نصوص أدبية

مَنَارَةُ المَـجْدِ

نور الدين صمودمنارةَ المَجْدِ، يا فخري لدى نـَسَـبي!

             نَـوَّرْتِ خَضْرَاءَنَا مِنْ سَالِفِ الحِقـَبِ

وَكُـنْتِ دَرْبَ الهُدَى للمُسْتـَنـِيـرِ بـِمَا

          في سرِّ زَيْتِـكِ مِنْ نُـورٍ ومِـنْ لـــهــبِ

بِهِ اسْتضَاءَ الأُولَى لمْ تـَعْشُ أَعـْيُنُهمْ

           عَن نُورِ عِلمٍ، بِـلـَيـْلِ الجَهْـلِ والرِّيـَب

وكنْـتِ، في كـُلِ عَصْرٍ، قِبلةً جَمَعَتْ

            مـَنْ أَمَّ دَرْبَ العُلـَـى والعـلـمِ والأَدبِ

فَتَّحْتِ أعيُنَ مَنْ ضَلـُّوا السَبيلَ، عـَلَى

             نُورٍ يُبـَـدِّدُ ما قـَدْ رَانَ مـن سُــحُــبِ

وباسْمِـهـِمْ تـَـفـْخَـرُ الدنْيا إذا ذُكِروا

          حتَّى تَـمِـيلَ رُؤُوسُ النـّاسِ من طـَرَبِ

رفَعْـتِ أَعلامَ عِلـْـمٍ فَـوقَ صَرْحِكِ، يا 

            زيتـونـةَ المـجـدِ للإسـْــلامِ والعـَـرَبِ

في كل نــادٍ تَـــراهـــمْ بـحــرَ مـعرفةٍ 

              لله درّهُـــــمُ مـــن ســـــادةٍ نُـجُـــبِ

 حيّـاهــُـمُ اللهُ مـن أشـــيـــاخِ معـــرفةٍ 

           كـَانوا هُـداةً بـِأُفـْــقِ العِــلْمِ كالشُّـهُــبِ

هُمُ المنـاراتُ، قـــدْ شعَّــتْ معارفُهـمْ

            وسُجِّلتْ في مطَاوي الذِّهْـنِ والكُـتـُبِ

 كَانُوا دُرُوعًا بِعَـهْـدِ الظـلمِ، لـم يَهنُوا

            فَـبَاءَ غَـازِي الحِمَـى بالويْلِ والحَرَبِ

وخلـَّـفَ الـرأسُ أذْنـابًــا تُـحـــاولُ أنْ

           تُطفي السِّراجَ، وليسَ الرأسُ كالذَّنَبِ!

سِوى العَقاربِ من بعض الأقارب مَن

           كـانــت زبـــاناهــمُ للَّسْـــعِ والعطَــبِ

هـَـمّـُـوا بِإطـْـفـاءِ نُـورِ اللهِ، فانْطفـؤوا

           وجَرَّرُوا خِزْيـَـهمْ، يـا سُـوءَ منقَـلَـبِ!

يا جَامِعَ العلْمِ في عهدِ الجهـَالَـةِ، بَـلْ

            يا شمْسَ معـرفـةٍ شعّـَـتْ ولــم تـَـغِبِ

 قدْ كنتَ صـَـرْحًا لِـعِــزٍ لا انكِسارَ لَهُ

            إذا رآهُ جَـــبـانٌ، فـَـــــرَّ مِــنْ رَهَــبِ

كـانتْ بِـهِ حَلَقـاتُ الـدرْسِ أَنْــدِيَــــةً

          تـُعِيــدُ رُشْـــدَ الـــذي للرشْــدِ لـم يَؤُبِ

يا حُلْمَـنا الغضَّ في ماضِي شَـبِـيـبَـتِـنَا

            شَابَ الزمانُ ومِنْـــكَ الرأسُ لم يَشِبِ

وأشْرَقَتْ شـمــسُ نـورِ العِلْمِ سـاطِـعَةً

           إذْ عَـادَ مَجْدُك، يا زَيْتُونَـــةَ العـَـربِ!

