جريدة الأهرام، انتقدت فيها نظم التعليم في وزارة المعارف الأمر الذي أثار ثائرة المستشار الإنجليزي للمعارف فمنحها إجازة مفتوحة مدفوعة الأجر.

استغلت نبوية هذه الإجازة فسافرت إلى الإسكندرية عام 1920م، ونجحت بالاتفاق مع أعضاء جمعية ترقية الفتاة في تأسيس مدرسة ابتدائية حرة للبنات في الإسكندرية تولت إدارتها وأثبتت كفاءة ونجاحًا كبيرين، كما قامت في نفس العام  بنشر كتابها الذي دافعت فيه عن

كما شاركت أيضًا في الحركة النسائية وسافرت ضمن الوفد النسائي المصري إلى مؤتمر المرأة العالمي المنعقد في روما عام 1923، مما أثار خصومها فتم نقلها إلى القاهرة بوظيفة كبيرة مفتشات.

وفي سنة 1926،  شنت "نبوية موسى" هجومًا قاسيًا على وزارة المعارف وعلى الوزير مطالبة بتعديل برامج الوزارة، وقصر عمليات التفتيش في مدارس البنات على النساء فقط  دون الرجال أو حتى النساء الأجنبيات، ولما لم تجد نبوية جدوى من شكواها قررت تصعيد المسألة إلى الرأي العام المصري، فكتبت في جريدة السياسة اليومية مقالاً تحت عنوان "نظام تعليم البنات في إنجلترا ومصر".

فأصدر علي ماهر قراره بفصلها من عملها بالمدارس الحكومية، لكن القضاء أنصفها وأعاد لها اعتبارها، وقرر أن تدفع لها وزارة المعارف مبلغ خمسة آلاف وخمسمائة جنيه تعويضًا لها عن قرار فصلها من الخدمة.

انصرفت نبوية موسي منذ إنهاء خدمتها بالمعارف 1926م إلى الاهتمام بأمور التعليم في مدارسها الخاصة فارتفع شأن مدارس بنات الأشراف بالإسكندرية، وأنفقت مبلغ التعويض الذي حصلت عليه من المعارف على تطويرها فأصبحت من أفضل المدارس بناءً وتجهيزًا وإعدادًا وإدارة وتعليمًا.

وافتتحت فرعًا آخر لمدارسها بالقاهرة واستمرت أيضًا في تطويره وتوسيعه حتى أصبح مدرسة ومقرًا لإدارة جريدتها التي أنشأتها بعد ذلك، وقامت بإنشاء مطبعة ومجلة أسبوعية نسائية باسم الفتاة إلى جانب إدارتها للمدارس.

تبنت "نبوية موسى" العديد من الأفكار السياسية التي كانت أقرب إلى فكر النخبة من حزب الأمة وحزب الأحرار الدستوريين، حيث رفضت بشدة نظام الانتخابات المباشرة التي تعطي 85 % من الأميين حق البت في مسائل ومشكلات عويصة على فهمهم، ودعت إلى تعديل نظام الانتخابات ليصبح على درجتين.

هاجمت نبوية موسى الحكم الدستوري في مصر موضحة أن الحكومات الدستورية في البلاد العريقة في أصول الدستور قد تقيد البلاد كثيرًا، وكانت تدعو إلى الحكم الدكتاتوري لأن الوزارات البرلمانية ضعيفة.

كان لنبوية  العديد من الكتابات بجانب ديوان من الشعر يصنفها كأديبة وشاعرة مجيدة، كما لها قصص قصيرة مكتملة كتبتها في عام 1911 تضعها كإحدى رائدات القصة القصيرة، كتبت مسرحية بديعة عام 1932، التي استلهمتها من الحياة المصرية القديمة، وقد تم نشرها في المجلس الأعلى للثقافة في بدايات القرن 21.

