آراء

التفسير السوسيولوجي لحروب الجيل الرابع (2)

محمود محمد علينعود ونكمل حديثنا في مقالنا الثاني عن بزوغ حروب الجيل الرابع؛ حيث يكون حديثنا منصبا عن الرأي الثاني، ويتمثل في الكيفية التي من خلالها الولايات المتحدة الأمريكية إلي الحرب غير المتماثلة بديلاً عن الحرب النظامية، وفي هذا يمكن القول: في أواخر تسعينيات القرن الماضي قررت الولايات المتحدة الأمريكية أن تغير من نمط إدارة الحروب الدائرة في العالم؛ حيث اكتشفت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، بأن نموذج حرب الناتو "Nato -model" المبنى على القطاعات الضخمة المزودة بالآليات، غير فاعل إلى درجة كبيرة أمام قوات العصابات المدعومة من قبل الأهالي، وهذا جعل الولايات المتحدة الأمريكية تبحث عن نموذج آخر مؤسس على عدم توريط الجيوش الأمريكية في اشتباكات عسكرية مباشرة، وبالتالي أهمية الاعتماد على قيمة ومنطقية القوات الخفيفة (Lighter Forces) التي كانت منبوذة في السابق من قبل ألوية الجيوش التي تزحف عبر الأنهار والوديان على سكان القرى، وبالتالي التخلص من "الفشل العسكري" وتقليل المخاطر البشرية والاقتصادية لأي تدخل من قبل الجيوش الكبرى .

وهنا بدأ كثيرون من صناع القرارات في الولايات المتحدة يتحدثون عن الحرب غير المتماثلة والحرب طويلة الأمد، حيث ستشارك الولايات المتحدة - تحت مظلة هذه النماذج من الحروب- في أنشطة مكافحة الإرهاب في منطقة واسعة من العالم الإسلامي لفترة طويلة جداً. وبدا صراع الند للند peer-to-peer conflict قد عفى عليه الزمن؛ حيث أشار بعض المحللين الأمريكيين إلى أن الحروب التي شاعت في السابق أصبحت لا تتضمن دولًا، وإنما جماعات غير وطنية، وبالتالي لن تكون هناك حرب نظامية، فإن من أطلقوا هذا الرأي لم يدركوا طبيعته الراديكالية، ونادراً ما كان يُنظر إلى سياسة الدفاع الأمريكية التي أخذت به على أنها غير ملائمة. وإذا كانت الولايات المتحدة ستشارك بشكل رئيسي في عمليات مكافحة الإرهاب في العالم الإسلامي على مدى السنوات الخمسين المقبلة، فمن الواضح أننا في حاجة إلى قوات عسكرية مختلفة جداً عما نملكه اليوم.

كما أدرك صناع السياسات الأمريكية بأنه في ظل الظروف المناسبة قد تستطيع "العصابات" أن ترجح الكفة أمام "الجيش التقليدي"، حتى لو كان الأخير يمتلك مميزات خارقة في الجو، أو البحر، أو في القدرة النارية؛ حيث وصف "ماوتسي تونج " Mao Zedong حرب العصابات بأنها:" عندما يتقدم العدو فإننا نتراجع، وعندما يخيم "نناوش"، وعندما يتعب "نهاجم"، وعندما يتراجع "نطارده"؛ بمعني أن نضرب العدو طالما كان ضعيفاً، وأن نتجنبه عندما يكون قوياً، وأن نطارده عندما ينسحب، وأن نناور عندما يتقدم. فذلك ينسجم مع التفكير السليم" .

وكما يقول الباحث الأمريكي "روبرت تابر" Robert Taber (المتخصص في حرب العصابات) عن حرب العصابات بأنها:" حرب ثورية"، تجند سكاناً مدنيين أو على الأقل جزءاً من السكان، ضد القوى العسكرية للسلطة الحكومية، القائمة شرعياً أو المغتصبة".

