قضايا
عبد الأمير كاظم زاهد: نقد الموروث الديني عند الامام النائيني

الموروث: هو النتاج الإنساني الذي يشتغل بالبيان والشرح وتفسير للنصوص الدينية، بما يشتمل على تفسير القرآن وشروح الحديث النبوي والرواية عن الأئمة وأقوال السلف في القرون الثلاثة الأولى المعبّر عنه بالمعرفة الدينية. وفي هذا الموروث نوعان من المضامين احدهما المضمون الايجابي الانساني الذي يمتد مع الازمان واخر زمني انتهت فاعليته بزمانه وهذا الموروث معبّر عن زمنه وغالباً ما يعاني من انحباس في حقبة زمنية تخطاها التاريخ، لكنه يحظى باحترام وقبول اغلبية الناس الذين لم يتعاملوا مع المعرفة بأدوات نقدية او تشكل لديهم معتقد منشؤه الدوافع العاطفية، وقد شكلت مضامينه آراء كونت عقلا معرفيا جامدا صارت مصدرا تفسر بها المستجدات ويتخللها منطق خاص غالبا ما يتسم اغلبها باللا معقول وبما هو مجافٍ للمصلحة وقد يتمتع بسلطة هائلة توجه العقل الجمعي وتكون داخل الذهن نزعة تحتضن هذه المعتقدات، وسلطة معرفية ضاغطة على مسارات الحقيقة وعندما تتعرض لمحاكمة نقدية عقلانية مقارنة تخرج بانطباع يفضي الى عدم التفاعل مع التراث الديني، فاذا عوملت بوصفها مرجعية فكرية وحيدة للإيمان فقد يتسرب الشك للأيمان كله وقد ينفتح على المعاصرة ويكون قابلا لحوارها لكنه يدخل في معادلة جدليه ضمن معايير التراث ربما تكون مقبولة لكنها توقف السعي الى اكتشاف الجزء المشرق والايجابي والنافع من التراث, ونتعرف على الجزء المعطل للقدرات، وعندما نقارنها بعد تحليل عقلاني مع الثقافات الإنسانية نجد فاصلة كبيرة من الصعوبة التوصل الى نقطة التوازن بين الوافد الفكري والمخزون التراثي أي ثغرة معرفية واسعة لأننا لا نوافق على مبدأ انفصال الفكر التراثي عن عموم الفكر البشري ,والا فان هذه المقاربات مع ثغراتها تعوق التغيير النوعي للمجتمعات وتظل افكارًا (عنيدة) تضغط على حقائق العصر وتعطل محاولات بناء معقول تاريخي جديد يتخطى إجترار المقولات وتكرارها ونزعها من سياقها التاريخي , وجعلها ضمن الأفكار التي تتخطى الزمن
ان التصلب الناتج من الانكفاء على عموم الموروث واعتبار كل مفرداته (فكراً مفسراً للدين) وجعله عقائد صلبة تهيمن على الثقافة المجتمعية يشكل خطراً على الذهن والممارسة العقلية ويؤدي الى قدر من التعقيد وتكوين موجات متطرفة تتصرف على وفق الفهم الاقصائي للاخر وادراكا من النائيني لهذه الاشكالية الفكرية المعقدة فقد قدم لائحة دفاع عن العقلانية تعيد قراءة النصوص الدينية وانتقل من الاجتهاد التقليدي الى نقد العقل التراثي، مؤسسا مبدأ التفريق بين الدين والتدين. (1)
وقدم بديلا للتأويلات التقليدية له تاويلا حيا في كتابه (تنبيه الامة وتنزيه الملة) واسس لقاعدة ان كل تأويل لا يسنده حس تاريخي ومنهج عقلاني معني بقضايا الانسان والثقافه لا يمكنه ان يوفر إجابات معقولة للاسئلة الانطولوجية والاجتماعية الجديدة، فالفكر الإسلامي العقلاني عند النائيني لا يتعارض مع معقولات التجديد والتقدم وبناء المستقبل وان الدين يقبل الاختلاف والنقد والتعددية هو وقادر على احتواء الحداثة في الوقت الذي يحرص على ترسيخ الهوية الدينية ، ومن عنوان كتاب النائيني يلاحظ انه قدم عبارة (تنبيه الامة) اي اشعارها وتنبيهها وتحقيق صحوتها وايقاظها لتعرف ان الذي الصقه المحافظون بالملة (الشريعه) من اوصاف ومفاهيم ليست منها ولا تتبناها وان كانت الازمان المتقادمة قد جعلت تلك الاوصاف كأنها من الدين، ويعني مصطلح (تنزيه الملة) ان الشريعة منزهة تماما عما الصق بها من انها تدعو او تبرر الاستبداد، وقد اورد النائيني في ذلك عدة مقدمات (2)
١- صرح الشيخ انه لو عزل العقل عن الحكم الشرعي لهدم اساس الشريعة، لان اساس الايمان القناعة العقلية وان الممارسة العقلية قدرات فطرية، او ممارسه عقلاء متراكمة، وكلاهما حجه ذاتيه فلا تحتاج الى امضاء من النص (3)
٢- ان التجارب البشرية من مصادر المعرفة - بلا مراء - وهي أعراف المجتمعات التي حققت التمدن، والافادة منها عنده لا تتعارض مع الدين، فتجارب الانسان تعد معرفة متقدمة لفهم الاشكالات والتفكير في علاجها
***
ا. د. عبد الأمير كاظم زاهد
................
(1) عبد الجواد ياسين: الدين والتدين، ص
(2) اغا برزك الطهراني / الذريعه١٣ / ١٠٢.
(3) المفيد تصحيح الاعتقاد ص٥٤.