آراء

كيف نقرأ الاتفاق الإماراتي مع إسرائيل؟ (1)

محمود محمد عليتعد منطقة الشرق الأوسط بؤرة توتر شديدة في العالم بسبب الصراع العربي الإسرائيلي، الذي نشب كنتيجة حتمية لقيام الكيان الصهيوني في قلب البلاد العربية، مما أوجد ما يعرف بالقضية الفلسطينية التي تعد المحور الرئيسي لتأزم الصراع، ولذلك فقد طُرحت العديد من المبادرات الدولية والإقليمية من أجل تحقيق تسوية عادلة وشاملة للصراع وكحل بعد فشل استخدام القوة، وهذا ما تمثل في اتفاق كامب ديفيد الذي يعتبر تحولاً تاريخياً في مجري الصراع.

فللمرة الأولي توقع دولة عربية اتفاقاً تعاقديا مع إسرائيل، وذلك في 26 مارس 1979 توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في واشنطن العاصمة الأمريكية بحضور الرئيس السادات ومناحم بيجن والرئيس جيمي كارتر، وقد شهدت اتفاقية السلام جدل ونقاش كثير جداً منذ توقيع المعاهدة، لكن هذه المعاهدة جاءت بعد حرب أكتوبر المجيدة، وفجأة الرئيس أنور السادات، فاجئ المصريون والعرب والعالم أجمع، لزيارة إلي القدس، وبالصلاة في المسجد الأقصى، وبإلقاء خطاب في الكنيست الإسرائيلي ؛ نعم لقد فاجئ السادات كل العالم بهذه الخطوة التي قادت إلي تسوية سلمية بعد حرب مجيدة، وبعد هذه الزيارة المباغتة والتاريخية، سعي الرئيس السادات بهذه المعاهدة إلي تسوية سلمية بين مصر وإسرائيل من خلال اتفاقية كامب ديفيد الشهيرة.

أثارت اتفاقية "كامب ديفيد" ردود فعل معارضة في مصر ومعظم الدول العربية، ففي مصر. استقال وزير الخارجية "محمد إبراهيم كامل" لمعارضته الاتفاقية، وسماها مذبحة التنازلات، وكتب مقال كامل في كتابه "السلام الضائع في اتفاقات كامب ديفيد" المنشور في بداية الثمانينيات، أن "ما قبل به السادات بعيد جداً عن السلام العادل"، وانتقد كل اتفاقات كامب ديفيد، لكونها لم تشر بصراحة إلى انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة، والضفة الغربية، ولعدم تضمينها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وعقدت هذه الدول العربية مؤتمر قمة رفضت فيه كل ما صدر، وبعد ذلك اتخذت جامعة الدول العربية، قراراً بنقل مقرها من القاهرة إلى تونس احتجاجاً على الخطوة المصرية.

بعد سنوات وسنوات من النقد والنقض في شخص الرئيس السادات، أدركت معظم الشعوب العربية التي كانت تقاطعه بالأمس بسبب تلك الاتفاقية، أنها أخطأت في حق الرئيس السادات؛ حيث تبين لهم أنه في الوقت الذي ما تزال هضبة الجولان تحتلها إسرائيل ومناطق أخري مازالت محتلة، نجح السادات بلا شك من خلال تلك الاتفاقية إلي عودة كل المناطق المصرية التي احتلتها إسرائيل حتي آخر جزء وهو طابا، كما أدركوا أن أنور السادات بذكائه الشديد من خلال تلك الاتفاقية وبتسوية سياسية أن يصل إلي هذا المستوي المقبول جداً في إطار التوازن للقوي الدولية والدعم الأمريكي الإسرائيلي، علاوة علي أن الاتفاقية جعلت العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية تتحسن بين مصر وإسرائيل من خلال مشاريع لتطوير السياحة، خاصة في سيناء.