بالإضافة لإنجازات نبوية موسى في التعليم وكتابة المقالات، فلها العديد من المؤلفات والكتب التي أثارت ضجة عند نشرها. فقد قامت بتأليف رواية تاريخية هى "توب حتب" وهى رواية تدور أحداثها في العصر الفرعوني ولكنها تُعتبر رمز لمصر في عصر نبوية موسى. تُسمى الرواية أيضا "الفضيلة المضطهدة" وتتحدث فيها نبوية عن الكثير من الأفكار الأخلاقية والعلمية من خلال "توب حتب" الشخصية الرئيسية في الرواية والتي تعمل رئيسة لدور النظام التابعة لدير آمون وهو المكان الذي تدور فيه أحداث الرواية.

دافعت نبوية موسى كثيرا عن مكانة المرأة وحاربت بشدة لتعليم الفتيات. ليس هذا فقط، فالكثير من كتاباتها وأفكارها كانت تُشجع على عمل المرأة وتعتبره جزء هام من نشاط المجتمع. حتى أنها ربطت بين تقدم المجتمع والاهتمام بالمرأة وضرورة إشاركها في العمل. فقد كانت ترى أن المرأة تضطر للعمل بالمهن الشاقة مثل التمريض وبيع الخضار والفاكهة، بينما يُهاجمها المجتمع إذا فكرت في العمل في المهن التي تحتاج لتفكير ومجهود ذهني وليس بدني. وتسائلت كثيرا لماذا هذه التفرقة. كما أسست نبوية موسى الحركة النسائية وسافرت بالوفد النسائي المصري لمؤتمر المرأة العالمي في روما عام 1923. وشجعت الكثير من النساء والفتيات على التعليم والعمل.

بشكل أو بآخر أثارت نبوية موسى الكثير من الجدل خلال حياتها، وتوفت في 30 إبريل عام 1951، بعد أن أثرت بمجهوداتها في مسيرة استرداد حقوق المرأة والعمل على رفع مكانتها في المجتمع.

ولم تكن الشاعرة نبوية موسى بأقل حالا من المناضلة والمفكرة، فتبقى كلماتها فى وصف أبطال مصر: "يا مصرُ يا فخر المدائن والقرى.. كم لجّ دهرك فى العناد وأكثرا! يا أم "آمـون" غدوت بحاجةٍ.. لذكائه المخبوء فى جوف الثّرى".

وقد صدر موخرا كتاب "نبوية موسى" ودورها في الحياة المصرية "لمؤلفه د. محمد أبو الإسعاد، أستاذ التاريخ الحديث، وذلك ضمن سلسلة مؤلفاته حول التعليم في مصر، ومنها تاريخ التعليم في مصر، وسياسة التعليم في مصر مجانية التعليم وغيرها من الكتب القيمة، وكتاب "نبوية موسى ودورها في الحياة المصرية" والذي نحن بصدده يقع في 150 صفحة من الحجم الصغير ويحتوي على مقدمة وأربعة فصول يعرض فيها المؤلف السيرة الذاتية لهذه المؤلفة باعتبارها نموذجًا فريدًا للفتاة المصرية القادرة على تجاوز واقعها، كما يتناول الكتاب دور نبوية موسى السياسي ومواقفها من تحرير المرأة".

ويرى المؤلف أن أفكار "«نبوية موسى" السياسية كانت أقرب إلى فكر النخبة من حزب الأمة وحزب الأحرار الدستوريين، فبالنسبة الى نظام الانتخاب الذي هو أساس الليبرالية السياسية النابية ترفض نبوية موسى بشدة نظام الانتخابات المباشرة التي تعطي 85% من الأميين حق البت في مسائل ومشكلات عويصة على فهمهم، وتدعو إلى تعديل نظام الانتخابات ليصبح على درجتين، وكانت نبوية موسى تهاجم الحكم الدستوري في مصر موضحة أن الحكومات الدستورية في البلاد العريقة في أصول الدستور قد تفيد البلاد كثيرًا، وكانت تدعو نبوية إلى الحكم الدكتاتوري لأن الوزارات البرلمانية ضعيفة.

