نصوص أدبية

عقيل العبود: حرمة الصمت

راح يستجير بالصمت بحثا عن إجابة لسؤال وقع في خاطره منذ طور بعيد، جلس مع وحدته متجولا في محيط أفكاره الأصم.

عادت المشاهد تمد أخاديدها، تجرجر أقدامه، تنأى بوجوده المكاني صوب انتشارات لم يكن يتصورها من قبل. أمست الحوادث مثل قصور لها أقفال لا يمتلك مفاتيحها إلا هو.

تمثلت على هذه الشاكلة علامات أضداد عاش حلاوتها ومرارتها استجابة لمعادلات أوجبت نفسها وفقا لأسرار عالم خفي، بما في ذلك- عمره الذي تجاوز منتصف الستينات، المكان الذي يسكن الآن فيه، علاقاته مع الآخرين، انشغاله بأبحاث يروم نشرها ضمن اختصاص فرض نفسه مؤخرا، ليشغل هذا الحيز من السنين من عمره، انقطاعه عن اصدقائه الذين كان يلتقي بهم عبر المنصات، ابنته التي ما زالت تنتظر علاجا جديدا لسرطان المثانة، زوجته التي لم تعد تقوى على المشي أو الحركة، بيته السبعيني- المأوى الذي فارقه بمقدار ارتحاله، وطنه الذي انفصل فجأة عن زهو علاقاته مع الأبناء، مقاطعا إياهم دون اكتراث، لغة هذه الكثافة من العناوين ما يطلقون عليه بالعولمة؛ أو ما يسميه هو بالأخطبوط الذي أضحى يتحكم بجميع بنود هذا الكائن، جبروته، طرائق حركته، أفكاره، علاقاته مع الأمكنة.

احتشدت الأشياء جميعا في ذهنه؛ غدت المشاهد مثل مناشير تتطاير في يوم عاصف، أعاد مراجعة اللوحة التي سرعان ما تناثرت أصداؤها بعد أن تبارت على شاكلة طفولة ستينية، ومراهقة سبعينية، تعقبها تفاصيل وتداعيات أخذت تعلن عن نفسها تباعا وفقا لأحكام ثمانينيات وتسعينيات مأخوذة بشروط ألفية لم يكن يقوى بعد على الإمساك بنبضاتها، أو الاصغاء إليها.

***

عقيل العبود

في نصوص اليوم