آراء

حاكم سيناء.. عبث في زمن كورونا

محمود محمد علينشرت جريدة المصري اليوم، وهي إحدى أكبر الصحف المصرية "المستقلة، يوم الأحد الماضي، مقالاً بعنوان "استحداث وظيفة"، والذي نشره كاتب عمود باسم مستعار هو "نيوتن"، وفي هذا المقال اقترح الكاتب أن يتم "استحداث وظيفة، وهي "حاكم سيناء".. مدة التعاقد 6 سنوات، وتتطلب الاستقلال التام عن بيروقراطية القوانين السائدة في الاستثمار وفي استخدام الأراضي مثلاً، وفي هذا يقول الكاتب في افتتاحيته :" عادة يتم الإعلان عن وظيفة شاغرة ليتقدم إليها كل من يريد شغلها. لنعكس هذه المعادلة اليوم. باقتراح وظيفة نتمنى استحداثها"، لن يكون السن عائقا أمامها. فدينج شياو بينج صانع نهضة الصين الحديثة وانطلاقتها الكبرى تولى الحكم وعمره 81 عاما. مهاتير محمد أعادوه لرئاسة وزراء ماليزيا وعمره 91 عاما".

وقال نيوتن إن "الوظيفة تتطلب الاستقلال التام عن بيروقراطية القوانين السائدة، فى الاستثمار وفى استخدام الأراضى، مؤكدا أنه مطلوب الابتعاد عن ميزانية الدولة ولن يجمع الإقليم بالدولة إلا السياسة الخارجية والدفاع المسؤول عن حماية الحدود"؛ ثم يقول: "هنا لن نضيع وقتاً فى اختراع نظم وقوانين جديدة. سنستعير النظم والقوانين المطبقة فى دول ناجحة مثل سنغافورة أو ماليزيا أو هونج كونج".

وزعم نيوتن فى مقاله، أن الوظيفة قد يراها البعض طلبًا مغامرًا أو صادمًا، قائلا "لنعترف أنه شئ يستدعى التفكير. سيئ النية سيصورونه كمؤامرة لتفتيت الدولة. لا مجال للتفريط فى أى قطعة من هذا الإقليم الأكثر تشربًا لدماء المصريين. ولفرادة هذا الإقليم وتميزه. سيكون قاطرة التقدم والازدهار لمصر. بالرغم من الذين يعتبرون سيناء خطًا أحمر. لتظل مهجورة جرداء. أو ملعبًا مفتوحًا للجماعات المتطرفة والصفقات المشبوهة".

وأكد نيوتن، "من يتولى هذه الوظيفة تكون له الحرية لإقامة النظام الأفضل للحكم المحلى. الذى يحقق الاستقرار لهذا الإقليم".. وتابع، "لكل هذا فقد تنجح الفكرة نجاحًا باهرًا. تنطلق سيناء بعده لتصبح أحد النمور الإفريقية الآسيوية. باعتبارها واقعة فى القارتين. التجربة يمكن استنساخها فى محافظة أخرى. لتصبح انطلاقة قومية جبارة، أما إذا فشلت التجربة. فليس هناك الكثير لكى نبكى عليه، فهل يا ترى من الوارد القيام بهذه التجربة والتعامل مع سيناء كمنطقة اقتصادية ذات طبيعة خاصة. أم أن معوقات هذه التجربة أكبر من أن نتجاوزها؟".

وكتب نيوتن بعد هذا المقال مقالين أولهما هو "حاكم سيناء" تحدث فيه عن محاور نفس الفكرة أيضا، ثم المقال الأخير وهو "سيناء وإمكانيات بلا حدود".

المقال أثار حالة من الجدل بمصر، وبالذات عبر القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي، ولذلك وجدت لزاماً علي أن أناقش هذا الأمر بشئ من الحيادية وبعيداً عن التعصب والتقليد الأعمي الأسن، ونبدأ بما قاله الكاتب ؛ حيث ورد في الفقرة  الثالثة من المقال: "الوظيفة التى اقترحها وأتصدر لها هى «حاكم سيناء». مدة التعاقد 6 سنوات".. وهنا نقف عند هذه النقطة ونسأل النيوتن: هل فكرة الحاكم المستقل عن الدولة، وبالتالي هو ليس محافظ ومدة تعاقده 6 سنوات يوجد لها بند بالدستور المصري أم أنها فكرة يطرح الكاتب من خياله؟.. ولماذا 6 سنوات شأنه شأن رئيس الجمهورية؟ وهل سيناء هنا تكون ضمن القطر المصري أم منفصلة عنه؟ ..

الكاتب يقول أن الحاكم المستقل صلاحياته تتجاوز صلاحيات المحافظ، وهنا نسأل: كيف ذلك ؟!.. وكيف نتوصل إلي هذا الحاكم؟... وكيف نعده لمهمته ؟ .. وما بأي طريقة؟ وما هي شروط تعاقده ؟.. الكاتب لم يكتف لذلك، بل زعم أن الوظيفة تتطلب الاستقلال التام عن بيروقراطية القوانين السائدة وأكرر وأقول كيف ذلك ؟ ..

الكاتب بلغ به الخيال مبلغاً جعله يهزي قائلاًً : "مطلوب الابتعاد عن ميزانية الدولة" .. وهنا أقول كيف ذلك ؟.. ليس هذا فقط، بل جنح الكاتب زاعما أنه لن يجمع الإقليم بالدولة إلا السياسة الخارجية والدفاع المسؤول عن حماية الحدود.. وأكرر وأقول كيف ذلك ؟!..

