شهادات ومذكرات

سعد جاسم: حول (هايكو عراقي) مشروعي الشعري المسروق.. رؤية وشهادة

سعد جاسميُعتبر الهايكو جنساً ونوعاً ونمطاً وفضاء شعرياً مختلفاً ومغايراً لما هو سائد من انواع وانماط وأشكال الشعرالأخرى؛ ويُمكنني القول أنني سبقَ لي أن قرأت وأطّلعت على كل ماتُرجمَ من نصوص تعتمد أُسس (الهايكو) واصوله وطرائق كتابته اليابانية الاساسية ... وقد استفدتُ منها كثيراً ...

ثم حاولتُ ان أُكرّس فهمي وخبراتي لكتابة هايكو معني بالواقع والحياة العراقية بكل ابعادهما وتفاصيلهما وإشكالياتهما .. حيث ازمنة الدكتاتورية والحروب الفنتطازية والعبثية والحصارات الخانقة والانكسارات والخسارات التي تكبدّها شعبي العراقي المظلوم والمجروح تاريخياً وروحياً وحياتياً... وكذلك فقد كرّستُ اهتمامي بالاشتغال على نصوص تتناول الحياة والوجود والعالم؛ وكنتُ قد بدأت الاشتغال في هذا الفضاء الشعري منذ بدايات التسعينيات؛ وقد كان الاخ الأَديب (علي خصباك) شاهداً حياً وحقيقياً على بدايات اشتغالي على مشروعي هذا؛ فقد حدث ذات صيف عراقي قمنا فيه أنا وعلي برحلة الى بغداد؛ ولاأُخفي ان رحلتنا تلك كانت محض مغامرة حقيقية؛ وكنا قد أطلقنا عليها – في وقتها-) الرحلة الاسطورية، وذلك لما حفلتْ به رحلتنا تلكَ من مواقف وتفاصيل فنتازية عجائبية وغرائبية . وقد حدث ذات ليلة من ليالي تلك الرحلة وفي لحظة تجلٍ خمري ان تفجّرت مخيلتي بفيض من (الهايكوات)

التي كانت تمورُ وتُختزن في مخيلتي والتي كنت أحلم بكتابتها منذ فترة ليست بالقصيرة وذلك تتويجاً لقراءاتي ولحبي واندهاشي بما تُرجم من نصوص في هذا النمط والنوع الشعري المدهش والمثير؛ وفي ليلتنا البغدادية تلك حدث ان تجلّتْ مخيّلتي بومضات احسستُها مدهشة ومتوهجة.. فرحتُ لحظتها اتهجد بها وكان "علي" يدوّن ما أفيض وأَتجلى وأُشرق به؛ وقد بقيتُ لساعات أترنم وأرتّلُ بتلك الومضات الى ان أدركنا سلطان النوم اللذيذ. وفي حقيقة الأمر أننا وحينما صحونا من نومنا الطويل في اليوم التالي؛ كانَ صديقي خصباك قد فاجأني برزمة من الاوراق التي كان قد دوّن فيها فيوضاتي الهايكوية ..

وعندما قرأناها معاً شعرنا بالدهشة وغمرتنا حالة من الفرح الخفي: هو فرح الشعر واشراقاته الباذخة .. وبعد العودة الى مدينتنا الحلة – بابل الجميلة قمتُ بقراءة النصوص ثانية وثالثة وعاشرة وقد أعدتُ كتابة بعضها من جديد وإجريتُ تعديلات على البعض الآخر وأضفتُ لمسة هنا ولمسة هناك .

ولااخفي كذلك انني كنت قد قمت بتمزيق بعض النصوص لأنني وجدتُ انها لاتتوفر على شئ من الدهشة وليست هي الذي أريده .

وبعد فترة قمتُ بنشرعدّة اقسام من مشروعي هذا في عددٍ في الصحف والمواقع الألكترونية العراقية والعربية تحت تسمية (هايكو عراقي – او مفاتيح النصوص). وقد كان البعض من محرري الصفحات والمواقع الثقافية يحذفون عنوان (هايكو عراقي) ويبقونَ على عنوان (مفاتيح النصوص) .

وعندما كنت اعترض وأعاتبهم على حذف عنوان (هايكو عراقي) كانوا يردّون عليَّ اما مازحين او ساخرين : (ياأخي هل نحن يابانيون؟) أو (نحنُ لسنا يابانيين ياصديقي)، الا أن بعض المواقع الثقافية الألكرونية كانت قد نشرت العنوانين معاً وأذكرُ منها مواقع (الحوار المتمدن ومركز النور الثقافي وصحيفة المثقف وموقع الناقد العراقي وبنت الرافدين ومجموعة من الصحف والمجلات العراقية والعربية وغيرها من المواقع الثقافية الألكترونية .