اثنان وسبعون عاماً من الصراع العربي الإسرائيلي وتوالي الاتفاقيات منذ اتفاقية كامب ديفيد بين الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن في عام 1978، التي أفضت إلى معاهدة السلام بين البلدين في 1979، تلتها مبادرات سياسية عديدة منها في أوسلو عام 1993 بعد حرب الخليج، حيث كانت المحادثات السرية بين "ياسر عرفات" و"شمعون بيريز" لتتمخض عن اتفاق عرف بـ" مؤتمر مدريد"، وقام عليه إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي بمصادقة أميركية روسية، وبعدها بثلاث سنوات اغتالت إسرائيل "يحيى عياش" فردت حماس بالقنابل ليقود ذلك نحو عقد قمة صانعي السلام في مصر لمحاربة الإرهاب وعرقلة اتفاقيتين حول الخليل، ومن ثم في عام 1998 تم التوقيع على اتفاق واي ريفر بلانتيشن "الأرض مقابل السلام" كما سماها نتيناهو.

هذه المحطات مروراً بمؤتمر أنابوليس الذي نظمته الولايات المتحدة في 2007 للتوصل إلى اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وغيرها، هي محاولات لجعل التفاوض والسلام هما من يقودان المشاورات السياسية بدلاً من التعنت وأيديولوجيا الأحزاب والسلاح وذهاب الأرواح والأراضي والأموال، فجاء اليوم الاتفاق التاريخي الذي عقدته الإمارات مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ليكون أولاً وقبل كل شيء قرارا سيادياً يخص الإمارات ودبلوماسيتها الرصينة في التعامل السياسي، وجاء كنتيجة طبيعية لجميع الجهود التي قامت بها الدول منذ أن أطلق رئيس وزراء إسرائيل خطته المثيرة للجدل لبسط السيادة على الأراضي الفلسطينية التي جوبهن بمعارضة وغضب على مستوى المجتمع العربي والدولي، فالاتفاق يمهد الطريقَ نحو حفظ ما يقارب 30 % من الأراضي الفلسطينية، وصولًا إلى استقرار شامل للمنطقة، وذلك حسب "منى الرئيسي" في مقالها بعنوان سياسة الإمارات.. دولة السلام.

وقد أُطلق عل اتفاقية الإمارات- إسرائيل اسم "اتفاق إبراهيم" (بالعبرية: הסכם אברהם)، (نسبةً إلى النبي إبراهيم، باعتباره شخصيةً محوريةً في الأديان السماوية الثلاث الرئيسية في العالم، وهي الإسلام والمسيحية واليهودية)، هو اتفاقٌ أُبرم بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة في 13 أغسطس (آب) 2020، وبِمُجرد توقيع هذه الاتفاقية، ستُصبح الإمارات ثالث دولة عربية، بعد مصر عام 1979 والأردن عام 1994، توقع اتفاقية سلام مع إسرائيل، وكذلك أول دولة خليجية عربية تقوم بذلك؛ حيث ستعمل الاتفاقية على تسوية العلاقات بين البلدين. وبموجب شروط الاتفاق، ستعلق إسرائيل اقتراحها لضم غور الأردن في الضفة الغربية.

الموقف الإماراتي كان جريئاً من حيث ما يمكن أن يلي هذه الخطوة من ردود فعل منحازة ومستغلة لتحدث تشويهاً في المقاصد الحقيقية، وكان واضحاً وشفافاً ومبنيا على منطق الأحداث العقلانية لا على عاطفة الأفكار العربية وسط تمسك بالقضية الفلسطينية، إذ إن الإمارات داعمة وملتزمة بحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ومدركة بأن خطوتها لم تأت صدفة بل مبنية على قراءة متأنية للواقع الجيوسياسي.

وقد سلطت افتتاحيات الصحف الإماراتية والعربية الصادرة خلال الأيام الماضية الضوء على أهمية معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل باعتبارها فرصة للفلسطينيين والإسرائيليين للعودة إلى طاولة المفاوضات، فضلاً عن الترحيب الدولي من العواصم الرئيسة في العالم التي ترى فيها طوق نجاة للمنطقة، مشيرة إلى أن مسيرة دولة الإمارات تمضي لوجهتها بفضل الرؤية السديدة لقيادتها الرشيدة والتي تعمل من خلالها على صناعة تاريخ جديد تنعم فيه الأجيال بالسلامة والأمان والاستقرار في كل مكان.

