نصوص أدبية

محمد الدرقاوي: حبة لؤلؤ...

الى حدود اللحظة لا ادري اين وجدت سلمى بنتي ذات الشهر التاسع وهي تدب حبوا كالحلزون في البيت حبة لؤلؤ فبلعتها؛

عقدي الوحيد والذي جلبته أمي هدية لي من إحدى دول الخليج يستكين في حُقه المذهب سليما لم يفقد اية لؤلؤة من حباته، رغم عيون زوجي المصوبة نحوه، عنه يراودني بين وقت وآخر..

"عقدك كنز مدفون وترويج قيمته ثروة حياة"

زوجي الذي حوَّل ما حدث لفلذة كبده الى سخرية مني: "انفرطت الحبة من عقد عشيقة أتت معي الى البيت وبدل أن نقضي الوقت بين القبل والضم قتلنا لحظات الوصال في لملمة حبات عقدها"؛

وإمعانا في السخرية مني أضاف:

ـ" صغيرتنا مبروكة، ألم تسمعي بالدجاجة التي تلد ذهبا؟ تلك هي بنتنا وعليك ان تقلبي برازها يوميا "..

أدرت وجهي عنه وانا حانقة اردد:

ـ مهمة تنازلت لك عنها..

كلمات زوجي أكذب لو قلت أني لم اضعها في بؤرة أنتباهي واهتمامي، فأنا أدرك مرضه بوعي، كل أنثى تحرك عيون زوجي بالتفات،لها يمضغ عشقا، وخاتمي في أصبعه لا يضايقه بحرج ولعنة، بل لا يعده جناية مع امرأة غير زوجته، لكن أن يجرؤ ويسمح لأنثى غيري بدخول بيتي في غيابي فهذا ما قد استبعده بعد زلة سابقة لازال أثر أسوارها يمتد بيننا، لم أغفرها له الا بعد أن بكى وتوسل واقسم أنها غلطة ولن تتكرر، وبعد إلحاح من أبي الذي كان على سرير الموت..

لما حملت صغيرتي الى صديقنا الطبيب للمرة الثانية بعد مغص في بطنها لم يكن الطبيب أقل مني استغرابا حين استفسرني و بإلحاح هل وجدت العقد الذي بلعت منه سلمى حبة اللؤلؤ؟.. فأكدت له أني لا أملك غير عقد لؤلؤي واحد وهو سليم معافي لم ينفرط أو تتبدد منه أية لؤلؤة، أثارتني ضحكته فكانه يعلم شيئا عني يخفيه..

أمي تصر أن أنسى وكما تقول:

ـ الحمد لله أن الصغيرة لم تخنقها الحبة فتفقد روحها.. ـ

بدأت الأيام تطوي الحدث بنسيان وصغيرتي تنمو وتقف دون مساعدتي الى أن خطت أولى خطواتها..

كان لا يحلو لها غير غرفة نومي تظل تبكي الى ان افتح لها الباب فتدخلها، تصعد سرير نومي وتتمدد مكان ابيها أو تحمل معها إحدى لعبها فتتعمد تفكيكها فوق السرير..

خرجت ذات مساء مبكرة من عملي حتى أعد عشاء لضيوفي والذين لم يكونوا غير خالتي التي أتت من دار الغربة ومعها امي وخالي..سألت الخادمة عن سلمى فأومأت لي برأسها الى غرفة نومي.. بادرت اليها لأجد ما لم يخطر لي على بال..

استطاعت بنتي أن تسل خيطا من مضربة النوم فينفتق مقطع من راس المضربة لكن المفاجأة أن الفتق كان يطل منه عقد لؤلؤ، وسلمى تحاول جره اليها بإبهامها..

بكت سلمى حين أخرجت العقد واحتفظت به بعيدا عنها، خبطت السرير بقدميها وكأني قد حرمتها ما يستحوذ على عقلها ونفسها، عوضتها بأكثر من لعبة وحلوى ورغم ذلك ظلت غصاتها حارقة حتى بعد نومها..

التزمت الصمت في حضور ضيوفي فليس من طبعي أن أتسرع في أمر أو أتخذ قرارا في لحظة غضب،كما أني تحرجت من كلمات السخرية التي قد تتساقط من اللسان الطويل لزوجي يفتئت بها أمام ضيوفي، بل تعمدت أن أتناسى الأمر ولمدة أيام..

