نصوص أدبية

لمى ابوالنجا: شيخوخة ممتعة

كل صباح أشتم  الأسباب السخيفة التافهه التي أبقتني مستيقظة إلى ما بعد منتصف الليل، أضبط المنبه على الساعه الخامسة والربع فجراً كي أتجاهله إلى السادسة وعشرين دقيقة أقف عند المغسلة،أغمض عيني بقوة عدة مرات وأمر على مستقبلي بحوارات سريعة، ماذا بعد التقاعد؟ ماذا لو كنت سيدة أعمال؟ ولكن أي أعمال بالضبط؟ حسناً لا أظن أنها فكرة جيدة فأنا لا أجيد التفكير بالمشاريع ولا بتحمل مضاربات الأسهم، الربح والخسارة والإستثمار فليس هناك من شيء أسرع من صعود وهبوط مزاجي ووزني، ماذا لو أصبحت من مشاهير التواصل الاجتماعي؟ لا أعتقد أن الموضوع يحتاج تعقيد كل مايتطلبه الأمر هو فتح حسابي في سناب شات على العام فأنا لدي محتوى جيد ..لكن ماذا عن الجمهور؟! سوف أكرههم ويكرهوني بالمقابل

الحل الأسلم هو أن أطمح للتقاعد المبكر ثم أغسل وجهي، أنظر إلى المرآة محاولة أن افتح عيني بأصابعي أعود إلى غرفتي أغير ملابسي أركل بجامتي الملقاة أرضاً وكل ماصادف طريقي.

عادات صباحية سيئة..

أركب السيارة مع السائق وأكمل نومي ولا أستيقظ إلا عند بوابة المستشفى، في إحدى المرات كدت أقع أرضاً جسدي كان لايزال مخدراً ولم تحملني قدماي اقترب مني رجلاً كبيراً في السن قال: انتِ بخير؟ أطلب لك عربة؟ قلت له: شكراً يا عم أنا نزلت بسرعة ولم أحسب المسافة بشكل صحيح بين السيارة والأرض، هذا كل شيء نظر إلي بصدمة، فهو لم يستوعب حتى اللحظة سبب عرقلتي ليستطيع أن يستوعب ما أهذي به في هذا الصباح، تعابير وجهه وإستغرابه أدخلتني في نوبة من الضحك فبدا الموقف مريب ومرعب لهذا المسكين.

كنت السكيرتيرة المسؤولة عن البرنامج التدريبي لطلبة الطب والإمتياز والأطباء المقيمين كمنسقة لإجراءات قبولهم وتقييماتهم ومساراتهم التدريبية ولأن أعدادهم كثيرة جداً كل شهر يصعب علي تذكر الجميع ولعل مسألة كثرة العدد هي مجرد حجة واهية أتمسك بها لمداراة خيبة ذاكرتي وحقائق أخرى قاسية أحاول تجنبها، عندما أفند مستنداتهم الرسمية لتسجيلهم في النظام أجد أن العديد منهم بالكاد تجاوز ال٢٣ من العمر وذلك يدفعني بشكل لاواعي إلى عنصرية الأجيال.

وصلت المكتب وقبل أن أضع حقيبتي على الطاولة وإذ بطالب إمتياز من طلبة الطب يطرق الباب بكل أدب ،صحت بصوت مرتفع قلت " ألووووو" كان المقصد أن أقول "تفضل"لكن كان ذلك أفضل ما لدي تلك اللحظة وأنهرت في نوبة ضحك من جديد. إلتفتُ خلفي لم أتوقع أنه طرق الباب وفتحه،قال والدهشة تملأ عينيه :

عفواً … حضرتك أستاذة لمى؟

لم أستطع الرد من شدة الضحك، أشرت له بيدي أن يدخل المكتب، فقال: أستاذة لمى هل معك مكالمة أو تكلميني أنا؟ ظن أني أضع السماعات اللاسلكية مباشرة توقفت عن الضحك وتجهم وجهي وتكلمت معه بكل جدية وحزم قلت: نعم..أكلمك أنت.