وقد وازن أفضل الخبراء الأمريكيين بين مجموعتين من الثوابت .. وأدركوا بأنه "في مجال الحرب لابد من الأخذ في الاعتبار ليس بالتقييم أو الفوارق النوعية فحسب (مثل النواحي المعنوية، ودور السكان المحليين ... إلخ) ولكن باحتمالية وجود صفات عسكرية مختلفة بالكلية عن بعضها البعض، قد تؤثر على طرفي معادلة التكافؤ والتماثل" .

إن في حرب العصابات، نجد أن الطرفين لا يستخدمان نفس الأدوات أو استراتيجيات القتال، ولا يخضعان لمعايير التوازن السائدة، فحسب تلك الحرب، لا يوجد مسرح عمليات يلتقى فيه المحاربون بأية صورة، ويستخدم كل طرف أسلحة غير متماثلة، وقد لا تكون هناك علاقة بين الفعل ورد الفعل فيها، كما أن "الخطط المستخدمة خارج نطاق التصور ويحكمها ـ تفكير يوسوس به الهذيان والجنون، ولا يؤدى إليه العلم، أو توازن القوة مهما كانت دقة حساباته، فلا يوجد تقيد بمبادئ الحرب، وإنما بأفكار تنتج عنه عن مصادفات يتم تحويلها لخطط مدروسة، وتحيط بعملياته أقصى درجات المخاطرة، ويتم كل شئ فى سرية شديدة، ويختلط فيها ما هو مادى بما هو نفسى، كما يتمتع العدو ـ فى هذا النوع من الحروب بإرادة قوية، وتنظيم حديدي، وصبر شديد، وروح عالية، وقدرات رفيعة، تجعل تحقيق أهدافه ممكنة، حتى لو بدت وكأنها ضرب من الجنون" .

وقد وصل تطور مفهوم حرب العصابات في التفكير الأمريكي إلى مستوى اقتراح استراتيجيات محددة للتعامل مع هذا النوع من الحرب، كتعظيم قوة الإدراك النظري لما يمكنني أن يحدث استناداً على مبدأ عام يرتبط بالتفكير بنفس الصورة غير التقليدية (المجنونة) التي يفكر العدو بها، والتغاضي عن المراسم التقليدية التي طالما حكمت التحرك المضاد، كتشكيل التحالفات واستشارة الدول، وتقدير الحساسيات، والاتجاه مباشرة إلى فرض الأمر الواقع، مع تخيير الدول بين الانضمام إلى ما يتم، أو يجدون أنفسهم في الجانب الآخر، يضاف إلى ذلك "تدعيم أساليب الاستخبارات الموجهة، والعودة إلى بعض الأساليب التقليدية كنشر الجواسيس، ثم تغطية مواقع الانكشاف في الأراضي الأمريكية بسد كل الثغرات التي يمكن النفاذ منها، واتباع أساليب جديدة في التعامل مع مسألة الأمن الداخلي، على أساس تخفيف القيود المفروضة على أجهزة الأمن تجاه المجتمع" .

ولذلك أدرك المتخصصون في الشؤون العسكرية الأمريكية أن: " تكتيك رجل العصابات يختلف عن تكتيك الجندي المضاد للعصابات، لأن دوريهما مختلفان، منهما قوتان متنافرتان، تشنان حربين متعارضتين، في سبيل أهداف متضادة. ويبحث الجندي الحلول المضادة للثورة عـن كل حل عسكري، يتمثل في إبادة رجال العصابات، لكنه معاق بعقبة سياسية واقتصادية، فهو لا يستطيع أن يبيد الشعب ولا واحداً من أجزائه الهامة. أما رجل العصابات، فإنه يرغب في اهتراء عدوه العسكري، ويستعمل تكتيكياً مناسباً لهذا الغرض، وهدفه الرئيسي سياسي، ويتمثل في تسعير حريق الثورة في صراعه، وتحريض الشعب كله، ضد النظام، وإظهار عيوب هذا النظام، وعزله، وتقـويض اقتـصاده، واسـتنزاف موارده، وإثارة تفككه. إن حرب العصابات في جوهرها سياسية واجتماعية. أما وسائلها فهي سياسية بمقدار ما هي عسكرية أمـا هدفها فسياسي بالكامل تقريباً، ونستطيع أن نقول انطلاقاً من مقولة "كلاوفيتز" Clausewitz: إن حرب العصابات استمرار للسياسة بواسطة صراع مسلح، وفي درجة معينة من نموها، تصبح ثورة، عندها تغدو أسنان التنين آكلة لكل قوتها، إن حرب العصابات تعادل حرباً ثورية، إنها امتداد للسياسة باستعمال السلاح، وطالما أن أولئك المكلفين بالصراع ضدها لا يفهمونها، فلن يجدوا أية وسيلة استرتيجية أو تكتيكية لتحقيق النصر. أما إذا فهمها أولئك الذين يقودونها، فإنها لن تخيب مطلقاً، مهما كانت الظـروف، لأن الحـرب الثورية لن تبدأ إلا عندما تتوافر ظروف نجاحها " .