تخطت سلمى حالة تعلقها بغرفة نومي بعد أن أخفيت العقد بعيدا عنها، بل صار زوجي هو من يعوض بنته التي عزفت عن غرفة النوم مدعيا أنه يهيء لصفقة عمره ويحتاج لهدوء تام،وقد حاولت الدخول عليه مرة فوجدت الباب موصدا من الداخل، تراجعت ولم أعلق، فربما مشغول في حديث هاتفي مع أحد عملائه.. لكن لفت انتباهي أنه لم يعد هادئ الطبع كما ألفته،بل ارتفعت نسبة القلق لديه ولسانه صار يضرب بطوب وحجر بدل الذبح بسخرية متى وجد فرصة لقذفي بعيوب لا يولدها غيرعقله، ولاتراها غير عينيه..

ذات زوال كان زوجي مسافرا وكنت في غرفة نومي والعقد اللؤلؤي في يدي أعيد ترتيب فرضيات وجوده بين تلافيف مضربة نومي والتي لم يبترد لها أوار.. كيف اهتدت بنتي للعقد، ولماذا صار لايحلو لها تفكيك لعبتها وتعريتها الا فوق سرير نومي؟.. اقبلت علي الخادمة تخبرني ان سلمى قد تقيأت بعد الاكل، هاتفت الطبيب فطمأنني وقال:

"أمر لأراها بعد نصف ساعة وانا في طريق عودتي الى البيت "

في دردشة مع خادمتي أبلغتني أنه مذ تحرش بها زوجي وشكته الي وهو لا يكلمها بل كثيرا مايعاملها بنوع من الكراهية التي تتحملها لانها مثل أختي وأمي من ربتها مذ كان عمرها عشر سنوات، كما ذكرتني أن اليوم الذي بلعت فيه سلمى اللؤلؤة هو اليوم الذي أرسلتها لمساعدة أمي في بعض اشغال البيت وقد أدعى زوجي حينذاك ارهاقا وتعبا،فلزم البيت وخرجت أنا لعملي تاركة سلمى معه..

لا أدري كيف وضعت العقد في عنقي وانشغلت مع سلمى الى أن اقبل الطبيب الذي ما أن رآني حتى ظهرت عليه علامة استغراب رفع لها حاجبيه، بعد أن كشف عن سلمى طمأنني فحالها لا يدعو الى القلق.. قبل أنصرافه سألني عن زوجي فأخبرته أنه مسافر، لم يسألني أين؟ لكنه قال وبسمة استخفاء لم تغب عن وجهه:

هل تعلمين أن العقد الذي في عنقك لمها زوجتي؟

استغربت وأبهتتني المفاجأة وقبل أن أعلق على قوله قال:

ـ وهل تعلمين أننا افترقنا بطلاق من شهرين؟

كنت أعلم أنهما تزوجا عن حب ولحد الآن لم يحتفلا بعيد زواجهما الثاني..وأن عائشة زوجة الطبيب قد كلمتني من يومين وتدعوني لزيارتها في أقرب فرصة سانحة..

تذكرت انها قبل أن تعشق الطبيب كانت مرتبطة بعلاقة مع غيره.. فهل هرقت كرامتها بخيانة؟..فشخصية كالطبيب، شهرة،غنى، لطف،لايمكن لأنثى أن تتنازل عنه.!!..

وهو على باب البيت نظر الي مليا وقال:

ـ وأنت هل ستقبلين بضرة أم ستطلبين الطلاق؟

اهتز صدري وأدركت أن زوجي كان نارا تحت الرماد، فهل كنت واهمة حين ادعيت معرفته؟.. وحتى لو عرفته فهل كنت أستطيع أن أكون هو أفهمه كما يدبر مؤامراته؟

صفقته كما حاكها قد انكشفت أمامي، وسبب الصراع أني وعيت،أردت أن أشاركه الوجود ويريد أن يستمر في إلغاء وجودي،جعلت منه قوة تستهويني برفقة،ويأبى الا أن يبقيني مصباحا في قبضته تنتهي صلاحيتي بانتهاء بطارية خنوعي..

***

محمد الدرقاوي

في نصوص اليوم