كما تناولت الصحف استمرار تركيا في غيها واستباحة الأراضي العربية لتحصيل مكاسب سياسية .. مشيرة إلى أن تركيا ورئيسها يستعمل ورقة التنظيمات الإرهابية كورقة ابتزاز والمساومة على حقوق ليس من حقه التصرف بها وهو بمخالفته للقانون الدولي وللقرارات والاتفاقات الدولية يفتح أبواباً للفوضى لا يمكن سدها إلا بتضافر الجهود العربية لمواجهة خططه العدوانية

وتحت عنوان " لا للمزايدات " .. أكدت صحيفة "الاتحاد" أن معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل فرصة للفلسطينيين والإسرائيل يين للعودة إلى طاولة المفاوضات، بعد فترة طويلة من الجفاء، لم يحقق الطرفان فيها أي تقدم على الأرض، وهذا ما يفسر الترحيب الدولي من العواصم الرئيسة في العالم التي ترى في معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيل ية طوق نجاة للمنطقة، مبدداً مزايدات أطراف إقليمية راغبة في استمرار حالة الصراع لتحقيق مكاسب.. وأضافت أن هذه المعاهدة ليست الأولى ولا الأخيرة، فإسرائيل ترتبط بمعاهدات سلام وعلاقات غير رسمية مع دول عديدة في المنطقة، لكن الاختلاف في توقيت هذه المعاهدة التاريخية هو تبديد قلق فلسطيني وعربي وعالمي من النيات ال إسرائيل ية الأخيرة بضم أراضٍ فلسطينية، لكون هذه المسألة تؤثر على حل الدولتين، كما أن المعاهدة تعزز حق الفلسطينيين، وتعيد الآمال لهم في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

من ناحيتها وتحت عنوان " السلام خيار الأقوياء " .. قالت صحيفة "الوطن" الإمارتية تمضي مسيرة دولة الإمارات الشامخة إلى وجهتها بفضل رؤية سديدة للقيادة الرشيدة، تعمل من خلالها على صناعة تاريخ جديد تنعم فيه الأجيال بالسلامة والأمان والاستقرار في كل مكان .. العالم تغير والأحداث الكبرى تحدث بشكل عام في مختلف أصقاع الأرض منها ما يتم بشكل مدروس ومنها ما يأتي فجأة.. وحدها الدول التي تجيد استباق الزمن وتبقى على ثوابتها هي التي تجيد الانتصار في كافة ملاحم الحياة وميادينها .. ويبقى السلام التجسيد الأكثر دلالة على قرارات الأقوياء ومدى ثقتهم بالقدرة على صناعة التاريخ وجعله كما يجب.. فالشجاعة في القرارات الكبرى يتخذها الزعماء الكبار على قدر التحديات وبما يواكب الآمال العظيمة والأمانة الكبرى التي يحملونها تجاه البشرية .

وذكرت أن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، عود العالم على قرارات جريئة ومساع نبيلة كان لها الفضل بالتوصل إلى السلام في عدة محطات من خلال رؤية قائد يجيد تحقيق الأهداف الكبرى التي تحمل معها الخير والفرج للشعوب، واليوم يشعر العالم بالفخر بإنجاز سموه حيث أن جميع شعوب الأرض تعرف المعنى الحقيقي لصناعة السلام العادل الذي يجسد توجهها لإحداث كل تغيير إيجابي.

وأكدت "الوطن" في الختام أن السلام قوة وهو نتاج إرادة الأقوياء، وأهم القرارات التاريخية هي التي تضع السلام هدفاً وتحققه، واليوم يتأكد لجميع أمم الأرض عبر معاهدة السلام مع إسرائيل أن دولة الإمارات وقرارات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في العمل للسلام هي أحد وجوه القوة التي تميز أهل هذه الأرض المباركة وما تريده من خير وأمن وانفتاح على الجميع.. وللحديث بقية..

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

 

 

 

في المثقف اليوم