سألني عدة أسئلة وطلبت منه ان يعود لي بعد الظهر

أردت كسب بعض الوقت لشرب كوب قهوة عالاقل لعله يصلح بقية يومي

لكنه لم يعود منذ أسبوع.. ولا أظنه سيفعل

بعد الظهر حضر إلى مكتبي طبيب إمتياز آخر طلب مني تجهيز توصيه له من أحد الإستشاريين فقلت له أعطيني نصف ساعة أنهي بعض المهام العاجله وأجهزها لك قال بكل إحترام:حاضر وشكرا لتعاونك

خرج وعاد لي بعد نصف ساعة سألني: أستاذة لمى هل أنهيتي التوصية؟

نظرت إليه بدهشه: من أنت؟

فقال: أنا عبدالرحمن طلبت منك توصية وقلتِ لي تعال بعد نصف ساعه..

رديت: آه تذكرتك لكن التوصية كانت من أي استشاري بالضبط؟

كان الشاب كان في حالة صدمة قال: إذا لم تتذكريني أبدا!! سحب ورقة صفراء وكتب عليها تفاصيل فترته التدريبية واسم الاستشاري واسمه بالكامل وقال: سوف أعود لك بعد صلاة العصر.

كنت قد كتبت التوصية وتركتها على جنب ثم تابعت عملي

عاد لي بعد العصر لكن كنت مشغوله بمحادثة عنيفه على الهاتف مع أحد الأقسام، وقف عند الباب ثم قرر الخروج من المكتب ربما بسبب أن مارآه جعله يخمن مدى سعة خلقي ومزاجي الهاديء ..

في صباح اليوم التالي عاد إلى المكتب أذكر أني حينما رأيته شعرت بهبوط في الضغط، بردت أطرافي وجف حلقي

وعقد لساني عن الكلام وقلت في نفسي من هذا؟؟ وماذا يريد الآن؟؟

وقف أمام المكتب قال: أستاذة لمى آسف لإزعاجك لكن هل جهزت التوصية؟ وقبل أن أجيب قال:

لا لا غير معقول!! لاتقولي انك نسيتيني!!

لا أدري ماذا رآى بالضبط لإستنتاج أني نسيته بالفعل وقد محي من ذاكرتي تماماً، قلت له بحدّة:

طبعا لا.. انت طلبت تقييم جامعة الملك عبدالعزيز البارحة.

قال: لا..أستاذة لمى طلبت منك توصية

ضحكت بطريقة محت بريستيجي قلت له اه جهزتها لك منذ البارحة تعال إجلس على الكرسي حالما أنتهي فقط من كتابة هذا البريد..

كان البريد عبارة عن قائمة طويله جدا لأطباء الإمتياز والأطباء المقيمين الذين سوف يبدأون التدريب الشهر القادم وكنت قد نسيت نظاراتي بالمنزل فإلتصقت بالشاشه وبدأت أبحث عن الأسماء وأتمتم بترديدها كي أركز وبالطبع نسيت المسكين الجالس بجانبي.

وأنا أقرأ القائمة إسم إسم: أحمد، فيصل، عبدالله

قال: عبدالرحمن

ضحكت وقلت له: لا ليس إلى هذا الحد ثم أعذر الجدة

قال: كيف جدة وما زلتِ صغيرة؟!

في أثناء ذلك دخل طبيب آخر وشاهدني وانا أدخل الشاشة فقال: لمى واضح ماشاء الله انك تصغرين في السن ثم قال عفواً هل قاطعتكم؟

رد عليه عبدالرحمن والضحك يتملكه: صارلي يومين انتظرها تكتب توصيه لكن الفرج قريب

اعطيته التوصية واعتذرت عن التأخير

بعد شهر وفي نهاية فترته التدريبية أحضر لي علبة شوكولاته ووردة حمراء وقال: لا أعرف إن كنتِ تذكريني أنا عبدالرحمن طلبت منك إعداد توصيه من قبل هذه هدية بسيطة شكر على جهودك معانا..

قلت له: صدقني لن أنساك أبداً

ومع ذلك..نسيته

حسناً أعتقد أن شيخوختي سوف تكون ممتعة و ها أنا الآن أقبلها برحابة صدر

***

لمى ابوالنجا – أديبة وكاتبة سعودية

في نصوص اليوم