يا جــامـــعًــــا قـــد غَـدَا للعلمِ جامعةً

            تُحْيي الرّجَاءَ، وهــذا خَيْـرُ مكتـَـسَبِ

بهــــا تـحقّـقَ للمـَــاضـيـنَ مَأْمَلُــهمْ

            أيّامَ سَـطْــوِ ذَوِي البِيـعَــاتِ والصُّلُبِ

وأيْقَظـَـتْنَــا أغَاني المهرجــانِ علـى

            تحقِيقِ حُلْمٍ بَــديــعٍ رائـــعٍ عَــجَـــبِ

ثلاثةٌ مِـنْ قُـرونِ العـــلـــمِ حـــافـلـةٌ

             مِــنْ قـَــبْـلِـهَـا ألْفُ عَامٍ، دُونَمَا تَعَبِ

فيهَا لِزيْتِـــكِ إشعـــاعٌ يُـضـِـيءُ لـنـا

            دَرْبَ الصَّوابِ، وَيَمْحُو اللَّيْلَ باللَّهَـبِ

زيتـــونـَـــة َ العِزِّ يَـا جِذعًا بِهِ نَبَتَـتْ

             فـُرُوعُ عِلمٍ مَدَى الأيـــامِ والحِــقَــبِ

 إذا افتَخَرْتُ بشـــيءٍ كُنْــتُ مُفتخِرًا

             بأنِّـنـي لاسْمِـــهَــا شُرِّفـْتُ بالنَّسـَـبِ

لمِثْلِ مَجْدِكِ فلـْتـَـسْــعَ النــفــوسُ إذا

             كانتْ كبارًا، لِتَرْقى عَـــالــيَ الرُّتبِ

وسِفـْرُ مجـدِكِ مثـْــلُ النُّورِ أحــرُفـُهُ

             قد خَط َّ عنــوانَــهُ التــاريخُ بالـذهبِ

يظــل يعجَبُ ممــن قـــال قـــائِـلـُهم :

             "السيْفُ أصـــدقُ أنباءً من الكـُتـُبِ"

***

أ‌. د. نورالدين صمود

........................

إنارة لطريق القصيدة

أقدم جامعة في العالم العربي والإسلامي هي جامعة الزيتونة بقلب عاصمة تونس الخضراء العتيقة تخرج فيها كثير من الأعلام المشاهير نكتفي منهم بذكر العالم الموسوعي مؤسس علم الاجتماع المؤرخ عبد الرحمن بن خَلدون (1332-1406م) ومن أشهر مَن تخرج فيها في العصر الحديث: الشاعر التونسي الأشهر أبو القاسم الشابي (1909-1934 م)وغيرهما كثير عبر التاريخ، وقد ألقيت هذه القصيدة في الاحتفال الثاني الذي أقامته جامعة الزيتونة بمناسبة مرور 1300 سنة ميلادية بالضبط على تأسيسها

ملاحظة نادرة خاصة جدًّا: دَرَسَ صاحب هذه القصيدة في الزيتونية ودرَّس في جامعتها، والطريف أن بين تاريخ ميلاده وتاريخ ميلاد ابن خلدون خمسة قرون بالضبط، فهو [أسنُّ] من صاحب المقمة بما يناهز عِقدا من الزمان، و[أسَـن] من الثاني بما يجاوز ستين سنة، ويرى أنهما [أكبر] منه وكل منهما جدر بالتقديم. وقول لكل منهما ما قال ابن مالك صاحب الألفية لابن مُعْطي صاحب الألفية السابقة لألفيته:

وهْو بسَبْقٍ حائزٌ تفضيلاَ**مُسْتوجبٌ ثنائيَ الجميلا

 

في نصوص اليوم