واعتبر الباحثون في الشؤون العسكرية الأمريكية أنّ " الطرف الضعيف، في الحرب غير المتماثلة، يستخدم المجتمع كغطاء له، ويعتمد عليه في الإمدادات اللوجستيّة، ويقوم انطلاقا منه بشنّ هجماته ضدّ الطرف الأكثر قوّة، ما يتسبّب بامتداد العنف داخل المجتمع. من هنا، فبداية هذه العمليّة هي حرب العصابات ونهايتها الإرهاب الدولي كما يحصل حاليًا، ومن نتائج الحرب غير المتماثلة حصول إبادة جماعيّة، أو حرب أهليّة، أو اندحار العدو (جنوب لبنان نموذجا) " .

ومن جهة أخري فإن الجهد الرئيسي لحرب العصابات، هو أن " إثارة تمرد السكان، الذين لا يمكن لأي نظام في دولة ما، أن يدوم طويلاً دون موافقتهم. فرجل العصابات هادم للنظام القائم، لأنه ينشر الأفكار الثورية، وتعطي أفعاله قوة إلى عقيدته، وتبين السبيل نحو التغير الجذري، ومن الخطأ أن نعتبره منفصلاً عن مرقد استنبات الثورة. إنه يخلق من المناخ الـسياسي الذي تصبح فيه الثورة ممكنة، ويمثل هذا المناخ التعبير وعنصر الاستقطاب للإرادة الشعبية في مثل هذا التغيير" .

ولذلك يري "روبرت تابر" بأنه "عندما نتكلم عن رجال العـصابات، يتداعى في أفكارنا معنى النصير السياسي، فهو مدني مسلح، وسلاحه الرئيسي ليس البندقية أو الساطور، بل علاقته مع الجماعة، مع الأمة التي يقاتل ضمنها وفي سبيلها، والانتفاضة أو حرب العصابات، عبارة عن فعل يحث على تغيرات من الثورة المضادة، أي الطريقة التي تتم بها مقاومة الثورة: فهما وجهان لعملة واحـدة، ومن الضروري ألا نخلط بينهما، أو بين عواملهما، بسبب تماثلهما. وبسبب الطبيعة السياسية للصراع، وتفاوت الوسائل التي بحوزة المعسكرين، وخاصة بسبب التناقض التـام لأهدافهما السياسي، فإن التكتيكات الأساسية المطبقة في حرب العصابات، غير قابلة للتطبيق من قبل الجيش الذي يقاتل العصابات، ولن تكون قابلة للتطبيق، وبشكل محدود جداً، إلا من قبـل (الاختصاصيين) العاملين في القوات الأمريكية الخاصة، التي يمكن أن تحاول تقليد تكتيكات العصابات" .

