قضايا وآراء

الأثر الأدبي الأندلسي: الانتقال الشفهي

alhasan alkyriحتى الآن، قد تكلمنا عن انتقال الأدب العربي أو "الإسبانو- عربي" أي الأندلسي بطريقة عالمة وأدبية: منذ الانتقال عبر الزجل كما هو الشأن في موضوع "المسيلمات الثلاث" Las tres morillas وأغان أخرى، أو عن طريق الاحتكاك المباشر للكتاب بالنصوص العربية كما هو حال المترجمين أو الأدباء المثقفين الذين انغمسوا، بأي سبب كان في الثقافة العربية، كما هو الشأن بالنسبة لحالة ضون خوان مانويل أو أنسيلم تورميدا، الراهب الفرنسيسكاني المرتد إلى الإسلام، في تونس، ومؤلف عمل بالعربية  مثير للجدل ضد المسيحية. وعمله بالكطلانية يعكس مظاهر متعددة للثقافة العربية[1] مثل : ".La disputa de L’Ase"، وهي انعكاس لقصة من الموسوعة الفلسفية الهرطوقية لإخوان الصفا التي اطلع عليها أسين بلاثيوس وأعمال أخرى من قبيل: Cobles de la divisió del regne    de Mallorque التي تتكئ على حكاية توجد عند " الجاحظ "[2].

لكن يبدو أنه كانت هناك طريقة أخرى لانتقال الأدب العربي إلى الآداب الإسبانية وهي طريقة شعبية و،أكيد، شفوية من خلال المدجنين والموريسكيين الذين كانوا يعيشون في أراض مسيحية: المدجنون الذين تم إجبارهم على التحول إلى المسيحية والموريسكيون الذين، عموما، كانوا ثنائيي اللغة، كانوا يعرفون العربية ولغة المجتمع الذي كانوا منغمسين فيه بقشتاليته وكطلانيته الخ.

إن الكثير من المهن التي كان يزاولها هؤلاء المسلمون والمدجنون كانت تلزمهم على الاحتكاك المستمر مع المسيحيين، وبالتالي على تبادل الحكايات والطرائف والأمثال.سنذكر، على سبيل المثال، حالة أصحاب النزل، بحيث يبدو أن المدجنين والموريسكيين تعاطوا كثيرا لهذه المهنة واعتادوا عليها، وما تتيحه من فرص لحكاية الأقاصيص قرب النار للمسافرين المترجلين. أو حالة الموريسكيات اللائي كن يشتغلن كخادمات أو إيماء في المنازل المسيحية ويرعين الصغار، بقص الحكايات عليهم، كيفما كان نوعها. إن الأمثلة من هذا النوع ليمكن أن تعد بالمئات.

هكذا إذن، يمكن أن نربط بهذا الصنف من الانتقال مختلف الأقاصيص التي تظهر مشتتة في الآداب الإسبانية والتي تشتمل على ميزات الأقاصيص الشعبية، ولكن توجد أيضا في الأدب الإسبانو- عربي (الأندلسي) من حيث أمكن انتقالها. بهذه الصورة يمكن أن نتحدث عن قصة " لاثرو دي طورمس" أي Lázaro de Tormesعندما يخدم حامل السلاح ويخطر بباله أنهم يحملون ميتا إلى منزله لدفنه، والذي قالت له الأرملة إنهم يقودونه "إلى الدار الكئيبة المظلمة"، إلى الدار التي لا أكل ولا شرب فيها أبدا " فيظن لاثرو أنهم يحملونه إلى منزل سيده حيث لا يوجد لا ضوء ولا طعام نتيجة العوز. إن القصة عربية، وتوجد في مواضع متعددة بما في ذلك أعمال أندلسية كما هو الحال عند الغرناطي  ابن أسيم كما حدد ذلك فرناندو دي لا غرانخا[3] Fernando de la Granja. وحكاية الطيران عند ابن فرناس التي تعزى إلى بدوي من بلنسية، والتي توجد ضمن مدح لأغوستين دي روخاس[4]، والتي رأيناها، حديثا، منتجة، من جديد، في قول شعبي ل: "Alcoy" أي الحكاية التي يفتتح بها غراثيان " نقادته "El criticón، على طريقة ابن طفيل، في فيلسوفه العصامي ( تقصد "حي بن يقظان"). وهذا الأخير، عمل لم يتمكن اليسوعي الأراغوني من الإطلاع عليه لأن ترجمته إلى اللاتينية بواسطة " بوكوك " متأخرة بحوالي عشرين سنة عن صدور الجزء الأول من " النقادة".لكن غراثيان " Gracián، بالفعل، علم ذلك عن طريق رواية موريسكية للحكاية العربية مرتبطة بأسطورة ألكسندر: " الوثن، الملك وابنته [5]".

