نصوص أدبية

محمد الدرقاوي: رَعشةُ شك

(إذا ذهبتِ معي يا باميلا سوف تتعلمين معنى المعاناة من أجل الآخرين، كما ستتعلمين بأنك تعالجين نفسك عندما تعالجينهم)... ايتالو كالفينو

أكثر من نص لها قد قرأ، كل نص يغريه بغيره لمزيد من قراءة، مشدودا الى اسلوبها وطريقة بناء ما تكتب ..

منطقية في التدرج والترابط، دقة إشارات قد يغفل عنها الغير و لها كانت إثارة بانتباه، مفردات دقيقة المعنى تعكس بها ما تريد أن تبلغه لقارئها، دون أن تتجاوز حججا لمحاولة الإقناع..

على عقلها قد لوح وهم بغيمة، فتفتت اللسان باتهام :

ـ" أنت قد اثارتك صوري قبل أن تقرأ لي"

" تحسيس بجمال.." ولجمالها لم يكن أعمى لكن...

ربما عنها قد غاب أن جمال الصور في عهد الفوتوشوب نوع من خداع البصر، لا يكشف غير حقيقة أنثى بجمالها لماعة !!..

فالصورة قطعة من صاحبتها قد تعكس بعضا منها

قوة نظر وعزيمة ذهن وان في تجريدية بيانية كما قد تعكس نظرة عيون

بخنوع وومضات من ألم دفين..

ورغم ذلك ففي أحلك لحظات التقاط الصورة قد يصير المشهد تحفة فنية لقيمة جمالية من مأساة لامرئية..

حين يندمج العقل بصورة ما، يصعب إخراج الصورة منه أو انتزاعها من تصوراته، ابتلاع رمزي في ذهنها قد تبوأ ايمانا قلب كيانها..

كما لا جذوة نار حامية قد أكلته من جسدها أوبه قد أنبهر وهام، فالصورة التي أغرتها باتهام، سوء ظن بزيغ عيونه لم تظهر فيها الا وهي مبطنة في عبايتها الشرقية..

ولاشده اليها إعجاب، فالإعجاب كثيرا ما ينسرب انسراب الماء في باطن الأرض..في حين أنها لديه حضور من تاريخ عريق تشربه ولازال يستعيده كلما تحرك اسم وطنها على اللسان ..

هي أكبر من صورة قد تشد بإثارة لانها ليست شيئا بل كيانا إنسانيا يتعدى بفكر واعتقاد هوية أو مكان وجود..إن الصورة مهما عكست من فتنة وجمال لن تزيد عن كونها ذكرى مغتربة..

بها قد ضاق تفكير فلم تدر أن ما استثاره فيها براءة أعماق من عيون لم تغره بكحلها، فحولها قد غمر عقله رداد ضوء كان له سكينة نفس، نصوعا وراحة قصد أرسلت إشعاعاتها مما تكتب، وما تكتبه وفي نفس قرائها يخلف أثرا لن يكون صدفة، وانما هو أثر دراسة ومتابعات أدبية، إضافة الى صور تداعت بذكريات من ماضيه عن وطنها..

هو صراع جوارح، مثل كاميرا التقطت من زمن الصبا ما قد حلا لها في لحظات تحصيل معرفة من صور تنمو بإحياء ومواقف..

ما حركه فيها مشروع في رأسه نقر قشرة البيضة، يستعجل الحياة، بعقله يتحرش ليل نهار فيدقق في المسارات، في انعراجات المسعى ما رحب وما ضاق، وفي دروبه ما حفر له عن مخرج وما انسد ببناء، وفي زنقاته ما صار ممرا وما خلا.

بعد تدقيق واسترجاع يتلوه استرداد جلس الى أحد أساتذته من لهم باع طويل في السرد الروائي، وعرض عليه العمل بكل تصميماته مدخلات ومخرجات رؤى وفلسفات، تصور وقصديات لتوجهات مؤثرة وعابرة، الفاعلين فيه وتخطيط دقيق لنفسية كل منهم ومدى قدرته على التحرك والتنقل من توجه الى آخر لتحريك خيوط حدث من مدينة وليلي الرومانية بالمغرب الى مدينة أور العراقية.. تاريخ يتململ من رقاد، يفرك عينيه باشارات قد تغير عقليات..

كان الراي الأخير لكل من درس التصميم وكون فكرة عن مضمونه :

ـ عمل سيحدث ضجة اذا اكتملت كل عناصره بالدقة المرسومة..