ويستطرد " تابر" فيقول:" إن الأسباب تامة الوضوح، فرجل العصابات يمتلك المبادرة فهو الذي يبدأ الحرب، ويقرر أين ومتى يضرب. وعلـى عـدوه العسكري أن ينتظر مستعداً لمواجهته في كل مكان، ويجد جيش الحكومة نفسه، قبل وبعد بداية الحرب، في موقف الدفاع بسبب دوره كشرطي مكلف بحراسة الممتلكات العامة والخاصة، ويجب أن نبين منذ الآن، بأن الشعب يشكل مفتاح الصراع كله، وبالواقع، ومهما بدت الفكـرة مغيظـة للمحللين الغربيين، فإن الشعب هو الذي يقود الصراع. فرجل العصابات ينتمي إلى الشعب، بنفس المقدار الذي لا يستطيع فيه جندي الحكومة أن ينتسب إليه (لو لم يكن النظام قد فقد محبة الشعب لما انـدلعت الثورة). إن رجل العصابات يقاتل بمعونة الجماهير الشعبية المدنية، التي تشكل تمويهه، ومنـابع إمـداده، ومصدر تطوعه، وشبكة اتصالاته، ومصلحة استخباراته، الموجودة في كل مكان والشديدة الفعالية" .

إذن في حرب العصابات تستخدم أساليب ووسائل وأدوات مختلفة (قنابل ذريّة، خطف طائرات، رهائن، ألغام، تفخيخ، عمليّة استشهادية، عمليّة انتحارية)، كما أنه" لا يوجد مكان محدّد لمسرح العمليّات، وحتّى الفترة الزمنيّة قد تمتدّ عدّة سنوات، وكذلك نمط الحرب لا يقتصر على مسرح العمليّات داخل دولة معيّنة، بل يشمل مصالحها ورعاياها في العالم بأسره" .

وهنا تصبح حروب العصابات أو الحرب غير المتماثلة حرباً بين طرفين غير متكافئين تماماً، وتمثل التفافاً واضحاً على قوة الخصم وقدراته يتم تفاديها وتحويلها إلى نقاط ضعف، ففي حين أنه من المرجح أن تنجح المؤسسة العسكرية الأمريكية المتفوقة على سبيل المثال، في مواجهة أي مؤسسة عسكرية تقليدية لدولة أخرى، " فيما يخص التكيف مع التقنيات الجديدة، فإن المستقبل ربما يكون من نصيب الأطراف التي لا تتبع لدولة، وجهات ليس لها صفة التي قد تسهل لها الثورة التكنولوجية والمعلوماتية، إمكانية الحصول على أسلحة، ربما تكون رخيصة وعالية التقنية، تستطيع بها تحييد القدرات المتفوقة لجيوش دول عظمى" . لقد ارتقى هذا التهديد وانتقل من مرحلة خطف الطائرات، واحتجاز الرهائن، واستخدام المتفجرات العادية إلى مرحلة الهجوم المباشر بأساليب وأسلحة غير متوقعة ووسائل إلكترونية متطورة، وقد يصل الأمر إلى حد "استخدام الأسلحة البيولوجية أو الكيميائية، بهدف إحداث خسائر مادية وبشرية جسيمة" .

هذه الأطراف أو المجموعات التي لا ينطبق عليها وصف دولة، حيث لا إقليم لها، ولا سكان، ولا عقد قيادة، سيكونون أعداء غير تقليديين من نوع جديد؛ حيث يتمتعون بالمرونة، وبالترابط الشبكي، لا تحكمها هياكل تنظيمية محددة، ولا تعمل في إطار نسق عسكري واضح، ولا يمكن توقع أفعالها، أو ردود أفعالها، ولا تدور عملياتها على مسرح محدد، وهو سياق مختلف تماماً عن السياق التقليدي للحرب، وسيمثلون أكبر التحديات التي تواجه الدول والمنظمات الدولية في المستقبل وليس الأعداء التقليديين. ففي الوقت الذي يمكن لهذه المجموعات اللا تناسقية الآن استخدام إجراءات لاتصل إلى حد الحرب التقليدية، "مثل شن هجمات باستعمال أشكال شبكية متلائمة مع عصر المعلومات؛ حيث تستطيع الآن مجموعات صغيرة ومتنافرة أن تربط نفسها وأنشطتها شبكياً وتنسيق أعمالها عبر الإنترنيت فإن الطرف الثاني – الدول – لا يزال يعتمد على بنيات هرمية سلمية لا تناسب بشكل جيد التعامل مع هذه الشبكات ذات الطرد المركزي" .