حجة أخرى حول  كون المدجنين والموريسكيين هم الذين نقلوا تلك الأقاصيص الأدبية، يمكن أن تكون الأصل العربي للمضمون الحكائي الذي يستعمله تيرسو دي موليناTirso de Molina في "المدان بسبب شكه" أي El condenado por desconfiado . إن الحكاية العربية، والتي يمكن بدورها أن تنحدر من أسطورة مسيحية، تتحدث عن رجل ناسك يشك في نجاته الأبدية، ويقول له ملك أو شيطان أن رفيقه في الحياة الأخرى سيكون جزارا - مهنة ملطخة، أي سيئة الذكر، بين المسلمين - ونتيجة لذلك يفقد هذا الرجل أمله قبل أن يتبين أن الجزار هو أيضا رجل ورع يرعى والديه الطاعنين في السن. هذه الحكاية تم الاحتفاظ بها في الرواية العجمية أي في الإسبانية المكتوبة بأبجدية عربية وهي شكل أدبي متميز جدا للمدجنين والموريسكيين[6] .

إن انتقال موضوع، ذي محتوى ديني تحديدا، من خلال الموريسكيين لا يثير العجب. فعندما درس ميغيل أسين بلاثيوسMiguel Asín Palacios  التوافقات المدهشة بين المتصوف المسلم ابن عباد الروندي " ق 14 م " وسان خوان دي لا كروث[7]، ليس فقط في الفكر ولكن في المعجم والتي لا يمكن أن تعتبر من قبيل المصادفة لكثرتها، يزعم أنها يمكن أن تكون قد انتقلت عن طريق الموريسكيين وهم مسيحيون مرتدون حديثا لم يكن هناك داع لكي ينسوا معارفهم الإسلامية في مواضيع كالتصوف، والذي أكثر من ذلك تختلف الديانات فيه، بل أكثر من هذا وذاك، في مراسيم طرد الموريسكيين كان يتم استثناء رجال الدين الموريسكيين ذكورا وإناثا-قساوسة، كهنة ورهبانا - والذين أصبحوا فيما بعد متصوفين متشددين أو مهرطقين متنورين يشبهون كثيرا الشادليين المسلمين الذين درسهم، كذلك، أسين بلاثيوس.

في هذا المضمار، يجب التذكير أنه عندما نتحدث عن المرتدين الذين أدوا دورا مهما جدا في ثقافة العصر الذهبي الإسباني يتم، مرارا وتكرارا،  تناسي كون هؤلاء ليسوا فقط من اليهود ولكنهم من المسلمين أيضا.

 

ترجمة: ذ. لحسن الكيري

باحث في الترجمة و التواصل – الدار البيضاء – المغرب.

............................

[1]M. De Eplaza, La tubfa, autobiografía y polémica islámica contra el cristianismo de Abd Allah Al Turyman (Fray Anselm Turmeda), Roma, 1971.

[2]J.Samso, (Tur mediana)) boletín de la Real Academia de Buenas Letras de Barcelona, 34 (1971 – 1973), pp.51-80.

[3]F. de la Granja, (Nuevas notas a un episodio del Lazarrio de Tormes), Al -Andalus, 36 (1971), pp. 123 - 142.

[4]T. Teres, (El Vuelo de Ibn Firnas), op, cit, supr.

[5]E. García Gómez, (Un cuento árabe, fuente común de Abentofayl y de Gracián)), Rabih, 47(1926), pp, 241 - 269.

[6]R. Menéndez  Pidal, (El condenado por desconfiado)), estudios literarios, Madrid,1938 y ss,pp.9 – 79.

[7]M. Asín Palacios,(un precursor hispano - musulmán de San Juan de la Cruz),Al -Ándalus, I(1933),pp.7 – 79.

 

في المثقف اليوم