كان السؤال الذي يتكرر بعد كل نقاش : هل انت ملم ببيئة بطلة النص،

أنثى كدليلة سياحية دارسة متمكنة، ثقافة عريقة وحضارة عاشت انقلابات وتبدلات مذهبية وتحكمات مجتمعية وظهور تابوهات تواجهها اليوم تقاليد وعادات...

" معناه كاتب ماهر، ثقافة متمكنة، وخبرة لغوية يطوعها بمرونة ودقة بيانية "

راودته زميلته الأديبة بتذكار، وطفرت عيونا تتفجر في مخيلته كأنثى من بيئة بطلته.. خطوط مرسومة وعناصر دقيقة، مع فرضيات متنوعة تستطيع ان تزهق منها واليها حسب عمق خبرتها وانتمائها السوسيو ثقافي..

لماذا لا تشاركه المسعى وتصير الرواية بعقلين ومجهودين؟

قد يضطر للسفر اليها، نقاش وحوار، وصلة رحم بمنطقة غاب عنها أكثر من ثلاثين عاما ..وقد تسمح لها ظروفها بزيارته، إحاطة بالمكان ومواقع الأحداث..

وشرع يقرأ لها ويعيد، يبحث عن كل ما كتبت و ما مقدار انفلاتاتها بعيدا عن الرقابة الذاتية، مخفيات قد توضح خبرة واغتناء فكر أوقد تفجر سلوكات لم تكن في كتاباتها واضحة، حقا أن كل ما يقوم به انسان لن يتعدى حدود تجربته الإنسانية.. وتحت هيمنة ما يمور في نفسه لكن عند الكتابة فالكثير مما ينفلت يكون بعيدا عن رقابة عقله، قد يعكس حقيقته..

وضعها تحت مجهر خبرته، لم يباشرها بخطاب وانما حام حولها كأنثى يثير ويترقب ردة الأفعال، ففي ردة الأفعال تتبدى زوايا من الشخصية وماهية الوجود عند صاحبها..

لم يجدها غير شرقية مأخوذة بمبدأ الخوف ورعشة الشك، تشتغل بظاهرها عن عمقها وبجمالها عن سلوكها، الشك فيها ساكن من تربية الحصار وتنشئة التحكمات، وشحذ سكاكين الأوامر والنواهي، ثم سقطات الثرثرة والتأويل وسوء الظن..

تلين لكلمات العسل من افواه الأفاعي وتنجر لبسمات التغرير من أنياب الذئاب، والا ما غاية صورها في تركيبات طفولية ومدح من نفثات الكذب؟.. لا أظنها غرة يغويها حب الظهور بإشهار فقد جرب حين قدم لها نصا كهدية قالت:

ـ لن اكتب نصا باسمي وهو ليس لي ولو توقفت عن الكتابة..

عفة وعلو نفس ..

فهل يستطيع أن يرقى بها الى بلوغ غايات أكبر والتجاوز عما ترسخ؟

يعرف قيودها وما يكبل حريتها، كونه عنها غريب والغريب في عرف شرقية شيطان..

ـ بعد تفكير اسقطها من عرش اهتمامه وان ظل اثرها يسري في ملمحات العيون وتموجات الذكريات، فكيفما كانت ردة فعلها فهي لا تعدو ان تكون انثى شرقية تنهار للعيون اذا نومها شاب متحذلق متملق وترتاح للغرور يتفجر من ضابط عقلي كم عانى من سوط الضغط والتبخيس، أما أن يكون معها رجل غريب واضحا صريحا فهذه حرية، والحرية لديها ايقاظ للفزع والدوار..

وغابت..غابت بعد أن حظرته عن صفحتها بضربة سوء الظن فصلت حياتها أمامه، صورتها الخاصة، رسخت بها وجودها الشرقي الأصيل الذي قد غاب عن اهتمامها أنه يحترمه بتقديس حتى وان اختلفا في المبادئ والتوجهات، فالهروب والسخرية والخوف من السقوط في مشاريع الأخرين وأفكارهم هي سمة من حرية يحترمها فلا إنسان يريد أن يبتلعه غيره.. لكن أن تسمح لغيرها بصور طفولية وكلمات بالواضحات ولا تأخذ مسؤولية وجودها كما تحبها ويلزم أن تدافع عنها، فهذا انهزام ونقص في الوجود...

***

محمد الدرقاوي

في نصوص اليوم