وإذا أمعنا النظر في هذا النموذج، فسنجد أن الولايات المتحدة المتفوقة تستخدم كل الأسلحة الممنوعة في تلك اللحظة التاريخية ضد حركة المقاومة الفيتنامية . ومن الناحية العملية، لا يمكن للثوار ككتلة أن يصمدوا أمام هذه الآلة العسكرية، ولكن تبقي أمام المستضعفين استراتيجية واحدة: "وهي إطالة أمد الحرب، وزيادة تكاليف بقاء الخصم، فاستخدموا أسلوب حرب العصابات، وحروب الكر والفر، وحروب الغازات، والهجوم المضاد بمجموعات صغيرة . وقد كان بإمكان العملاق الأمريكي الضخم أن يدهس أي قوة تواجهه- وإن كانت كتلة كبيرة – ولكن عندما تكون الهجمات من مجموعة من البراغيث التي تلسع الأجسام الكثيرة. وهكذا، استمرت عملية لي الذراع أو العض المتبادل . وكانت الحرب حرب إرادات، وجهت فيها الولايات المتحدة كل آلاتها الإعلامية والدعائية وكل إجراءاتها لإقناع الطرف الآخر- وهم الفيتناميون – باستحالة تحقيق أهدافهم وحتمية هزيمتهم " .

ثم ماذا كانت النتيجة؟! انتصر الطرف الأضعف علي الطرف الأقوى، لم يعد الفيل قادراً علي الصمود، وأصبحت تكلفة البقاء أكبر بكثير من الفائدة من البقاء وانتصرت الإرادة، ولم تنكسر نفسية الفيتناميين. من أين جاءت هذه النتائج التي قلبت المعادلة ؟! إذا اتفقنا علي أن "الولايات المتحدة حاربت الفيتناميين بنسبة 20 % للحرب النفسية، 80 % لحرب الآلة، فقد استطاعت المقاومة الفيتنامية قلب المعادلة، بحيث أصبحت 80 % حرباً نفسية، و 20 % حرب آلة، لأنه إذا ما تم كسر إرادة الخصم، لم يعد هناك حاجة إلي استخدام الأدوات . فالأدوات فقط من أجل إقناع الطرف الآخر بعدم جدوي المحاولة، بحيث يقع في روعه الشعور بعقم المقاومة وحتمية الهزيمة" .

ومن فكرة حرب العصابات بزغت فكرة حروب الجيل الرابع فى أواخر حكم الرئيس بوش الابن، وأوائل حكم الرئيس أوباما كتعويض لحروب الجيل الثالث التي فشلت بسبب تكاليفها المادية الباهظة؛ حيث "أخذت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في الاستمرار نحو تحقيق مخططها لتفتيت الوطن العربي الذي بُني من قبل، ولكن بصورة جديدة هنا وهي إثارة الفتن، وتقليب الشعوب ضد مؤسسات الدول المستهدفة، وإثارة حالة من الفوضى العارمة، بحيث تدمر الدولة نفسها بنفسها، من خلال إنهاك مؤسساتها وإرباكها والسعي لتحطيم اقتصادها، مستغلين بذلك الانفلات الأمني الحادث، ثم سقوطها لإعادة البناء بما يلائم المصالح الأمريكية والغربية" .

وتستعين أمريكا بأعوان لها من الداخل علي مقدرة عالية لاستقطاب أكبر عدد من التابعين الذين تستقطبهم، من خلال سيطرة العمليات السيكولوجية علي العقول وتأثيراتها، فتكون بمثابة قنابل تغزو العقول لاجتذاب أكبر عدد ممكن من المتبنين لهذا الفكر المدمر، وهذا "ما يعرف بالأسلحة الذكية، وتعد وسائل الإعلام المأجورة والعميلة أهم آليات التنفيذ" .

من كل ما سبق يتضح لنا أن حرب العصابات تمثل شكلاً خاصاً من أشكال القتال يدور بين قوات نظامية، وبين تشكيلات مسلحة تعمل في سبيل مبدأ بالاعتماد على الشعب أو جانب منه، وتستهدف تهيئة الظروف الكفيلة بإظهار هذا المبدأ أو هذه العقيدة إلى حيز التطبيق... وللحديث بقية!

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط.

 

في المثقف اليوم