ويسير الكاتب في مهاتراته فيزعم أنه يريد ميزانية مختلفة وموازنة خاصة لسيناء وأكرر وأقول كيف يمكن نوفرها ؟! .. وكيف تكون الدولة شئ وسيناء شئ آخر؟! .. وكيف تكون سيناء مستقلة عن كل شئ فيما عدا وزارتي الدفاع والخارجية؟! وكيف نستعين بالتجربة من دول ناجحة مثل ماليزيا أو سينغافورة أو ماليزيا أو هوكنج كونج وبالتالي نطبق القوانين في تلك الأماكن ونطبقها علي سيناء ؟ وما هو دور الحاكم الذي يتخيله الكاتب ؟ وكيف نأتي به؟ وبأي طريقة نوليه المسؤولية وكيف؟..

شئ حيرني أكثر وأكثر في الكاتب لماذا يتهم المعترضين على المقال مثلي بسوء النية؟.. ولماذا يريد تعميم التجربة في محافظات أخرى حالما نجحت الفكرة؟.. وأين ستكون مصر في ضوء هذا الاقتراح؟ .. وكيف يتم تنفيذ هذه الأفكار في ظل الإرهاب الذي يُمارس في سيناء من قبل داعش ضد الدولة المصرية؟.. وكيف يمكن توافر ميزانية مختلفة عن ميزانية الدولة وليس لها علاقة بالدولة كيف يتم ذلك؟.. وكيف يمكن توافر ميزانية منفصلة عن ميزانية الدولة وكل شئ منعزل عن الدولة كيف يتم ذلك؟..

وكتب الكاتب الصحفي خالد ميري بجريدة الأخبار مقالا يهاجم فيه "نيوتن" قال فيه "من حقنا أن نسأل هذا النيوتن عن الصفقات المشبوهة التى تجرى فوق أرض سيناء؟.. من حق الشعب أن يعرف ما يعرفه الأخ نيوتن عن صفقات هو وحده يعرفها ويصفها بالمشبوهة؟ .. لماذا اختار هذا التوقيت لطرح رؤية مريضة لا هدف لها إلا فصل سيناء عن جسد الوطن، ليصبح لها حاكم وقوانين ونظم خاصة بعيدة كل البعد عن القوانين والنظم المصرية؟..

خلاصة القول إن مثل هذه الأفكار التي يقولها نيوتن قد طُرحت أيام جماعة الإخوان المسلمون علي سدة الحكم، وكان الرئيس السابق محمد مرسي (الإخواني) يخطط لعزل سيناء عن الدولة المصرية، حتي ينفذ المخطط الإجرامي الذي بمقتضاه مبادلة 720 كيلومتراً داخل سيناء مع مساحة من الأراضي داخل النقب لإقامة دولة غزة الكبرى. وبالتالي المشروع المعروض فى المصري اليوم منسوخ من المشروع طائر النهضة للإخوان، فقد سبق أن تم توقيع مذكرة تفاهم بين قطر وتركيا وحماس، وكان هذا المشروع ينص على عمل مشروع كبير من غزة لـ 100 كيلو جنوب العريش لضم المطار، وعندما كان الرئيس عبد الفتاح السيسي وزيرًا للدفاع فى هذا التوقيت أصدر قرارا بمنع تملك الأراضى فى سيناء إلا بموافقة الأجهزة الأمنية.

ليس هذا فقط فلو نظرنا للتاريخ  لوجدناه يكشف لنا عن محطات خطيرة تكشف تورط “الإخوان المسلمين” في تقسيم مصر، وبدأ هذا التقسيم عندما زرعت جماعة الإخوان المسلمين الإرهاب منذ القرن الماضي، وذلك لتنفيذ مخطط أمريكي – إسرائيلي لتقسيم سيناء ما بين شمالها ووسطها والجنوب، كي يكون شمالها تحديدا ما يشبه الإمارة الإسلامية لاحتواء فلسطينيي حماس، لكن إسرائيل كانت تنوي الاستفادة من ضرب الجيش المصري بواسطة هؤلاء الإسلاميين، لفرض شريط حدودي على شاكلة ما فرضته في لبنان اثناء الاحتلال للجنوب..

وقد سعت الجماعات الاسلامية في ذلك الوقت إلى تمهيد الظروف لخلق واقع جديد في شمال سيناء تحديداً، وإيجاد أرض خصبة للربط ما بين إسلاميي غزة وإسلاميي مصر خدمة لمشروع الاخوان، وتركت هذه الجماعة الحرية للخلايا الإرهابية للعمل فى شمال سيناء، والتي تقدر أعداد عناصرها على جانبي الحدود، وفى القطاع وشمال سيناء بأكثر من 13000 متطرف. وتقول المعلومات أن جماعة الإخوان خططت لبناء دولة اسلامية تمتد من غزة إلى العريش وصولاً إلى جبل الحلال في سيناء، بينما تتخذ إسرائيل من جنوب سيناء شريطاً حدودياً تحت سيطرتها، ويجري إدخال قوات تابعة للأمم المتحدة من العريش حتى قناة السويس.

ووفق السيناريو المطروح تستفيد إسرائيل أولاً من حيث تشتيت قوة مصر العسكرية والجغرافية والاقتصادية، وثانيا بإيجاد أزمة مفتوحة في أكبر قوة عربية، تتلاقى أهدافها مع ما يجري في سوريا، علما أن خطط إسرائيل أيضاً تصل إلى اقامة منطقة شريط حدودي في الجولان السوري. ومن هنا تبدو الاستفادة الاسرائيلية جلية من مشاريع إسلاميي الدول العربية الذين نشروا ثقافة التقسيم على مستوى البشر قبل جغرافية الدول.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط.

 

 

في المثقف اليوم