نصوص أدبية

عقيل العبود: رحيل الزنابق

عقيل العبودلا أحد يقدر أن يواجه شبح الموت، مع هذا الخراب الذي ما انفك يعلن عن نفسه بين الفينة، والفينة وفقا لتأويلات يجري إشاعتها بطريقة المكر الإعلامي من قبل جهات مسؤولة، لتغطية معالم الجريمة على أساس تصنيفها، وإخضاعها لمعادلة الزيف التي ما انبرت تفرض نفسها في فضائيات المحافل، مع الإبقاء على قانون الجناة.

هو نمط من الحكايات لا يحق للعامة اعتراض مساراتها، هذا الكم الإخباري الذي نكاد أن نصدقه، ونحمله في أفكارنا ليتشكل بناء على لغة المفاهيم، والتصورات بطريقة مدروسة.

لقد بقيت مشاهدها تلك الواقعة تدور مع رقة فراشة تقدمت بجناحيها ذات يوم نحو مهرجان من الزهور اختطف الأجل منها رائحة الحياة، لتغادر رحيق أنفاسها على حين غرة.

وتلك حكاية لها علاقة بحادثة بقيت صورتها في الذاكرة؛

انسل الشجن مع جنازات الردى متجهاً نحو فضاءات اجتمعت فيها أجساد تكورت، وفقا لنافلة الضوء القاصر ليعقبها بعد حين بخرس ذاهل؛ قافلة من الأطفال الخدج فارقوا الحياة، إثر خلل في منظومة الحاضنات الخاصة بحمايتهم، بعد أن فارقت أنفاسهم حركة هذا العالم عند ارتعاشات صمت، أوعزت أسبابها إلى انقطاع التيار الكهربائي نتيجة عطل مفاجئ.

وبذلك غدت شاحبة تلك الإمضاءات، وسارت أرتالها

بهيئة شهقات توقفت أصداء سقسقاتها الاخيرة،

بعدما تداعت شروط المكان الذي بقيت آثاره قائمة تتناسل مع غبش الصبح، ورائحة الفجيعة.

ذهبت عاملة الصالة، تلك الفتاة بعيداً، تدون ملاحظات أثارت استغراب المسؤولين بعد أن عثرت على مجموعة ملفات لها علاقة بمجريات الحادث.

غدت ساكنة تلك الكائنات التي تشبه بالونات استسلمت للسكون، بعد ان توقف كل شي، لتصبح أشبه بهياكل بلاستيكية هامدة.

دبت الإشاعة حول موضوعة عطل مفاجئ في منظومة الأجهزة المتعلقة بهذا النوع من الخدمات، ولم تكن الممرضة قادرة لأن تستوعب شروط التفاصيل الخاصة بأروقة الردهة المخصصة لهذا الأمر، بينما مع المنظر مشهد راح يتحرك بعيداً في النفس، لعله يبحث عن مكان به تستقر حركة التساؤلات.

 

عقيل العبود

......................

* كتب النص بعنوان هجرة الصمت في كتاب حقائق غير هامشية الذي تم نشره عام ٢٠٠٠، والنص يحكي عن تعرض مجموعة أطفال خدج إلى الموت في إحدى مستشفيات مدن العراق في تسعينيات القرن المنصرم، بسبب خلل كهربائي، وتم تنقيح النص وإعادة كتابته تحت عنوان رحيل الزنابق متضمناً حقيقة اللامبالاة السياسية، والتي بسببها يتكرر هذا النوع من المشاهد ولو بصور أخرى.

 

في نصوص اليوم