وكذلك كنت قد نشرتُ قسماً منها في كتابي الشعري (موسيقى الكائن) الصادر ضمن منشورات اتحاد الادباء والكتاب العراقيين في عام -1995- ونشرتُ أَيضاً هايكوات اخرى في مجموعتي الشعرية (طواويس الخراب) الصادرة عن دار الخليج للنشر في العاصمة الاردنية عمان في عام 2001.

ولكنَّ الغريب والعجيب والمدهش في الأمر؛ أنَّ "البعض" من المتشاعرين والادعياء والطارئين قد قاموا بالاستحواذ على مشروعي هذا وسرقة ثيمات وصور وأشكال العديد من نصوصي وافكاري ورؤاي، وهناك عدد من المنتحلين واللصوص الوقحين والمخجلين الذين هم بلا اي ضمائر واخلاق ثقافية؛حيث ان البعض منهم قد راح يُصرّح ويدّعي بأَنه هو صاحب هذا المشروع الشعري؛ متوهماً ومُتناسياً ان الإدعاء شيء والمنجز شيء آخر ومختلف تماماً؛ حيث أنني وعند اطلاعي وقراءتي للبعض من (ومضات) هؤلاء الأَدعياء والمُنتحلينَ،

فقد وجدتُ أَنها ليس لها اية علاقة بـ " الهايكو " كجنس الابداعي ونمط ادبي صعب جداً لأنَّه يعتمد على عدّة عناصر وقدرات وإمكانيات ورؤى؛ ويقوم على إقتناص الصور الشعرية الحيّة والساخنة من الطبيعة والحياة . ويحتاج الى مهارات عالية في التكثيف اللغوي وصناعة الدهشة والمفاجأة والومضة والصعقة الشعرية؛ وانا الزاهد والعارف فلا تضيرني مثل هذه الادعاءات والاساءات لأنني مؤمن بـ " وأمّا الزبد فيذهبُ جُفاءً) والحقيقة لاتُغطّى بغربال كما قيل ويقال .

وأريد الاشارة الى انني ومنذً ذلك الوقت ولغاية الآن مازلتُ مستمراً بالاشتغال على مشروعي هذا؛ حيث أنني وبين آونة وأخرى اعود اليه وأكتب مجموعات من الهايكوات الجديدة .

وقد تسنّى لي أن أُنجز ثلاثة كتب من شعر الهايكو،وهي:

 1- (غابة هايكو) صدر في عام 2016عن مؤسسة فكرة –القاهرة –مصر .

2 - (مهرجان لضفادع باشو) تحت الطبع الآن

3- (زنابق في قلب الماء) مخطوط هايكو .

وها أَنا أَضعُ بين ايدي القارئات والقرّاء والمُتلقيات  والمُتلقين الأَعزاء (شهادتي) هذه؛  ازاء مااسميته انا " شخصياً " وأشتغلت عليه طوال ما يقارب الثلاثين عاماً الا وهو) الهايكو العراقي (ومن اللافت للانتباه والاهتمام أَنَّ الاخرين، وأَعْني: الذين جاءوا من بعدي بأكثر من عقد من الزمان، وصاروا يُطلقون تسمياتهم الشخصية والخاصة على هايكواتهم كل حسب بلده او كما يعتقده هو؛ ولكن المؤسف في امور وسلوكيات ومواقف جميع الذين " إنتحلوا او اختطفوا او إستحوذوا " على مشروعي الهايكوي العراقي والعربي الجديد والذين احييته بعد مايمكن أن اسميهم " جيل الرواد العرب الاوائل "؛ وهو ان الجميع قد قاموا بإقصائي والتعامل معي بكراهية وعنصرية وطائفية ونزعة شللية ومافوية، وكانوا قد قاموا بأفعالهم ونزعاتهم وحالاتهم المرضية تلك، إنطلاقاً من رغباتهم وأوهامهم وضعف مواهبهم ووعيهم الشعري والادبي والابداعي، وبالطبع فهنا وهناك إستثناءات لبعض الاسماء والتجارب الإبداعية التي منذ ان ولجت مشروع الهايكو العراقي والعربي، كان عندها هاجس ومسعى وطموح حتى يكون لهذا المشروع وجوده وحضوره وعمقه وفرادته في الشعرية الهايكوية العالمية . الشعرية الهايكوية العالمية. وبعد رحلتي "الهايكوية" الطويلة والممتعة والمريرة أَيضاً، ها أَنا اطرح شهادتي هذه ورؤيتي حول شعر(الهايكو) بوصفه جنساً ونوعاً ونمطاً وفضاء شعرياً مختلفاً ومغايراً له تاريخه ورواده وحضوره وأثره المتوهّج في شعريات العالم .

 

سعد جاسم

 

في المثقف اليوم