أما في الجانب الاقتصادي، فإن نبوية موسى كانت من أنصار حرية المشروع الخاص، ولذلك ذهبت إلى أن تركيز الأعمال في يد الحكومات خطر على مال الدولة وسعادة الشعب، وانتقدت بشدة أسلوب الحكومات في التدخل في الأمور الاقتصادية وإدارة ذمة المشروعات الإنتاجية وقصورها عن أن تؤدي ذلك بنفس المستوى، الذي يؤديه أفراد الشعب وجماعاته في أعمالهم الخاصة.

كما أن الشعر كان وسيلة نبوية موسى في كسب عطف القصر الملكي ورضائه، شأنها في ذلك شأن كل شعراء العرب مع السلطة السياسية في كل العصور، واتخذت أيضًا نبوية فرص الشعر سبيلًا في دعم مدرستها الخاصة، وذلك كلما وجدت صعوبة أوقعتنا من جانب أجهزة الدولة.

يذكر المؤلف أيضًا أن نبوية موسى ربطت بين تقدم الأمم ووضع المرأة، وذهبت إلى القول إن تقدم المرأة هو سر تقدم الأمم وقارنت بين حضارة الرومان المتقدمة وحضارة الهنود المتأخرة، وأرجعت ذلك إلى أن الرومانيين كانوا يهتمون بشأن المرأة ويسعون إلى تحريرها، أما الهنود فكانوا يبالغون في استبعادها.

وعن الفروق الطبيعية بين الرجل والمرأة ذهبت «نبوية موسى» إلى أن الرجال قد غالوا في تعداد الفروق الكثيرة بين الرجل والمرأة حتى كاد الإنسان يظنها نوعين متباينين مع أن قوانين الطبيعة الثابتة تبين أنه لا اختلاف بين الذكر والأنثى إلا في مسألة التناسل، ودافعت أيضًا «نبوية موسى» عن حق المرأة في العمل وتساءلت لماذا رضي الرجال للفتاة أن تكون ممرضة ومولدة تخالط الأطباء وتخضع لهم، ويتحكمون فيها ما شاءوا.

وتصدت "نبوية موسى" للقول إن عاداتنا الشرقية لا تسمح للفتاة بالعمل، وطالبت بحق المرأة في العمل؛ لأن المعارضين لعمل المرأة يتجاهلون ما يرونه من حولهم، فالبائعة المصرية تئن تحت عبء ثقيل من الفاكهة والخضروات وتتقاذفها الطرقات، ويتناولها سفهاء الرجال بأنظارهم.. فالمرأة في مصر تشقى شقاءً حقيقيًا والمصرية ليست ممنوعة من جميع الأعمال الشاقة، وهذا ما يدل على أن المرأة مدفوعة بحكم الضرورة إلى العمل فقد قامت بتلك الأعمال الشاقة المتعبة، التي لا تحتاج إلى تعليم فلم تمنع النساء عندنا إلا من الأعمال الراقية فقط التي تحتاج إلى خبرة ودراية ويدفعن إلى العمل الشاق المتعب الذي لا كسب فيه إلا الكفاف.

ويتطرق المؤلف إلى موقف نبوية موسى من موضوع الحجاب، حيث اتسم بالتحفظ؛ لأن «قاسم أمين» اعتبر أول خطوة في سبيل حرية المرأة هو تمزيق الحجاب ومحو آثاره، ولكن نبوية موسى كانت تقول: إنه لا يمكن أن تقوم المرأة بأعمال نافعة إذا كانت تحت ضغط الحجاب، الذي كان معروفًا فيما مضى، ولهذا لم أضع على وجهي هذا الحجاب، الذي نص عليه الشرع، وبذلك اعتبرت نبوية موسى نفسها من أنصار السفور، لكنها خشيت أن تتكلم فيه أو تدعو إليه أو تعلن أنها من أنصاره فتلقى ما لقيه قاسم أمين من اتهامات بالرغبة في المجون والعربدة والانحلال.

