آراء

أطروحات اليسار تعود إلى واجهة النقاش الفكري والايديولوجي

عبد اللطيف الصافيموازاة مع المجهودات البحثية التي تجري في عشرات المراكز عبر العالم لكشف لغز هذا الفيروس المستجد الذي انتشر بشكل سريع غير متوقع، يحتدم النقاش الفكري و الايديولوجي ويتقدم ساحة المواجهة بين تيارين تاريخيين: الرجعي اليميني بكل تلويناته والتقدمي اليساري بمختلف فصائله.

وحيث أن الأزمة أعادت إلى الواجهة  أطروحات اليسار الشديدة النقد للمسار الذي اتخذتة الليبرالية المتوحشة منذ عقود، و تصدرت النقاش الفكري مختلف المفاهيم  التي انتجها الفكر الإشتراكي والتي شكلت مفاتيح للمشاريع المجتمعية التي دافعت عنها قوى اليسار، فإن المفكرين من مختلف أطياف اليسار والفلاسفة التقدميين في الولايات المتحدة وأوروبا والعالم العربي وجدوا في سلوكات الأنظمة الرأسمالية ما يعضد فكرة اليسار التي ترتكز على الإنسان بوصفه هدف أية ممارسة تنموية وغايتها الأسمى. فسارعوا إلى كشف عورة الأنظمة النيوليبرالية التي سعت، منذ بداية ظهور الفيروس على ترابها، إلى إعطاء الأولوية للإقتصاد، وقاوم قادتها بعناد كبير كل إجراء يروم المساس بدورة الإنتاج مصرين على إبقاء  الحياة العامة في حالتها الطبيعية مؤكدين أنه لا بأس من التضحية بمئات الآلاف من الناس الذين يشكلون عبئا على المؤسسات الإجتماعية والصحية  على ألا تتوقف عجلة الاقتصاد. لا يتعلق الأمر هنا بالضمير أو الأخلاق بل بجوهر النيوليبرالية التي لا تعترف بهذه القيم وبطبيعتها القائمة على الإستغلال و المآسي.

فهذا الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجك يرى في جائحة كورونا شيئا نافعا حيث أننا جميعا سنصاب بفيروس التفكيربمجتمع بديل يحقق نفسه في أشكال التعاون والتضامن العالميين.

في حين يؤكد المؤرخ الماركسي فيجاي براساد "أن الأمور لن تعود إلى طبيعتها، لأن الوضع الطبيعي كان هو المشكلة" بما يعني إعادة النظر بشكل جذري في النظام الرأسمالي الذي يعلي من شأن المال ومراكمة الأرباح. أما ناعوم تشومسكي فيشدد  على أن فيروس كورونا يحضر البشرية للوعي بالعيوب العميقة التي تواجهها و يشير إلى أن هناك حاجة لاستبدال النظام الإقتصادي و الإجتماعي ذي الخصائص المختلة بنظام عالمي إنساني. بينما يرى الإقتصادي الأميركي الشهير جيفري ساكس أنّ العالم الذي "تحكمه القوى الغربية يُشرِف على نهايته"، معتبرا أن الوضع الوجودي في العالم يتوقّف على مُعالجة الاحتياج الإقتصادي والعدالة الاجتماعية والقضايا البيئية والتعاون السلمي وكلها قضايا غير مضمونة في قوانين الرأسمالية.

من جهته، يعتبر الفيلسوف الفرنسي ادغار موران بأنّه يتعيّن على البشريّة التخلي عن العقيدة النيوليبرالية و البحث في طريق جديد يساهم في الحفاظ على الخدمات العموميّة وتعزيزها. أما الفيسلوف الفرنسي ميشيل أونفري فيرى أن تداعيات وباء كورونا أصبحت تفرض تجديد النظرية الماركسية للتخلص من النيوليبرالية بإنتاج صيغة ماركسية جديدة تنتج فكرا نقديا من شأنه مواجهة كل أشكال التسلط ضدّ الفئات الصغيرة المضطهدة،

وفي المغرب تقود قوى اليسار أساسا، والشبيبات اليسارية، وفي طليعتها الشبيبة الاشتراكية،إضافة إلى بعض المنصات المدنية والجامعية، نقاشا مهما يتصدى للإجابة على الأسئلة العميقة التي تطرحها جائحة كورونا على بلادنا والعالم و تبحث في تداعياتها على المستويات الاقتصادية والسياسية و الإجتماعية و البيئية والثقافية. ويمكن القول ان هذا النقاش يسير عموما في اتجاه التشديد على طبيعة الدولة وأهمية استعادتها لأدوارها كاملة في الرعاية والتوجيه والتخطيط وفشل الرهان على القطاع الخاص وغيرها من الاطروحات التي تبرهن على حيوية ناهضة.

ولا تكتفي هذه القوى بالنقاش من وراء جداريات العزل الصحي والإجتماعي، بل تراقب الأوضاع العامة وتنتقد السياسات الرسمية المتبعة في ظل هذه الأزمة.

 

بقلم : عبد اللطيف الصافي

 

في المثقف اليوم