ويذكر المؤلف أن نبوية موسى دعت إلى تشجيع التعليم الأهلي للبنات؛ لأن الأمة لا تنتج إلا إذا كانت نشيطة عاملة، ولا تكون نشيطة مادام نصفها أشل لا حياة فيه، فهو بمعزل عن أعمال الدنيا، وأصبحت نبوية موسى من أصحاب المدارس الأهلية عام 1920، وعُرفت مدرستها باسم مدرسة البنات الأشراف، وأصبح لها سمعة وشهرة كبيرة، وأصبحت مصروفاتها أكثر من مصروفات المدارس الأميرية وزاد الإقبال عليها، ثم قررت «نبوية موسى» أن تمد نشاطها من الإسكندرية إلى القاهرة، وكان لها مبنى مناسب في شارع العباسية ووسعت هذا المبنى وجعلته لائقًا وزودته بالأدوات التعليمية اللازمة، وبذلك أصبحت مدارس بنات الأشراف في الإسكندرية والقاهرة من أكبر المدارس الأهلية الحرة للبنات في مصر آنذاك.

ويشير المولف إلى أن نبوية موسى طالبت بتوحيد مناهج التعليم لكل من البنين والبنات، لأن المرأة كالرجل عقلًا وذكاءً، فما يصح في تنمية عقله يصح أن ينمي عقل المرأة، ويرى إدراكها عند غرس المعارف العمومية وتربية إدراك الأطفال، ولا بأس بعد ذلك أن يستعد كل منهم لعمله الخاص، واهتمت نبوية اهتمامًا خاصًا برياض الأطفال، ودعت إلى الاهتمام بأدب الأطفال، فالمطالعة لها تأثيرها الحسن في الأخلاق والمعارف، ولهذا كان أفضل المدارس ما اجتهد معلموها في تنمية حب المطالعة والبحث في نفوس الأطفال، ليستفيدوا إذا كبروا ما يغرس في نفوس التلاميذ في حب المطالعة والكتب والولوع بالبحث والكشف عن الحقيقة وذلك كما يقول الأستاذ أيمن رفعت.

وفي خاتمة الكتاب خلص المؤلف كما يقول الأستاذ أيمن رفعت إلى أن المزيج المصري الناتج من اتصال الحضارة الأوروبية الحديثة بالمجتمع المصري، تميز بتناقض شديد فلا هو استطاع أن يهضم الحضارة الأوروبية ويتمثل قيمتها ويعتنق مبادئها الإنسانية ولا هو استطاع أن يحافظ على أركان حضارته الإسلامية، ويتمسك بها، والنموذج هنا هو شخصية "نبوية موسى".. ففي الوقت الذي تتحدث فيه نبوية عن العلمانية مؤكدة أن الدين لله والوطن للجميع نجدها تتناقض مع نفسها بشدة عندما ترفع شعار الدولة الدينية، وتدعو إلى ترسيم الملك فاروق خليفة للمسلمين، وفي الوقت الذي تدعو فيه نبوية موسى إلى تحرر المرأة ترفض بشدة أن يتساوى الفقير بالغني حتى في أبسط الحقوق الإنسانية، كحق الرعاية الاجتماعية للأطفال المشردين وحق التعليم للفقراء..

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

...........................

المراجع

1- أماني عزام: نبوية موسى.. ذكرى ميلاد رائدة تعليم الفتيات في مصر.. الوفد .. الأربعاء, 17 ديسمبر 2014 14:14

2- مى إسماعيل : نبوية موسي.. ثمرة الحياة في تعليم الفتاة .. الأهرام .. الأربعاء 19 من جمادي الآخرة 1439 هــ 7 مارس 2018 السنة 142 العدد 47938

3-سمر جمال : في ذكرى ميلادها.. «نبوية موسى» أول رائدة تعليم الفتيات في مصر.. مقال نشر الثلاثاء 16/فبراير/2021 - 02:15 ص

4- أيمن رفعت: أضواء على دور الرائدة النسائية نبوية موسى في الحياة المصرية..أخبار الخليج .. العدد : ١٣٠١٣ - الجمعة ٨ نوفمبر ٢٠١٣ م، الموافق ٤ محرم ١٤٣٥ هـ

 

 

في المثقف اليوم